Wednesday 14 May 2025
مجتمع

التامك يطلق جامعة صيفية لفائدة السجناء من بينهم سجناء قضايا الإرهاب

التامك يطلق جامعة صيفية لفائدة السجناء من بينهم سجناء قضايا الإرهاب

صباح على غير العادة، استيقظ فيه عبد القادر بعد ليلة صيفية، قبل زملائه، تم النداء عليه باسمه، نداء هو كذلك مختلف عن باقي النداءات، الغرض منه الالتحاق بمركز الإدارة قصد التوجه لمركز الإصلاح والتهذيب بسلا، أحمد سجين الحق العام، ليس بالضرورة معرفة حيثياث تصنيفه ضمن ساكنة سجن آسفي، لكن الأساس هو أنه وقع عليه الاختيار ضمن المستفيدين من فعاليات الجامعة الصيفية لنزلاء المؤسسات السجنية، وهي مبادرة، اعتبرها محمد الصبار، الأمين العام للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، غير مسبوقة، في مجال تقوية مدارك النزلاء، وتجليا حقيقيا للاندماج، مما يعزز منظومة حقوق الإنسان، بغض النظر عن المتمتعين بها، أحرارا وسجناء..
لم يكن عبد القادر المستفيد الوحيد من هذه الجامعة في دورتها الأولى، بل كان رفقة العشرات من النزلاء من بينهم نزيلات، من سجون طنجة والقنيطرة وسلا والدار البيضاء ومراكش.. ارتدوا لباسا موحدا، يتكون من قميص أبيض وسروال أو تنورة سوداء اللون، وحذاء شبه رياضي، الرجال حلقوا وجوههم، والنساء وضعن بعض الزينة المخففة، في حين احتفظ بعضهم بلحاهم الطويلة، دلالة على خلفية اعتقالهم، المرتبطة  من سجونهم المحلية والمركزية كانت الوجهة مركز الإصلاح والتهذيب بسلا، خلال الطريق كانوا يسترجعون شريط حياتهم، تعتبر فيه الحرية هي الأصل، والتقييد هو الاستثناء، أما اليوم فالأصل هو التقييد، والحرية هي الاستثناء، والاستثناء هو هذه الجامعة الصيفية، والتي وإن كانت في فضاء سجني، فهي لاشك أنها ستترك في حياتهم، سؤال الحق والواجب، ومدى الجمع بينهما، تحت عنوان واحد هي عدم الإضرار بالغير، في حياته وماله وكرامته.. 
اصطف النزلاء داخل قاعة مكيفة، ستخفف عنهم ارتفاع حرارة الزنازين لمدة ثلاثة أيام، وهي المدة المخصصة لفعاليات الجامعة ابتداء من يومه الأربعاء 7 شتنبر الجاري.. ولأن مواد هذه الجامعة متنوعة بين التأطير القانوني والثقافي والديني والتعليمي، بتأطير من جامعيين وحقوقيين وعلماء وتربويين ومثقفين.. ضمن 6 محاضرات و6 ورشات، تتوخى جميعها، كما قال محمد صالح التامك، المندوب العام للمندوبية العامة لإدارة السجناء وإعادة الإدماج، تنزيل المبادئ الأساسية للمندوبية، من خلال أنسنة الفضاء السجني، وتمتيع السجناء بكل الحقوق التي يمنحها لهم القانون، من ضمنها الحق في التعليم ومحو الأمية والتربية والتكوين، حيث تتخذ المندوبية كل الترتيبات لمواصلة تعليم جميع السجناء القادرين على الاستفادة منه، مع إلزامية التعليم بالنسبة للأحداث الأميين، وتوفير كل الظروف لاستكمال السجناء لمسارهم الدراسي والجامعي..
جلس عبد القادر، وسط زملائه، مستطلعا وجوه باقي الحضور، منهم من يعرفهم شخصيا، بحكم زيارات الحقوقيين للسجناء، ومنهم من يطالع صورهم ومقالاتهم عبر وسائل الإعلام، وأمامه اصطفت نزيلات أخريات، كل واحد من النزلاء له قصة وسبب ولوجه للسجن، وإن كان جلهم بعتبر أنه مظلوم، فإنهم يقرون بأخطائهم التي أوقعتهم عن قصد أو بدون قصد في فضاء سجني يحد من حريتهم وتنقلهم.. منهم المدانون بمدد طويلة صمن العقوبات الجنائية، ومنهم من يقضي عقوبات جنحية، منهم سجناء الحق العام ومنهم سجناء الرأي، منهم الطالب ومنهم المعطل ومنهم الإطار، منهم الأم ومنهم العازبة.. كلهم جلسوا بنظام وانتظام ينصتون لهذا المؤطر وذاك، وهو يحدثهم عن المواطنة: حقوق واجبات (محمد الصبار، الأمين العام للمجلس الوطني لحقوق الإنسان)، العدالة تكريس للانتماء والمسؤولية (النقيب عبد الرحيم الجامعي، رئيس المرصد المغربي للسجون)، سؤال الهوية والتحولات الاجتماعية (محمد الطوزي، أستاذ باحث)، التعليم والمواطنة (عبد الله الساعف، أستاذ باحث)، قيم ومبادئ الإسلام تأصيل للمواطنة (أحمد عبادي، الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء)، المواطنة الثقافية رافعة للتنمية (حسن نجمي، الرئيس السابق لاتحاد كتاب المغرب)..
خديجة، قبل أن تكون نزيلة فهي كانت حقوقية، هي ضمن المستفيدات من هذه الجامعة الصيفية، إلى عهد قريب، كان لها مقعد بمدرجات إحدى الكليات بجامعة السوربون، أمس كانت تجلس رفقة زملائها في حرية مطلقة، تختار وقت دخولها للمدرج وخروجها منه، لا أحد يراقبها، أما اليوم، فهي تجلس على كرسي وأعين الموظفين تتابعها عن كثب، حريتها مقيدة، ثمنت تنظيم هذه الجامعة الصيفية، والتي سيكون لها ما بعدها، من حيث بناء الشخصية، وعدم السقوط مرة أخرى في أخطاء الماضي مما كلفها قضاء عقوبة حبسية، وسبب تعثرا في مسارها الجامعي..
عبد القادر وخديجة، ومعهما باقي النزلاء، جعلوا محمد الصبار الأمين العام للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، في مرمى مناقشاتهم، التي طبعها جد وطرافة، انتزعت التصفيق والابتسامات، متسائلين عن مفهوم المواطنة، وثنائية الحقوق والواجبات، والتنزيل السليم للدستور، والحصيلة الحقوقية ببلادنا ودور المواطنة الصغيرة( الأسرة) إلى المواطنة الكبرى (الوطن)، والتربية على المواطنة داخل السجون لفائدة السجناء والموظفين، وحقوق السجينات، وخلفيات أحداث 16 ماي الإرهابية، والتدابير الاستثنائية في الاعتقال، ومسطرة العفو..