Wednesday 10 December 2025
مجتمع

السباعي: من حيّ المستقبل إلى باقي أحياء فاس.. كوارث عمرانية تتكرر ومساطر وقائية لا تستيقظ إلا بعد الفاجعة

السباعي: من حيّ المستقبل إلى باقي أحياء فاس.. كوارث عمرانية تتكرر ومساطر وقائية لا تستيقظ إلا بعد الفاجعة د. محمد السباعي، خبير في حقوق الإنسان ومشهد فاجعة انهيار عمارتين بفاس
أعاد انهيار منازل بحي المستقبل بفاس إلى الواجهة سؤالاً مركزياً يتعلق بمدى قدرة المنظومة القانونية على كشف الخطر العمراني قبل أن يتحول إلى كارثة. وعلى الرغم من أن القانون المغربي، وخاصة القانون 94.12 المتعلق بالمباني الآيلة للسقوط، وضع مساطر دقيقة وواضحة للتدخل الوقائي، فإن الإشكال الحقيقي ظل مرتبطاً بضعف التفعيل واعتماد التدخل المتأخر عوض الاستباقي. وهو ما يجعل سلسلة الانهيارات تتكرر في أحياء متعددة بنفس الوتيرة، من حيّ المستقبل وقبله المرينيين والجنانات والمناطق الهشة الأخرى بفاس.
 
تبدأ مسطرة الكشف عن المنازل المهددة بالانهيار من نقطة بسيطة لكنها حاسمة: التبليغ عن مؤشرات الخطر. فظهور تشققات غير طبيعية، ميلان جدار، أو انفصال أجزاء من السقف، كلها مؤشرات تستوجب تدخلاً تقنياً عاجلاً. ويتم تعيين مراقب أو مهندس مختص لإجراء المعاينة وإعداد تقرير مفصل يصنف درجة الخطورة ويحدد نوع الإجراء المناسب. هذا التقرير يشكل الأساس القانوني الذي يُمكّن السلطات من اتخاذ قرار بالإصلاح أو التدعيم أو الإخلاء أو حتى الهدم.
 
بعد ذلك، تتولى لجنة المباني الآيلة للسقوط دراسة التقرير وإصدار التوصيات المناسبة. وتضم هذه اللجنة ممثلين عن الجماعة، العمالة، الوكالة الحضرية، السكنى، الوقاية المدنية، ومختلف المصالح التقنية المعنية. وفي حال وجود خطر داهم، يمتلك رئيس المجلس الجماعي صلاحيات واسعة لإصدار قرارات فورية لحماية الأرواح، بما في ذلك الإخلاء أو الهدم وتسخير القوة العمومية لتنفيذ القرار.
 
غير أن العنصر الجوهري في هذه المنظومة يبقى هو زمن التدخل. فالتجربة أثبتت أن الخطر لا يكمن في النص القانوني، بل في التأخر في تطبيقه. وما حدث في حيّ المستقبل مثال واضح على فجوة خطيرة بين الإطار القانوني والإجراءات الميدانية، إذ إن التدخل بعد وقوع الكارثة لا يُعيد الأرواح ولا يمنع تكرار المأساة في أحياء أخرى.
 
ولتفادي تكرار مثل هذه الأحداث، تحتاج المدينة إلى رؤية وقائية واضحة تشمل: جرداً شاملاً للأبنية الهشة، زيارات تقنية دورية، حملات تشخيص مجانية لفائدة السكان، ونظاماً للإشعار المبكر يعتمد على قاعدة بيانات دقيقة. كما يجب تعزيز التواصل مع المواطنين ليكونوا جزءاً من مراقبة الخطر، ولتمكينهم من معرفة حقوقهم وواجباتهم بخصوص السكن الآمن.
 
ويبقى الجانب الاجتماعي جزءاً لا يتجزأ من الحل، إذ لا معنى لإصدار قرارات بالإخلاء دون ضمان سكن مؤقت للعائلات المتضررة، كما ينص القانون. ولا يمكن معالجة الأزمة العمرانية دون ربط المسؤولية بالمحاسبة عبر تتبع التقارير، مراجعة الإنذارات السابقة، وتحديد الجهات التي قصّرت في اتخاذ الإجراءات الوقائية في وقتها.
إن الانهيارات المتكررة في أحياء فاس ليست قدراً محتوماً، بل نتيجة لثغرات يمكن تجاوزها إذا اعتُمدت مقاربة تقوم على التفعيل الصارم للمساطر القانونية، واليقظة المستمرة، والجرأة في اتخاذ القرار قبل لحظة الانهيار. فالسكن الآمن حق دستوري، والمساطر ليست مجرد وثائق، بل أدوات لحماية الأرواح. وما جرى في حيّ المستقبل يجب أن يكون لحظة تحول نحو حكامة عمرانية جديدة تُعيد الاعتبار لسلامة المواطن قبل كل شيئ.
 
د. محمد السباعي، خبير في حقوق الإنسان