Sunday 19 October 2025
Advertisement
في الصميم

أريري: الجزائر.. بئس الجار وبئس الجوار!

أريري: الجزائر.. بئس الجار وبئس الجوار! عبد الرحيم أريري
إلى حدود 2007، كانت معرفة العديد من المغاربة بجهاز مديرية الأمن والاستعلام (DRS) بالجزائر، لا تتجاوز معلومات عمومية. وحدها النخبة العالمة بالمغرب من كانت تدرك خطورة هذا الجهاز العسكري بدولة الكراغلة، ودوره في إزعاج المغرب والتشويش عليه وإنهاكه دوليا من أجل فصل الصحراء عن التراب الوطني.
 
لكن ما أن أطلق الملك محمد السادس رصاصة الرحمة وطرح  المبادرة المغربية المتمثلة في "الحكم الذاتي"، حتى بدأ جهاز الأمن والاستعلام الجزائري يخرج من دائرة العتمة إلى دائرة الضوء، وبدأ العديد من المغاربة يستأنسون، إن لم نقل متعطشين لمتابعة الأخبار الخاصة بجهاز "الكاجي بي الجزائري".
 
نقطة التحول الفاصلة تكمن في أن مبادرة الحكم الذاتي لاقت عام 2007 إقبالا مهما في معظم العواصم المؤثرة بالعالم لكونها شكلت، ربما، مفتاحا لحلحلة أحد أقدم النزاعات الدولية بالعالم (هناك أربعة نزاعات مجمدة بالعالم وهي: كشمير، قبرص، ناكورني كاراباخ ثم الصحراء)، بشكل جعل الجزائر تحس بـ «المقلب» وبالمخاطر الممكن أن يتسبب فيها تزايد التأييظ والترحيب بمبادرة الحكم الذاتي، (وهو التأييد الذي حصد الآن أزيد من 100 دولة بالأمم المتحدة مؤيدة للحكم الذاتي). فكان ذاك القرار «التاريخي» القاضي بوضع البيض الجزائري كله في سلة المخابرات العسكرية  (تحديدا جهاز الاستعلام والأمن DRS).
 
نعم، كان شرط وجود هذا الجهاز العسكري بدولة العصابة مرتبطا بلازمتين:
أولا:  محاربة الجماعات الإرهابية طيلة العشرية السوداء التي عرفتها الجزائر عقب الانقلاب على المسلسل الانتخابي الذي مكن جبهة الإنقاذ من الفوز في الانتخابات البرلمانية عام 1991.
 
ثانيا: محاربة المغرب بنثر الحصى تحت أقدامه حتى لا تقوم له قائمة، وحتى يبقى المغرب مرهونا بملف الصحراء.
ومع ذلك، يمكن القول إن "مديرية الاستعلام والأمن" لم تتمكن من خلق متاعب كبرى للمغرب طوال الفترة 1990و2006، اللهم ما كان من محاولة تصدير الإرهاب للمغرب عام 1994 في حادثة أطلس أسني بمراكش، والاستمرار في إرشاء الرؤساء والوفود الأجنبية لحملها للتصويت ضد المغرب، خاصة وأن تلك الفترة كانت الجزائر تعرف حالة من الوهن البارز، بسبب اللا استقرار المؤسساتي من جهة، واستنزافها في الحرب الأهلية من جهة ثانية. 
 
إلا أن النقطة المفصلية - في نظرنا- التي ستجعل الجزائر وجهازها الاستخباراتي يصاب بالسعار هي لحظة تسجيل المقترح المغربي (الحكم الذاتي) بالأمم المتحدة عام 2007.
 
ففي هذه الفترة علينا أن نستحضر أن الجزائر بدأت تتعافى من الحرب الأهلية، وتم اعتماد «الوفاق المدني»، وتقوت سلطة الرئيس السابق بوتفليقة في العهدة الرئاسية الثانية، وهذه كلها عوامل أججت حكام الجزائر للتضييق على المغرب في المحافل الدولية. فبدأت المهمة الرئيسية للمخابرات العسكرية تتضح في خمسة أبعاد:
 
1 - إحياء تدويل قضية الصحراء.
2 - تسخير مكتب خبرة ومكاتب محاماة بالغرب باللجوء إلى المحاكم وإلى القضاء الدولي لمنع المغرب من الاستفادة من خيرات ترابه بالصحراء.
3 - التضييق على المغرب في دوائر صنع القرار بأوربا وأمريكا تحديدا
4 - زرع الخونة بالمغرب واستقطابهم وتمويل انفصاليي الداخل وتدريبهم على إثارة الفتن والمظاهرات وترويج الاشاعات والأخبار الكاذبة في المواقع الاجتماعية.
5 - إغراق المنظمات الحقوقية الأممية والغربية بـ «تسونامي» من الشكايات الكيدية أو الفيديوهات المفبركة، ضد المغرب من طرف انفصاليي الداخل.
 
