Sunday 14 December 2025
كتاب الرأي

خالد أخازي: المحطة الاستدراكية ولواء الريادة.. نهاية أسطورة التمييز المدرسي وبداية تفكيك المدرسة العمومية...

خالد أخازي: المحطة الاستدراكية ولواء الريادة.. نهاية أسطورة التمييز المدرسي وبداية تفكيك المدرسة العمومية... خالد أخازي
لم يكتف فريق برادة بوصم المؤسسات العمومية غير الرائدة تقنيا بالعار والدونية، وهذا ما عكسته خرجات برادة النشاز في خطاب" المدرسة الرحالة"، وخطاب تنك المديرة لأكاديمية صاحبة المعادلة العجيبة، حيث تصبح 1كتلة رائدة تساوي 80 كتلة غير رائد، سامحها الله...
اللسان ما فيه عظم...
وأنا الذي كنت أظن أن الكفايات التواصلية معيار أساس في اختيار المسؤولين الكبار...
ما علينا.... فهم على ملة وزيرهم....
قلت لم يكتف فريق برادة بكل هذا...
ولم يكتف الكاتب العام بالنيابة الذي تفرغ مؤخرا " باش يورينا حنتو"، ويتبث لبرادة أنه " خدام" ولا يمكن الاستغناء عنه، بتفصيلات آخر لحظة، وإرباك الزمن المدرسي، والعودة بالمراقبة المستمرة التي تخلصت المدرسة المغربية من فوبياه، عبر سلسلة من المحطات السلسة ... الناعمة: عدم إشعار التلميذ بأن زمن المراقبة المستمرة زمن ضغط نفسي...
أقول... وخبر تخلي عدد من الأطر العليا عن مناصبهم مستمر... مما يشكل خطرا بنيويا آخر...
أقول...آسي برادة.... راه حنا غاديين لحايط".... 
فأنت لا تعلم مثلا أن آخر فرض في هذه الدورة كان دائما حافزا على التغيب والخمول... فما بالك وقد برمج قبل شهر من العطلة...
نعم... أن الرؤية التقنية من أشغال مسار عجلت بالعملية...
لكن ... هل سألتم أنفسهم ما هو التراكم البيداغوجي لهذا الفرض...؟ وزمنه الذي سيؤثر على مواظبة التلاميذ..؟ ففي عرف تلاميذ المؤسسات العمومية، ماشي ديال لفلوس حسب لغته... الفرض الأخير يعني بداية عطلة غير معلنة...
دعنا من هذا ف" ما حياها تقاقي وتزيد ف البيض"...
بيض... فاسد طبعا... لا يفرخ غير العبث...
لنعد إلى آخر خرجات فريق برادة...
فبعد أسابيع قليلة من الإعلان المروج عن نجاح "ساحق" لعلامة "مؤسسة الريادة" بنسبة بلغت 88%، ها هو فريق خونا صاحب خطبة" رحلة الأسرة من القبيلة نحو المدرسة الرائدة الجليلة"، يعلن في منعطف سريع ومفاجئ، عن فتح "محطة استدراكية ثانية"...
عبث... في عبث..
 هذا التراجع التكتيكي السريع، الذي جاء مباشرة في أعقاب اجتماع مع النقابات التعليمية، لا يكشف فقط عن ارتباك عميق في التدبير، بل يفضح الحقيقة المرة: أن "الريادة" المعلنة كانت مجرد رقم إحصائي هش، بني لخدمة إعلامية آنية، وليس سياسة تربوية رصينة...
ماذا لو لم تطرح النقابات هذا الملف؟
 فالمحطة الاستدراكية هي اعتراف غير مباشر بأن التقييم الأول كان معيبا، أو أن ضغوطا نقابية كشفت عن ظلم كبير في آلية التصنيف، مما اضطر فريق برادة إلى محاولة ترقيع الصورة.
لكن الخطر الأعمق لا يقف عند حدود هذا الارتباك الإجرائي العابر. إن المشكلة الجوهرية تكمن في الفلسفة التربوية الفاسدة التي تقوم عليها فكرة "المؤسسة الرائدة" برمتها. فهي لا تمثل أداة للتحفيز، بل تحولت إلى آلة تمييز منهجية، تشرعن لتقسيم المنظومة التعليمية إلى فئتين: "مؤسسات نخبة" تحمل لقب "الريادة"، و"مؤسسات عامة" تُترك في فضاء "العادية" أو ما دونها...
