Monday 15 December 2025
منبر أنفاس

عمر المصادي : الإستماع .. قيمة تربوية وأخلاقية في خدمة الأداء المؤسساتي

عمر المصادي : الإستماع .. قيمة تربوية وأخلاقية في خدمة الأداء المؤسساتي عمر المصادي
في ظل التحولات المتسارعة التي يعرفها المجتمع، لم تعد مسألة الإستماع مجرد سلوك فردي، بل أضحت قيمة تربوية وأخلاقية ذات أبعاد اجتماعية ومؤسساتية، فالقدرة على الإنصات الجيد تشكل أحد أسس التواصل الفعال، وعنصرا محوريا في بناء علاقات إنسانية ومهنية قائمة على الإحترام والثقة المتبادلة.
ويبرز دور الإستماع بوضوح في المجال التربوي، حيث يعد ركيزة أساسية في العملية التعليمية، إذ يسهم في تحسين الفهم، وتنمية مهارات التفكير، وترسيخ ثقافة الحوار وقبول الرأي الآخر، كما يساعد على خلق مناخ تربوي إيجابي، يعزز التفاعل البناء بين مختلف الفاعلين داخل المؤسسة التعليمية.
ولا يقل الإستماع أهمية داخل المؤسسات العمومية، إذ يعد استماع المسؤولين والرؤساء الإداريين لمرؤوسيهم مؤشرا على حسن التسيير وجودة الحكامة.
فالإدارة التي تعتمد الإنصات لمقترحات موظفيها تكون أكثر قدرة على تشخيص الإشكالات الواقعية، واتخاذ قرارات مدروسة، وتحقيق النجاعة في الأداء، كما تسهم في تعزيز روح الإنتماء والمسؤولية المشتركة داخل بيئة العمل.
ويمتد مفهوم الإستماع كذلك إلى مستوى السياسات العمومية، حيث يشكل استماع الحكومة لانشغالات وهموم المواطنين ركيزة أساسية لتعزيز الثقة بين الدولة والمجتمع. فالإنصات لمطالب المواطنين، والتفاعل مع قضاياهم اليومية، واعتماد قنوات تواصل فعالة، كلها عناصر تعكس إرادة حقيقية في خدمة الصالح العام، وتساعد على صياغة قرارات وسياسات أكثر واقعية واستجابة للاحتياجات الإجتماعية والإقتصادية.
ومن منظور أخلاقي، يعكس الإستماع قيما إنسانية سامية، في مقدمتها التواضع، والصبر، واحترام الآخر. وهي قيم شكلت عبر التاريخ أساس التعايش والتكامل داخل المجتمعات، وقد أكدت عليها المرجعيات الدينية والثقافية، لما لها من أثر في ترشيد السلوك الفردي والجماعي.
غير أن واقع الممارسة اليومية يكشف عن تراجع ملحوظ في ثقافة الإستماع، في ظل هيمنة التواصل السريع ووسائل الإعلام الحديثة، التي غالبا ما تشجع على الإستعجال في التعبير بدل التروي في الفهم، وهو ما يستدعي إعادة الإعتبار لهذه القيمة عبر التربية، والتكوين، وترسيخ أخلاقيات التواصل داخل المؤسسات.
وفي الأخير يجب التأكيد على أن الإستماع ليس مجرد مهارة تواصلية، بل هو رافعة أساسية لبناء إنسان متوازن، ومؤسسة ناجعة، وحكامة رشيدة، ومجتمع متماسك، قوامه الحوار، والإنصات، والإستجابة المسؤولة لانشغالات الأفراد والجماعات.
{فَبَشِّرْ عِبَادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الأَلْبَابِ}.