مع اقتراب كل استحقاق انتخابي في المغرب، تتكرر نفس العبارات وتُعاد نفس الوعود التي تُخاطب وجدان الشباب وتُراهن على عواطفهم: "الشباب عماد المستقبل"، "نحن نعوّل على طاقاتهم"، "الحزب يفتح أبوابه للكفاءات الشابة"... عبارات أصبحت مألوفة حدّ الابتذال، لكنّها سرعان ما تتلاشى بعد انتهاء الحملات الانتخابية، لتُكشف الهوة بين الشعارات الرنانة والممارسات الحزبية الواقعية.
منصة انتخابية فقط؟
لقد تحوّل الخطاب السياسي الموجّه إلى الشباب، في أغلب الأحيان، إلى وسيلة مؤقتة لاستقطاب أصواتهم في صناديق الاقتراع، دون أي التزام فعلي بإدماجهم في دواليب القرار الحزبي أو تمكينهم من لعب أدوار قيادية داخل التنظيمات. وهو ما خلق شعورًا عامًا وسط الشباب المغربي بأن الأحزاب لا ترى فيهم سوى "أرقام انتخابية" أو "ديكور حداثي" يُستعرض عند الحاجة.
لقد تحوّل الخطاب السياسي الموجّه إلى الشباب، في أغلب الأحيان، إلى وسيلة مؤقتة لاستقطاب أصواتهم في صناديق الاقتراع، دون أي التزام فعلي بإدماجهم في دواليب القرار الحزبي أو تمكينهم من لعب أدوار قيادية داخل التنظيمات. وهو ما خلق شعورًا عامًا وسط الشباب المغربي بأن الأحزاب لا ترى فيهم سوى "أرقام انتخابية" أو "ديكور حداثي" يُستعرض عند الحاجة.
تهميش ممنهج داخل التنظيمات
رغم أن العديد من الأحزاب تتوفر على شبيبات وتنظيمات موازية، فإنها غالبًا ما تُستخدم كأدوات للتأطير العمودي لا الأفقي، أي كقنوات لنقل التعليمات من القيادات العليا بدل أن تكون فضاءات حقيقية للتعبير، والمبادرة، وصناعة القرار. والنتيجة أن الكفاءات الشابة، مهما بلغت من تأهيل والتزام، تصطدم بجدار من الممانعة التنظيمية، يُقصيها لصالح نفس الوجوه التي تتوارث المناصب والمسؤوليات لعقود.
وحتى حين يُسمح لبعض الشباب بولوج مراكز متقدمة، فإن الأمر يكون إما بشكل رمزي، أو ضمن توازنات محسوبة بعناية، تضمن استمرار الهيمنة التقليدية داخل الأجهزة.
رغم أن العديد من الأحزاب تتوفر على شبيبات وتنظيمات موازية، فإنها غالبًا ما تُستخدم كأدوات للتأطير العمودي لا الأفقي، أي كقنوات لنقل التعليمات من القيادات العليا بدل أن تكون فضاءات حقيقية للتعبير، والمبادرة، وصناعة القرار. والنتيجة أن الكفاءات الشابة، مهما بلغت من تأهيل والتزام، تصطدم بجدار من الممانعة التنظيمية، يُقصيها لصالح نفس الوجوه التي تتوارث المناصب والمسؤوليات لعقود.
وحتى حين يُسمح لبعض الشباب بولوج مراكز متقدمة، فإن الأمر يكون إما بشكل رمزي، أو ضمن توازنات محسوبة بعناية، تضمن استمرار الهيمنة التقليدية داخل الأجهزة.
ازدواجية الخطاب وفقدان المصداقية
هذا التناقض الصارخ بين الخطاب والممارسة يُسهم بشكل مباشر في اتساع فجوة الثقة بين الشباب والأحزاب، بل وبين الشباب والمؤسسات السياسية عمومًا. فالشباب المغربي اليوم أكثر وعيًا، وأكثر قدرة على التمييز بين الخطاب الحقيقي والمناورات الخطابية، وهو ما يُفسّر ارتفاع نسب العزوف السياسي، وتراجع نسب المشاركة في الانتخابات، خاصة بين الفئات الشابة.
