الجمعة 29 مارس 2024
اقتصاد

حركات: هذه بعض المداخل لخروج المغرب من التخلف الاقتصادي والتكنولوجي

حركات: هذه بعض المداخل لخروج المغرب من التخلف الاقتصادي والتكنولوجي د.محمد حركات

تداولت وسائط التواصل الاجتماعي في الآونة الأخيرة، مقال للباحث ألكسندر- وهو طبيب جراح في الأصل- بجريدة لكسبريس الفرسية، الصادرة يوم 29 غشت 2018، بعنوان ''En 1980 ,le Maroc était riche 5 fois plus que le Chine ''. وهو ما أثار نقاشا في عدة أوساط مالية وسياسية، ومن بين ما أثير بشأن خلاصات ألكسندر التساؤلات التالية:

ماهي المعايير التي اعتمدها مقال الباحث ألكسندر للمقارنة بين المغرب والصين؟ وهل الصين بنت مجدها على ما تخصصه لتمويل البحث العلمي مقارنة مع دول العالم، إذ تخصص لوحدها فقط 23 في المائة من الناتج الداخلي الخام؟

في هذا الحوار مع د.محمد حركات: باحث في الاقتصاد السياسي والحكامة، يشرح أسباب فشل المغرب إلى المرور إلى الدول الصاعدة، ولماذا نجحت الدول الأسيوية التي كانت إلى حدود أواخر السبعينات في نفس مستوى المغرب، وتعثرت بلادنا. وهل سيظل المغرب يعتمد على النموذج الفرنسي أو الأوروبي الذي أثبت محدوديته أم يطور شراكات مع دول حققت اقتصادها طفرة نوعية.

*ماهي المعايير التي اعتمدها المقال للمقارنة بين المغرب والصين، والمنشور بجريدة لكسبريس الفرنسية، يوم 29 غشت 2018، الذي يحمل عنوان ''En 1980 ,le Maroc était riche 5 fois plus que le Chine ''؟

**يقول ابن خلدون"بأضدادها تعرف الأشياء"، بالنسبة للمعايير التي اعتمدها ألكسندر وهو طبيب جراح في الأصل للمقارنة بين المغرب والصين سنة 1980، لا أعتقد أن الخطاب موجه للمغرب أساسا، بل هو موجه كذلك للطبقة السياسية الفرنسية بحيث أن المقال هو يعتمد على عدة معايير:

المشاركة في إنتاج وخلق الثروة، أي معيار كمي يستند إلى المقاربة للناتج الداخلي الإجمالي، يعني ماذا أنتجه المغرب والصين والناتج الفردي السنوي سنة 1980. ومن الصعب مقارنة المغرب بالصين لأن المغرب آنذاك، لم يكن يتعدى 26 مليون نسمة سنة 1980، وخلال هذه الفترة شهد المغرب خروجه من مخطط التقشف وكان يستعد لسياسة التقويم الهيكلي التي نادى بها البنك الدولي والتي فرضت على المغرب بعد 1980 مجموعة من الإجراءات التقشفية ، في التعليم والصحة وغيرها. لكن في الصين سنة 1980، وبعد وفاة ماوتسي تونغ سنة 1978، تبنت هذا البلد برامج جريئة في الانفتاح والإصلاح . ولا يمكن المقارنة مع الصين على المستوى الديموغرافي، إذ يصل عدد سكانها الآن إلى مليار و400 مليون وهو رقم ضخم جدا.ولم يكن الباحث ألكسندر سباقا إلى ذلك بل مجموعة من العلماء المغاربة الذين نبهوا إلى خطورة الوضع فيما يتعلق بالتوجهات الاقتصادية والاجتماعية في البلاد وضرورة تبني سياسة التصنيع والبحث العلمي ومحاربة الأمية والهشاشة والفقر والتوزيع العادل للثروات.

وسنة 1975 كان الناتج الداخلي الخام للمغرب هو ضعف نظيره بالبرتغال، وهناك عدة عوامل داخلية وخارجية جعلت المغرب يتعثر.

ثانيا: العنصر الذي اعتمده المقال مرتبط أساسا بدور اقتصاد المعرفة في التنمية الشاملة ورفع الإنتاج من خلال خلق الثروات ، والواقع نجد المغرب اليوم لا ينفق على البحث العلمي إلا 0.80 في المائة من الناتج الداخلي الخام، وهي نسبة ضعيفة، موزعة بين 0.68 في المائة تؤديها الدولة للبحث العلمي و0.12 في المائة يؤديها القطاع الخاص، لكن الغرابة فيما يتعلق بالبحث العلمي أنها تشمل أجور رجال التعليم. والملاحظ أن مشاريع قوانين المالية منذ عدة سنوات خلت لا تهتم بهذا الجانب بما فيه الكفاية رغم انه قطاع استراتيجي في التنمية وفي تقدم البلاد

*ماهي الخطوات المفروض أن يقوم بها المغرب ليواكب اقتصاد المستقبل المبني على المعرفة والذكاء الاصطناعي؟

** ينبغي بلورة خطة استراتيجية في التعليم والبحث العلمي وهما يشكلان حلقة عضوية جدلية فيما بينهما ، لانه لا يستقيم الحديث عن التعليم دون البحث العلمي لأن البيداغوجيا دون البحث العلمي فاشلة و العكس صحيح .

نجد اليوم أن المغرب يعاني من أمية كبيرة، المقال تحدث عن نسبة 40 في المائة من الأمية لدى النساء، وأعتقد أن الرقم أكبر من ذلك.

