Monday 15 December 2025
مجتمع

فاجعة آسفي .. ناظم العيطة العبدية نَبَّهَ إلى خطورة فيضانات "وَادْ الشَّعْبَةْ" في رائعة "بِينْ الجَّمْعَةْ وَالثّْلَاثْ"

فاجعة آسفي .. ناظم العيطة العبدية نَبَّهَ إلى خطورة فيضانات "وَادْ الشَّعْبَةْ" في رائعة "بِينْ الجَّمْعَةْ وَالثّْلَاثْ" سيول واد الشعبة الجرافة

على هامش فاجعة فيضانات التساقطات المطرية بحاضرة المحيط مدينة أسفي يوم الأحد 14 دجنبر 2025، والتي خلفت خسائر فادحة على المستوى المادي والنفسي والمعنوي، بل أنها أودت بحياة أرواح مواطنين بسطاء (21 حالة وفاة) ذنبهم الوحيد أنهم اختاروا بيوتا للسكن بالمدينة القديمة بالقرب من "وَادْ الشَّعْبَةْ"، وشارع الرباط، وقبة الولي الصالح سيدي بو الذهب.

 

في هذا السياق استحضرت ذكاء ناظم رائعة قصيدة فن العيطة الحصباوية، الموسومة بـ "بِينْ الجَّمْعَةْ وَالثّْلَاثْ السَّكَّةْ حَبْسَاتْ وَرِيتَاتْ" وكيف استطاع أن يوظف وينبه المتلقي من قوة فيضان أمطار فصل الشتاء على مستوى هضبة وَادْ الشَّعْبَةْ المعروف تاريخيا وجغرافيا، بـ "وَادْ هَارُونْ" والذي كان يتسبب في كوارث وخسائر يتكبدها التجار والصناع والحرفيين بالمدينة القديمة.

 

 

قال الشاعر/الناظم:

 

"دْمٌوعْ الْكِيًةْ

صَبٌو شْتَاء

 حَمْلَاتْ الشًعْبَةْ

 تَبًتْ يَا بْنَادَمْ

 الزٍينْ إِيفَاﯖَمْ"

 

لقد وردت كلمة "اَلشًعْبَةْ" في متن قصيدة عيطة "بِينْ الجَّمْعَةْ وَالثُّلَاثْ السَّكَّةْ حَبْسَتْ وَرِيتَاتْ"، ويقصد الناظم بـ "الشَّعْبَةْ" هضبة تتواجد شرق مدينة أسفي، وكانت تعتبر تجمعا سكّانيا لمواطني دوار "اَلدْرَارْزَةْ" الذين اشتهروا بالصناعة التقليدية المرتبطة بمنتوجات النسيج والحياكة (اَلجًلًابَةْ، اَلْحَايْكْ، اَلًسًلْهَامْ...). وحسب المعطيات التاريخية والجغرافية المتوفرة فقد كان يمر وسط هضبة "اَلشًعْبَةْ" مجرى أحد الوديان خلال فصل الشتاء باعتباره رافدا من روافد نهر أم الربيع ويسمى بـ "وَادْ هَارُونْ" الذي يخترق أيضا منطقة الحصبة ويتجه نحو المحيط الأطلسي.

 

ومن المعلوم أن هذا الواد كان ومازال يخترق المدينة القديمة بأسفي من الجهة الشمالية (بَابْ لَقْوَاسْ)، لكن بعد اكتشاف مادة الطين بهضبة الشَّعْبَةْ المذكورة، تحولت ضفاف "وَادْ هَارُونْ" الذي حمل الإسم الجديد وهو "وَادْ الشًعْبَةْ"، ـ تحولت الهضبة ـ إلى حاضنة لأفران تقليدية لصناعة أواني الخزف التي اشتهرت به حاضرة المحيط إلى يومنا هذا.

 

لقد كان "وَادْ الشًعْبَةْ" في القديم يتسبب في مشاكل كثيرة للصناع والحرفيين والتجار المتواجدين بباب الشَّعْبَةْ خلال فصل الشتاء وتتعرض المدينة القديمة بسببه إلى فيضانات وسيول جارفة، حيث شَبَّهَ ناظم العيطة السالفة الذكر دموعه الحارقة بسبب العشق والهيام، ـ شبَّهها ـ بفيضان وَادْ الشَّعْبَةْ حين قال:

 

دْمُوعْ الْكِيًةْ

 صَبٌو شْتَاء

 حَمْلَاتْ الشًعْبَةْ

والمقصود بـ "حَمْلَاتْ الشَّعْبَةْ" الهضبة الحاضنة لـ "وَادْ هَارُونْ" القديم. أي وَادْ الشَّعْبَةْ حاليا.

 

من ناحية أخرى، وحسب قصة ورواية عيطة "بِينْ الجَّمْعَةْ وَالثّْلَاثْ" فقد أورد نفس الناظم صورة شعرية قوية للتعبير عن شدة صبيب دموعه الحارقة بسبب فراقه عن الحبيبة، حين وصفها وشبهها في نفس القصيدة العيطية بـ قوة جريان وَادْ الشَّعْبَةْ وصبيب سيول مياهه المتدفقة، حيث قال:

 

صَبٌو شْتَاء

حَمْلَاتْ الشًعْبَةْ

 

لقد استعمل الشاعر بلاغة التشبيه الحسِّي لفعل البكاء بالمطر/الشتاء، ليحيل المتلقي/ المستمع على إحساسه بالحزن والحسرة وكثرة البكاء على فراق حبيبته المفترضة، بسبب رفض والدها تتويج علاقتهما العاطفية بالزواج. وتوفق الشاعر في نسج أبيات القصيدة/ العيطة بتناغم ألفاظها ومعانيها، تشبيها ومجازا (الدموع/المطر) لأن استلهامه وتوظيفه حمولة كلمة المطر في شطر "صَبٌو شْتَاءْ" أضفت على مشاعره الجياشة إحساسا راقيا للتعبير عن اللحظة الشاعرية. وكان اختياره في توظيف جريان مياه وَادْ الشَّعْبَةْ بليغا للتعبير عن مشاعره.

 

قوة إدراف دموع الشاعر تشبه قوة فيضان وَادْ الشَّعْبَةْ

 

استعمل الناظم وصف وتعبير مجازي يرتبط بمجرى "وَادْ الشَّعْبَةْ" لكي يعطي قيمة وقوة للمتن الشعري الذي يعكس كثرة البكاء والحزن والحسرة على مآل العلاقة العاطفية التي تم أفشالها بسبب رفض الزواج إبان مراسيم الخطوبة وطلب يد معشوقته على سنة الله ورسوله. وهو وصف يعكس وضعيته النفسية الصعبة، حيث غرق الشاعر العبدي في خضم أمواج عاتية جرفته لبحر الإدمان ومقارعة الخمر لنسيانها، في غياب ضمير الأسرة والأهل والأقرباء لمواساته والتخفيف من حزنه وعزلته والسؤال عن صحته وحاله وأحواله حيث يسجل ذلك من خلال قوله: (قْلَالَتْ صَحْتِي، تْقَاضَى جَهْدِي، تْشَفًاوْ فِيًا عَدْيَانِي). لينتقل الناظم إلى ترجمة موقفه من غدرها وعتابها ولومها ووصفه مستوى حزنه وألمه وانهياره النفسي والمعنوي الذي أثر في قلبه الجريح بالقول مرة أخرى بـ "حَزْمٌو لِي قَلْبِي، رَاهْ ضَرْنِي، لَعْزِيزْ غْدَرْنِي".