سيدي الكريم،
أخاطبك بما تربيت عليه من احترام للعالمين، وأيضا لأنك من بلاد نحمل لها مغربيا كل تقدير واحترام، ليس تَزَلُّفًا، بل ليقيننا أننا دم واحد ومصيرنا واحد.
مثلما أخاطب فيك أنك من سلالة "بن جامع" المغاربية الممتدة ذات الأصول الإدريسية المغربية، والتي لها فروع في المغرب (آل الجامعي) وفي الجزائر (بن جامع) وفي تونس وليبيا (أولاد جامع).
استمعتُ إليك وأنت على "منبر العالم" (مؤسسة مجلس الأمن الأممية) تتكلم لتفسر سبب قرار حكومة بلدك عدم المشاركة في التصويت على القرار الأممي رقم 2797 .
تتكلم باسم من بالنسبة لنا؟ باسم بلد ديدوش مراد وكريم بلقاسم ومحمد خيضر ومحمد بوضياف وأحمد بنبلة والعربي بنمهيدي ومصطفى بن بولعيد، كي تصف بلد محمد الخامس ومحمد بن عبد الكريم الخطابي ومحمد الزرقطوني والشيخ ماء العينين والمهدي بنبركة بأنه (يا لصلافة ما قلت): "بلد احتلال" و "دولة استعمارية".
كيف سمحت روحك (قبل لسانك) بقولها؟.
هل تألمتُ كمغربي؟
نعم. لكن لأجلكم وليس لأجلنا.
لأنكم نزلتم بقيمتكم وقيمة بلد عظيم مثل بلدكم إلى مستوى مؤسف صغير..
كم تشتمون المستقبل سيدي الكريم، وأنت الديبلوماسي المجرب، ولستم مفروض من جزمات العساكر..
أي ديناميت هذا الذي تزرعُهُ في قلوب الأجيال الجديدة عندنا وعندكم، والحال أنه حين كنا فعليا ضحايا استبداد استعماري محتل كنا موحدين. بل وتَبَرْعَمَ منا جميعا جيل من "أولاد الناس" المنتصرين والمتعاونين بنضالية لا نظائر لها في العالم من أجل حقنا معا في الحرية والكرامة والإستقلال. يا لها من جريمة يرتكبها جيلكم في حق الأجيال المغربية والجزائرية الجديدة وأيضا في حق دم شهدائنا المشترك الذي روى تراب بلدينا في معارك شرف مشتركة. ألا يحق لي التساؤل هنا:
لمصلحة من تقومون بذلك؟
اسمح لي سيدي الكريم أن أذكرك ومن خلالك أذكر الأجيال الجديدة أن تاريخنا المغربي (الذي أنا متيقن أنك تعرفه) هو تاريخ نضالية متجددة ومتواصلة من أجل الحرية والإستقلال واستعادة أراضينا المغتصبة من مركب استعماري متعدد الأذرع والمستويات.. نعم لقد استعدتم استقلال بلدكم الجزائر بفاتورة نضالية كبيرة في صفقة واحدة مع باريس دوغول، بينما نحن في المغرب واجهنا موائد مفاوضات متعددة بعواصم مختلفة كي نستعيد أراضينا المسروقة والمحتلة والمغتصبة قطعة قطعة منذ 1956 حتى اليوم. ولا تزال أراض لنا تنتظر التحرير في ضفتنا المتوسطية بمدن سبتة ومليلية والجزر، الذي ثق أنه سنحققه إن عاجلا أو آجلا، لأننا بلاد الأحرار (فنحن من سلالة ملك وطني إسمه محمد الخامس ومن سلالة صف طويل من الأبطال العالميين في النضال من أجل الحرية والكرامة شكلت معاركهم مرجعا لأكبر ثورات التحرير في العالم).
إن معركتنا من أجل صحرائنا الغربية، التي هي معركة نضالية تحررية للشعب المغربي، جزء من مسار نضالي تحرري طويل، ظل قدرنا أن نقطعه كمغاربة بصبر المؤمنين بعدالة معركتهم وقضيتهم.
هل ارتكبنا أخطاء في طريقنا التحرري الطويل هذا؟.
نعم، وَجَلَّ من لا يخطئ. لكننا تعلمنا ونتعلم وسنواصل التعلم، أننا "جسد واحد" وأننا لن نفرط في أبناءنا (حتى وإن كانوا خاطئين) وأننا مهما اختلفنا نبقى "مغاربة" لنا مشروع مجتمعي هائل قدرنا أن نربح رهانه، هو مشروع تراكمي لبناء "دولة المؤسسات والحريات والديمقراطية". واسمح لي أن أتقاسم معك شهادة عشتها من موقعي كصحفي ومناضل اتحادي ذات زمن، حين استقبل مرة الأستاذ عبد الرحمن اليوسفي (وهو من هو في التاريخ التحرري المغربي) بمقر يومية "الإتحاد الإشتراكي" المغربية ب 33 زنقة الأمير عبد القادر الجزائري بالدار البيضاء (يا لمكر العنوان والتسمية) رئيسا للشبيبة الإشتراكية العالمية من دولة السويد وناقشه في موضوع "قضيتنا الوطنية للصحراء"، بعد أن منحه المساحة الكاملة ليطرح الشاب السويدي بحماسة بعض "أهل اليسار" رؤيته وتحليله، حيث رد عليه بجملة قفل حاسمة:
"واحد منا خاطئ، إما إخوتنا الذين في المخميات بتندوف وعليهم الإلتحاق بنا لنتعاون في معركتنا من أجل الديمقراطية والحريات ودولة المؤسسات. وإما نحن هنا وعلينا الإلتحاق بهم هناك.. ويقيني بما شرحته لك من مسار تاريخي لنضالنا التحرري مغربيا أنهم هم الذين على خطأ".
سيدي الكريم، يا ابن سكيكدة، لسنا في الموقع الخطأ كأمة وشعب ودولة. وكلامك الجارح هو الذي في موقع الخطل وليس فقط في موقع الخطأ.. حاشا لله أن نكون دولة احتلال أو دولة استعمارية.. نحن الضحية في القضية كلها يا رجل.. نحن ضحية إرث استعماري ظالم قسم أراضينا كقطعة حلوى بين عواصمه.. ونحن في صف الأحرار لا في صف الغزاة..
تأكد أننا لا ننتظر تفهما منكم، لأننا ندرك بيقين "أن الذي يُطلقُ السهم ليس القوس بل قلبُ صاحبه". بعض المعارك تكون قدرية وليس لنا غير أن "نركب العاصفة" بلغة شاعر فلسطين الكبير محمود درويش، فالشرف له ثمن دائما يعرفه الأحرار..
تأكد أيضا أننا موقنون أن "الخير كامن وفير" في تراب الجزائر وفي أهلها الطيبين وأننا لا نخلط الأمور، لأن غالبية أهلنا هناك ليسوا من ذات ما تصدر عنه من صغير الكلام حين تصفنا ب "دولة احتلال".. فقد تعمى الأبصار ولا تعمى القلوب التي في الصدور..
نحن نترككم الأستاذ عمار بن جامع لمحكمة الضمير..
