Sunday 13 July 2025
مجتمع

محمد المرابط: أزمة حراك الريف من أزمة المخزن. فهل من أفق للتجاوز ؟

محمد المرابط: أزمة حراك الريف من أزمة المخزن. فهل من أفق للتجاوز ؟

في الذكرى الأولى لاستشهاد محسن فكري يوم 28 أكتوبر2017، أطل علينا الدكتور عبدالوهاب التدموري (المنسق العام لمنتدى حقوق الإنسان لشمال المغرب) بتدوينة حزينة جاء فيها:"إن تكلمت سأقول كلاما لايعجب.إن تحدثت فلن أستثني ،لا ما سمي بالزلزال السياسي،ولا ما تم تسريبه من رسائل السجن،ولا ما نحن عليه من سوء بالداخل أو الخارج،بعد سنة من اغتيال شهيد الحكرة محسن فكري.إن تكلمت فلن أستثني نفسي، ولن أستثني النخب الفكرية والسياسية الريفية منها أو غيرها،التي تراجعت عن دورها بعد أن أفل نجمها".

ويواصل التدموري القول:"إذن أصمت وأراقب.لكن لا شك أني سأتكلم،سأقول ما يفيض به قلبي من حزن وأسى عن هذه الأمة التي أبت إلا أن تكون خاضعة،أو في كل الأحوال، إن تحدثت وتجرأت،فمطلبها هو الماء والمستشفى،وبعض الشعارات العامة،والمغيب الأكبر ،هو السياسة".

لما قرأت هذه التدوينة، اعتبرت أن التدموري اعتراه جذب "إمرابضن"، والحال أن الجذب في منظومة التصوف،يمثل  أسمى تجليات حقائق الملكوت الأعلى. لكن بالقدر نفسه اعتبرت أنها ربما تعبر عن أحاسيس معينة ،تجاه تجاهل ما، لمبادرته لحل أزمة حراك الريف، وإن كنت أعرف أن التدموري لا يعبد الله على حرف. فبالرغم من أنه تم طرحه أرضا والاعتداء عليه، أثناء تفريق وقفة تضامنية مع حراك الريف، بساحة الأمم بطنجة أواخر ماي 2017، فإن يده مع ذلك، بقيت في قلب المعترك ممدودة، وهو يتولى ترشيد الحراك بالنقد،من أجل حل مشرف له.

ليتكلم التدموري إذن ،فالقول في السياسة حصانة للبلاد، لكن وفق مقتضى الحال،خصوصا وقد عرف العلماء الحق ،بالقول المناسب، بالقدر المناسب ،في الوقت المناسب. فالقول السياسي في الريف، أوجعل الريف موضوعا للنطق السياسي من خلال مختلف تعبيراته، يتطلب حكمة الجميع، خصوصا وأن الكثير من نخبة الريف تعيش حالة إحباط، فانزوت في محراب البحث ، وهي تحتضن راديكالية سياسية، لغياب الإرادة الحقيقية للنهوض بالريف ،ومنها من اشتغل بتفان ،على فكرة متحف مولاي موحند ،على سبيل المثال.

وسواء وقع هذا القول أو لم يقع،فإن من أعطابنا المزمنة، أن العقلية المخزنية لا تكترث بالقول، بل بالشارع. وليس لدينا من يرسم السياسات العمومية من خلال رصد اتجاهات الرأي العام وحاجياته،برؤية استشرافية، بدون كلفة المرور بمحصلة الدماء والاعتقالات.فالمغرب يعيش على إيقاع "تطرف" الشارع والمخزن، لدرجة أصبح الامل في الغد رهين بالزلزال السياسي الموعود .ولإدراك قيمة هذا المقترب، نؤكد على أن الوعي بالريف الذي بلورته الذكرى الاولى للشهيد محسن فكري بالداخل والخارج، لن تفلح العقلية المخزنية بالشكل الذي هي عليه الآن، من أن تحوله إلى طاقة للبناء الوطني في الريف،بل ستتركه بمحدودية أفقها، كحاضنة للعدمية و الظلامية،حيث بدأت ملامح المسحة الأصولية  تبرز، بعد هذه الذكرى، لدى جمهوريي وانفصاليي الحراك بأوروبا.وأخشى أمام تعنت المخزن، أن يتوارى حماس الديموقراطيين، فتخلو  الساحة في أوروبا، للعدميين وقد فرخوا العديد من التنظيمات الريفية،إلى جانب الوعيد بتنظيم سري.

لقد سبق ان اقترحت لتجاوز مأزق الحراك والمخزن، إحداث لجنة ملكية مكونة من شخصية وطنية وأحد مستشاري الملك والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، كآلية موازية للمسار القضائي ،تنضج بمشاوراتها خيار العفو العام، وحتى النظر في مستقبل التعبير السياسي لهؤلاء الشباب،حتى نجنبهم فخاخ السقوط في العدمية،أو الظلامية.وكنت قد عبرت عن رفضي لأية صفقة  في الموضوع ،في أعقاب زيارة السبد عيوش للمعتقلين،وأكدت على أهمية التعاقد السباسي في هذا الشأن،على أرضية التحملات الحقيقية للعهد الجديد.

بعد هذا، قرأنا زيارة الأستاذ صلاح الوديع للمعتقلين.وفي المقابل تم التلكؤ لحد الآن ،في السماح للدكتور التدموري بزيارتهم، علما أن التدموري يحتفظ برصيد من العلاقات الانسانية  مع معظم المعتقلين، يمكن أن تساعد في نحت هذا التعاقد. وأتمنى أن تكون زيارة الاستاذ الوديع كوجه ديموقراطي أصيل، مدخلا لإنضاج آلية اللجنة الملكية،كخيار حداثي في نهج الملك  لوظيفته في هذه الحالة كحكم ،يسدد ويقارب ويبشر،على تقوى من الله ورضوان،بسديد رأيه ونبله وشهامته.

أعتقد ان العقلية المخزنية ،وقد تجاوزتها وتيرة أحداث الحراك، ستقف عاجزة عما يجب عمله في الداخل،على ضوء سلخ العدميين في أوروبا ل"جبهة" مكونة من: الملك، وإلياس العمري ،والنهج الديموقراطي، وعبد الوهاب التدموري، مثلما وقفت عاجزة، عن "استنطاق " طبيعة الحملة على إلياس العمري. فالعمل المشترك الذي ينتظرنا من منطلق المصلحة العليا يتجاوز، تحفظ المخزن على التدموري كجمهوري انشغل بالجوهر الديموقراطي للملكية، أو لتعبيره عن بعض التمثلات الخاطئة عن تاريخ البلاد. فالجبهة التي يستهدفها العدميون بالخارج لا أراها في الداخل. من هنا يرجع تعمير الحراك كل هذه المدة، إلى إشكال بنيوي في منظومة السلطة المخزنية ذاتها. أفلا يحق لنا بعد هذا الرصد، أن ننتظر مع المنتظرين، الزلزال السياسي الموعود؟