هذا التناقض الصارخ بين الخطاب والممارسة يُسهم بشكل مباشر في اتساع فجوة الثقة بين الشباب والأحزاب، بل وبين الشباب والمؤسسات السياسية عمومًا. فالشباب المغربي اليوم أكثر وعيًا، وأكثر قدرة على التمييز بين الخطاب الحقيقي والمناورات الخطابية، وهو ما يُفسّر ارتفاع نسب العزوف السياسي، وتراجع نسب المشاركة في الانتخابات، خاصة بين الفئات الشابة.
هل من أفق للتغيير؟
ورغم هذا الواقع المُحبط، فإن الأمل لا يزال قائمًا، وهناك بوادر مقاومة داخل بعض التنظيمات الحزبية، حيث برزت مبادرات شبابية تطالب بالديمقراطية الداخلية، وتُصر على إحداث تغييرات جذرية في بنيات القرار وأساليب العمل. كما أن المجتمع المدني والمبادرات المستقلة تواصل الضغط من أجل فتح المجال السياسي أمام طاقات جديدة ومقاربات بديلة.
إدماج الشباب في الحياة السياسية لا يمكن أن يتم بالخطاب وحده، بل عبر مراجعة شاملة للقوانين الداخلية للأحزاب، وضمان تكافؤ الفرص، واعتماد معايير واضحة في الترشح للمسؤوليات، وإرساء مبدأ التداول الفعلي، وليس الصوري، على القيادة.
ورغم هذا الواقع المُحبط، فإن الأمل لا يزال قائمًا، وهناك بوادر مقاومة داخل بعض التنظيمات الحزبية، حيث برزت مبادرات شبابية تطالب بالديمقراطية الداخلية، وتُصر على إحداث تغييرات جذرية في بنيات القرار وأساليب العمل. كما أن المجتمع المدني والمبادرات المستقلة تواصل الضغط من أجل فتح المجال السياسي أمام طاقات جديدة ومقاربات بديلة.
إدماج الشباب في الحياة السياسية لا يمكن أن يتم بالخطاب وحده، بل عبر مراجعة شاملة للقوانين الداخلية للأحزاب، وضمان تكافؤ الفرص، واعتماد معايير واضحة في الترشح للمسؤوليات، وإرساء مبدأ التداول الفعلي، وليس الصوري، على القيادة.
الشباب المغربي اليوم يميز بين الشعارات والتغيير الحقيقي
إذا أرادت الأحزاب المغربية استرجاع ثقة الشباب، فعليها أن تتوقف عن مخاطبتهم ككائنات انتخابية ظرفية، وتبدأ في التعامل معهم كشركاء في بناء القرار. لا معنى للحديث عن "تجديد النخب" في ظل استمرار إقصاء الفاعلين الشباب، ولا مصداقية لخطاب "المصالحة مع الجيل الجديد" ما دام يُقابَل بسياسات التهميش والاحتواء.
فالشباب المغربي لا ينقصه الطموح ولا الكفاءة، بل فقط الإرادة السياسية الصادقة التي تفتح له الباب للمشاركة الكاملة والفعالة في الحياة الحزبية والسياسية.
إذا أرادت الأحزاب المغربية استرجاع ثقة الشباب، فعليها أن تتوقف عن مخاطبتهم ككائنات انتخابية ظرفية، وتبدأ في التعامل معهم كشركاء في بناء القرار. لا معنى للحديث عن "تجديد النخب" في ظل استمرار إقصاء الفاعلين الشباب، ولا مصداقية لخطاب "المصالحة مع الجيل الجديد" ما دام يُقابَل بسياسات التهميش والاحتواء.
فالشباب المغربي لا ينقصه الطموح ولا الكفاءة، بل فقط الإرادة السياسية الصادقة التي تفتح له الباب للمشاركة الكاملة والفعالة في الحياة الحزبية والسياسية.