من جهة أخرى، تستحوذ الصين على نسبة 23 في المائة من نفقات البحث العالمي، لكن لماذا نتحدث اليوم عن الصين، لأن لديها حلم. وبعد وفاة ماوتسي تونغ سنة 1978، بدأت عدة خطط تنموية، الرئيس الحالي للصين يعتمد ما يسمى بالحلم الصيني. لأن الحلم هو الذي يعبئ المجتمع والمواطنين والدولة على السواء ، نحن في المغرب ليس لنا حلم مع الأسف، والدول العربية كذلك.

من الصعب على المغرب أن يدخل إلى نادي الدول الناشئة. لماذا؟ لأنه ينبغي أن يتوفر على حلم، ينبني على دعم التعليم،و التعبئة، من خلال القضاء على الأمية والاهتمام بالبحث العلمي.

*(مقاطعا) ماذا عن التوفر على نخب وأحزاب سياسية التي كان عليها أن تتنافس على برامج انتخابية تسعى إلى الرقي بالمغرب في سلم التنمية البشرية الدولية والرفع من الناتج الداخلي الخام عوض التنافس على "الكراسي'' والمناصب؟

**صحيح لأن النخب السياسية هي التي ينبغي أن نسائلها اليوم، كيف أنها تسكت على هذه الكوارث في القرن 21 كالأمية. اليابان قضت على الأمية خلال السنة الدراسية 1862/1863 وأصبح آنذاك كل اليابانيين يعرفون القراءة والكتابة. والآن ليست لنا أجندة، لأن هناك مناهج تقليدية لايمكن أن نعتمد عليها. فضلا عن رداءة البرامج التعليمية التي تعرقل التفكير النقدي عند الشباب وكافة المتعلمين.

كما أن الطبقة السياسية ليست بقارئة، وهي لاتقرأ ما يكتبه العلماء والباحثون المغاربة وصاحب المقال تحدث عن أشياء خطيرة، إذ قال أنه ينبغي تبجيل رجال العلم والمعرفة والمهندسين.. كما أن هناك قطيعة بين الأحزاب السياسية والكفاءات الوطنية، ولايمكن أن نتقدم بدون أن تتحمل الأحزاب مسؤوليتها،هذه الأحزاب لم تستطع الانفتاح على الكفاءات والأطر.. ونحن في حاجة إلى وطنية جديدة.

الآن أصبح العالم يتغير وفق ما يسمى بالمعرفة الرقمية، ويقول العلماء هل أصبحنا بحاجة إلى مهندسين.

وليست هناك إحصائيات رسمية بخصوص هجرة الكفاءات المغربية، إذ تفد شركات أجنبية إلى الدار البيضاء كل شهر لجلب المهندسين المعلوماتيين المغاربة. ربما هناك تعتيم مقصود من الحكومة حول هذه الأرقام، لأن هناك نزيف كبير لهجرة الكفاءات وليس للحكومة حلول وبديل. الإحصائيات المتداولة، أن هناك 8000 إطار تهاجر سنويا في جميع التخصصات، و1200 من رجال الأعمال، و630 من الأطباء، ووزير التعليم العالي أكد منذ شهر هجرة 600 مهندس سنويا وهذا الرقم يعادل خريجي جامعة الدار البيضاء من المهندسين سنويا ! و حسب بحث دراسي ميداني 97 من المائة الشباب يودون مغادرة المغرب، لأن المناخ العام لا يساعد على الخلق و الإبداع والإشعاع والمعرفة. لهذا يحب وضع إستراتيجية علمية جديدة أولا لإيقاف هذا النزيف لهجرة الأدمغة والإعداد الإعداد الجيد لولوج مجتمع المعرفة ولكن ليس ببرامج اليوم والإمكانيات الضعيفة المرصودة اليوم.

كما ينبغي الإشارة أن الحكومة الحالية لا تتوفر على بنك للمعلومات وليست لها رؤية لتحفيز ورجوع الكفاءات المغربية بالخارج، في حين نجد أن الدول الآسيوية تمتاز بتوفرها على بنك للمعلومات ومتابعة لكفاءاتها للمساهمة في تطور اقتصادها.

كذلك ليس هناك تقويم للمخاطر ورؤيا واضحة للمستقبل ، فالعالم يتطور بوثيرة سريعة في خضم التحولات الناجمة عن الثورة الرقمية ، مثلا المغرب ينفق على تكوين ربابنة طائرات وفي 2030 سنشهد طائرة بدون طيار، ليست لدينا رؤية لعام 2030 ..الآن يوجد هذا النوع من الطائرات أو ''الدرون". لذا ينبغي التفكير في التكوينات المناسبة في أفق التحولات التي تعرفها منظومة الإنتاج العالمية.

إذا استحضرنا أن كوريا الجنوبية تخصص 5 في المائة للبحث العلمي من الناتج الداخلي وأن الصين 23 في المائة عالميا، نستنتج أن النموذج الفرنسي أو الأوروبي الذي اعتمدنا عليه أصبح متخلفا دوليا، إذ نجد مثلا فرنسا 2.2 في المائة، إسبانيا، إيطاليا، البرتغال تخصص حوالي 1 في المائة للبحث العلمي. الآن هناك نقاش في فرنسا كيف أصبح اليوم متوسط العيش بسنغافورة أفضل مرتين من فرنسا.