ولتحقيق ذلك التجأ جهاز DRS، إلى تقنيات جديدة وأساليب أنيقة في التعبئة والتجييش ضد المغرب: ألا وهي التعاقد مع مكاتب محاماة دولية ومراكز بحث جامعية أوربية لتمويلها بمبالغ فرعونية قصد إنتاج خبرة تبدو للعيان بأنها «خبرة» مهنية وجامعية»، لكنها في الواقع خبرة «مخدومة» وموجهة لضرب حقوق المغرب في الصحراء (مثلا: تمويل الجزائر لدراسات حول استغلال الثروات، أو الطعن في الاتفاقات الدولية المبرمة بين المغرب وشركائه، أو تمويل حملات للضغط على الشركات العالمية بعدم التعامل مع المغرب بتشبيهه باسرائيل التي تحتل فلسطين! إلخ...). هذه الدراسات والحملات لما تنجز من قبل منظمات مدنية أوربية وأمريكية ومراكز جامعية ومكاتب استشارة ومكاتب محاماة غربية، يكون لها مفعول «السم» في العقل الكوني، بالنظر إلى أن الرأي العام الدولي لا يكون على اطلاع بأن تلك الدراسات والخبرات والحملات «ليست في سبيل الله»، بل هي ممولة بسخاء شديد من طرف المخابرات العسكرية الجزائرية (DRS)، والتي (أي الدراسة والخبرة) تكون مشروطة بكناش تحملات يربط التمويل بتحقيق النتائج: أي التشويش على المغرب.
 
السعار الجزائري سيحتد أكثر في عام 2017 (علما أن جهاز  DRS، تم حله وهيكلته في سنة 2016 باسم جديد DSS، ثم خضعت أجهزة المخابرات الجزائرية لهيكلة أخرى عام 2019). السعار احتد بعد أن أطلق الملك محمد السادس رصاصة أخرى تجلت في عودة المغرب، وبقوة إلى الاتحاد الإفريقي (بعد أن ظل مقعده شاغرا منذ 1982). إذ أدركت دولة العصابة أن عودة المغرب (التي زكاها حضور شخصي للملك محمد السادس بمقر الاتحاد بأديس أبابا)، ستجفف مشاتل الجزائر بافريقيا. وهو ما تحقق باصطفاف ثلثي دول القارة السمراء مع الطرح المغربي، مما أغاظ عسكر الجزائر الذين بعد أن "اصطدموا بالحايط"، لم يجدوا من سبيل سوى "الطلوع للجبل" واعتماد سياسة "ولو طارت معزة" مع المغرب.
 
وبعد أن أصبح الجنيرال شنقريحة هو الرئيس الفعلي للجزائر في 2019 تكرست القطيعة رسميا: قطع العلاقات الديبلوماسية وإغلاق المجال الجوي في وجه المغرب، وفسخ العقود وطرد ممثلي الشركات المغربية من الجزائر، والسطو على التراث اللامادي للمغاربة ومعاكسة قرار أممي لصالح فلسطين نكاية منها في لجنة القدس التي يرأسها الملك محمد السادس. ليتم تتويج هذا المسلسل الجزائري الطافح بالغل والحقد الأسود ضد المغاربة، بضرب كل الأعراف الرياضية الدولية ورفض فتح الأجواء لكي لا يشارك المنتخب المغربي لكرة القدم في تظاهرة "الشان" الإفريقية.
 
جنون الطغمة العسكرية بالجزائر حطم كل الأرقام، لما حظي المغرب بشرف احتضان "الكان" (نسخة 2025) ومونديال 2030، وهو ما يفسر لجوء المخابرات العسكرية الجزائرية إلى تكتيك آخر، يتجسد في الحرب السيبيرانية ضد المغرب وتجنيد فيالق وكتائب إلكترونية بحسابات وهمية لإغراق الفضاء الأزرق المغربي بكل الأخبار الملفقة والفيديوهات المفبركة أو ترويج خطابات تروم التشكيك في كل ما ينجزه المغاربة من إشراقات لزرع الإحباط والتيئييس. 
 
فعلا، لقد صدق المرحوم الحسن الثاني حين قال قولته الخالدة: "نريد من العالم أن يعرف مع من حشرنا الله معهم في الجوار".
بئس الجار وبئس الجوار !