هذا التصنيف يخلق خطابا ضمنيا يوصم أغلب المؤسسات بعدم الكفاءة، ويفقد الأطر التربوية والتلاميذ فيها الشعور بالإنصاف والقيمة، وهو ما يناقض جوهر فكرة المدرسة العمومية القائمة على تكافؤ الفرص والعدالة الاجتماعية...
والمأساة الأكثر إيلاما أن هذا التمييز لم يعد يقتصر على العتبة الخارجية للمؤسسة. فبعد الحصول على لقب "الريادة"، يتم إدخال المؤسسات في تصنيف فرعي أكثر قسوة وغرابة، يُقسّمها إلى: "مؤسسة رائدة بلواء" وأخرى "رائدة بدون لواء"...
آش هذ لعجب....! 
هذا التقسيم الداخلي هو القاضية. فهو يحول "الريادة" من مفهوم تربوي شمولي، إلى سلعة إدارية مجزأة وهرمية. "اللواء" هنا سواء كان لوحة على الجدار أو شهادة في الأرشيف أو راية يصبح رمزا لمكانة علاقاتية أو استعراضية، وليس مؤشرا على جودة تربوية حقيقية.
هذه الآلية لا تنتج سوى ثقافة سامة من التنافس الشكلي والصراع على الموارد الرمزية، بدلا من التعاون لتحسين الجودة. وهي تظهر أن القيمة في المنظومة لم تعد تستمد من العمل الصامت داخل الفصول، أو من تحسين نتائج التعلم، بل من القدرة على كسب رضا المدبر البيروقراطي والحصول على "لواء" مرئي. إنها إدارة بالمظاهر، تستهلك طاقة هائلة في عمليات التصنيف والتقييم الشكلي، بينما تهمل المعضلات الحقيقية التي تنخر جسم التعليم: الاكتظاظ، ضعف التجهيزات، الخصاص في الموارد البشرية، وهشاشة التكوين.
بهذا المعنى، فإن مشروع "المؤسسة الرائدة" يسير في اتجاه معاكس تماماً لروح المدرسة العمومية الموحدة. بدلا من أن يكون أداة لرفع مستوى الجميع، أصبح أداة لتفكيك التضامن المهني وخلق طبقات مدرسية. إنه يستورد منطق السوق وثقافة التقييم التنافسي العشوائي إلى قلب مؤسسة يجب أن تبقى حصنا للإنصاف والتكامل المجتمعي. فالتمييز بين "رائدة بلواء" و"رائدة بدونه" يكرس فكرة أن بعض المدارس داخل الريادة "أكثر استحقاقا" من غيرها، ليس بسبب أدائها التربوي بالضرورة، بل بسبب علاقاتها أو قدرتها على تقديم نفسها وفق المعايير البيروقراطية.
إن الدعوة اليوم ليست إلى إصلاح آلية منح "اللواء"، بل إلى مراجعة جذرية لهذا النموذج التصنيفي برمته. فالريادة الحقيقية لا تحتاج إلى ألواح تعلق على الواجهات، بل تحتاج إلى إرادة سياسية حقيقية لتوفير الحد الأدنى من الكرامة والجودة لكل مؤسسة تعليمية في هذا الوطن...
 الريادة الحقيقية هي أن نضمن أن كل طفل، في أي مدرسة عمومية يدرس، يحصل على تعليم جيد في ظروف لائقة. هي أن يكون الفرق بين مدرسة في مركز حضري وأخرى في دوار ناء فرقا في الدعم والموارد الإضافية، وليس فرقا في "اللقب" والوصم.
لذا، فإن الخروج من هذا المأزق يتطلب وقفة شجاعة. وقفة تعيد توجيه الطاقة والموارد من عمليات التصنيف الاستعراضية، نحو معالجة الإشكالات الهيكلية: تعميم الدعم المادي والبشري حسب الحاجة الفعلية، تعزيز التكوين المستمر للأطر، مراجعة المناهج، ومحاربة الهدر المدرسي. يجب أن يكون الهدف هو تعميم شروط الريادة، وليس تخصيص لقب الريادة.
 المراسلة الاستدراكية ليست حلا، بل هي عرض لمرض أعمق. إنها تذكرنا بأن مستقبل المدرسة العمومية لا يبنى بأوهام التميز الفردي لمؤسسات قليلة، بل بإصلاح جماعي يرفع من مستوى الكل. آن الأوان لتتحرر المدرسة من عبء التسميات الوهمية، وتعود إلى جوهر رسالتها: أن تكون منبرا للعلم والعدالة والمساواة للجميع، دون لواءات تمييزية، ودون أسطرة تفرق بين أبنائها.
خالد أخازي، كاتب وإعلامي