Saturday 1 November 2025
Advertisement
كتاب الرأي

فؤاد إبن المير: انتصار تاريخي للوحدة الترابية..قرار يكرّس مغربية الصحراء ويُبرز عبقرية الدبلوماسية الملكية

فؤاد إبن المير: انتصار تاريخي للوحدة الترابية..قرار يكرّس مغربية الصحراء ويُبرز عبقرية الدبلوماسية الملكية فؤاد إبن المير
في لحظة ستُسجَّل في الذاكرة الوطنية، صوّت مجلس الأمن الدولي، يوم 31 أكتوبر 2025، لصالح القرار رقم 2797، مجددًا ولاية بعثة الأمم المتحدة “المينورسو” لعام إضافي، مع تأكيد صريح على أن مبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية هي الحلّ الأكثر جدوى وواقعية لإنهاء النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية.
 
هذا التصويت، الذي حظي بتأييد 11 دولة مقابل ثلاثة امتناعات فقط (من روسيا والصين وموزمبيق)، لا يُختزل في كونه إجراءً أمميًا روتينيًا، بل هو إعلان سياسي جديد يعيد تثبيت المشروعية الدولية للموقف المغربي، ويعكس حصيلة عقود من التضحيات الشعبية والحنكة الدبلوماسية التي صاغتها الرؤية الملكية الحكيمة.
 
منطق الواقعية ينتصر
بعد سنوات من الغموض في المقاربة الدولية لقضية الصحراء، يأتي القرار 2797 ليشكل تحولًا نوعيًا في الخطاب الأممي. فقد انتقل التركيز من شعارات “تقرير المصير” إلى الاعتراف بواقعية ونجاعة الحكم الذاتي كإطار وحيد قابل للتطبيق.
الموقف الأمريكي كان حاسمًا في صياغة القرار، إذ أعادت واشنطن التأكيد على دعمها الصريح للمبادرة المغربية، فيما شددت فرنسا والمملكة المتحدة على “الطابع الجدي والواقعي” للحل المغربي، في انسجام تام مع التوجه العام داخل مجلس الأمن نحو تسوية سياسية مستدامة بدل الدوران في حلقة المفاوضات العقيمة.
 
تضحيات شعبية صنعت السيادة
وراء هذا الاعتراف الدولي المتجدد، تقف ملحمة وطنية تمتد لأكثر من خمسة عقود. فقد دافع المغاربة عن وحدتهم الترابية في الميدان، بالدماء والعمل والصبر. آلاف الشهداء كتبوا بدمائهم فصول الكفاح، فيما واصل سكان الأقاليم الجنوبية، من العيون إلى الداخلة، مسيرة البناء والتنمية رغم كل التحديات.
 
هذه التضحيات الجماعية لم تكن فقط رمزًا للوفاء للوطن، بل شكلت الأساس الأخلاقي والسياسي الذي جعل المجتمع الدولي يعيد النظر في مقارباته. لقد أدرك العالم أن قضية الصحراء ليست نزاعًا حدوديًا، بل قضية وجود وهوية وسيادة.
 
الرؤية الملكية: عبقرية قيادة ودبلوماسية متوازنة
النجاح الذي تحقق اليوم ليس وليد الصدفة، بل ثمرة رؤية ملكية متبصّرة وضع أسسها محمد السادس منذ تقديم مبادرة الحكم الذاتي عام 2007.
تقوم هذه الرؤية على مزيج متكامل من القوة الناعمة — عبر التنمية والبناء المؤسساتي في الأقاليم الجنوبية — والقوة الدبلوماسية القائمة على التوازن والانفتاح وبناء التحالفات الاستراتيجية مع القوى المؤثرة.
لقد نجحت المملكة في نقل الملف من زاوية “نزاع إقليمي” إلى قضية سيادة وطنية مدعومة بشرعية أممية متجددة، بفضل سياسة خارجية رزينة تستند إلى الثقة في النفس والوضوح في الموقف.
 
أصدقاء المغرب: وفاء التحالفات وثمار الشراكة
قرار مجلس الأمن الأخير كان أيضًا اختبارًا للتحالفات الدولية. فقد أثبت أن الدول التي تربطها بالمغرب علاقات استراتيجية متينة — كأمريكا وفرنسا وإسبانيا والإمارات — كانت ثابتة في دعمها لعدالة الموقف المغربي.
وقد عبّر جلالة الملك في خطابه التاريخي، مساء اليوم نفسه، عن “امتنان المغرب لأصدقائه الصادقين”، مؤكدًا أن الوفاء في العلاقات الدولية لا يُقاس بالشعارات بل بالمواقف عند المنعطفات الحاسمة.
 
يد السلام الممدودة للجزائر: منطق القوة الهادئة
في خطاب اتّسم بالحكمة والاتزان، أعلن الملك أن مرحلة ما بعد 31 أكتوبر 2025 ستكون “مرحلة بناء لا خصام”. دعا فيها إلى فتح صفحة جديدة مع الجارة الجزائر، قائلًا:
“الحدود بيننا ليست جدرانًا، بل جسورًا يمكن أن تعيد للمغرب الكبير  وحدته المنشودة.”
بهذه العبارات، وضع الملك أسس مقاربة جديدة: الانتصار لا يُترجم إلى تحدٍّ، بل إلى مبادرة سلام. فالمغرب القوي بسيادته لا يحتاج إلى فرضها على أحد، بل يسعى إلى جعلها رافعة للتعاون والاستقرار المشترك.
 
نحو مرحلة جديدة من التنمية والسيادة الكاملة
قرار مجلس الأمن رقم 2797 ليس نهاية الطريق، بل بداية مرحلة سيادية جديدة. فالمطلوب اليوم هو تثبيت المكاسب عبر التنمية الميدانية، وتعزيز الحكم المحلي، واستثمار هذا الاعتراف الدولي في مشاريع اقتصادية واجتماعية تجعل من الأقاليم الجنوبية نموذجًا للاندماج الوطني والتنمية المستدامة.
المغرب اليوم يقف على عتبة عصر جديد، حيث الوحدة الترابية أصبحت قاعدة للسيادة، والسيادة رافعة للتنمية، والتنمية جسرًا نحو السلام.
 
 خاتمة
ما حدث في 31 أكتوبر 2025 ليس حدثًا دبلوماسيًا عابرًا، بل تحول استراتيجي في ميزان الشرعية الدولية. هو انتصار للحكمة الملكية، ولتضحيات الشعب، ولثبات الموقف المغربي عبر الزمن.
 
لقد قال الملك في خطابه التاريخي:
“هناك ما قبل 31 أكتوبر 2025، وهناك ما بعده.”

وبين التاريخين، كتب المغرب صفحة جديدة من مجده الوطني، عنوانها: السيادة الكاملة والسلام الدائم. 
فؤاد إبن المير،  دكتور في علم الاجتماع والقانون العام