ونحن على عتبة فصل البرد والصقيع، تطفو على السطح من جديد مأساة سكان الجبال بالمغرب ومعاناتهم مع حطب التدفئة والتموين والملابس المناسبة لحمايتهم من التبعات الصحية الكارثية الناجمة عن البرد.
فحسب التقارير المتداولة، يوجد في المغرب حوالي 1400 مليونير، ولو قمنا بعملية حسابية بسيطة تخص مساهمة هؤلاء «لملايرية» في المجهود التضامني لتخفيف معاناة إخوانهم بالمناطق الجبلية والباردة جدا سنقف على أرقام مخجلة وصادمة.
فبالعودة إلى أرقام وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت التي سبق أن قدمها في البرلمان في جلسة 6 يناير 2018، نجد أن 514 ألف مغربي يعانون كل عام تقريبا من الحصار بسبب الثلوج والصقيع، وهؤلاء يمثلون 100 ألف أسرة تقريبا (بمعدل 5 أفراد في الأسرة كمعدل أدنى)، وفي حالة ما إذا قسمنا هذا العدد على «الملايرية» بالمغرب ستكون حصة كل مليونير، هي التكفل بـ 71 أسرة لمرافقتها طوال أشهر الصقيع وطيلة فترة «سميقلي»، لاقتناء حطب التدفئة والتغذية والملابس الواقية.
وإذا افترضنا جدلا أن كل أسرة (من باب الكرم والإحسان)، تحتاج لحوالي 2000 درهم شهريا لمساعدتها على تحمل نفقات هذا البرد والصقيع، فإن ذلك يمثل اعتمادا قدره 142 ألف درهم، كمساهمة لكل مليونير مغربي في الشهر مخصصة من ثروته للعدد الذي سيتكلف به (أي 71)، أي ما يمثل حوالي 568.000 درهم يرصدها لهاته الأسر (71 أسرة) خلال موجة البرد والصقيع بالجبال. بمعنى أن كل مليونير انخرط في هذا المجهود التضامني وتكفل بـ 71 أسرة، فإن ذلك لن يكلفه سوى إنفاق 1556 درهم كمعدل في اليوم، وهو مبلغ هزيل مقارنة مع حجم الثروة ولن ينهك موارده المالية، لأن هذا المبلغ يساوي ثمن قهوة بالنسبة لموظف سددها لفائدة صديق أو عابر سبيل.
إذا كان ثمن القهوة بالنسبة للموظف لا يمثل إنهاكا لميزانيته، فنفس الشيء بخصوص تحمل نفقات 71 أسرة المواجهة الصقيع بالنسبة لميزانية «الملايرية» بالمغرب!
لو كتب لهذه الفكرة التنفيذ فإن كل مليونيرات المغرب سيساهمون مجتمعين في صرف حوالي 800 مليون درهم (80 مليار سنتيم فقط لفائدة مغاربة يمثلون 1.5% من مجموع سكان البلاد) لم يرتكبوا أي ذنب سوى أنهم يعانون من الهشاشة وولدوا بشريط جبلي ذي طبيعة قاسية حيث البرد والصقيع الذي يجمد الحجر قبل البشر في 22 إقليم بالتراب الوطني، وهي أقاليم لم تنعم بعد بحصتها من ثروة البلد.
هذا المبلغ يبقى تافها جدا بالنسبة للمليونيرات المغاربة، خاصة إذا علمنا أن مليونيرا واحدا بالمغرب قد ينفق في حفلة باذخة أو «قصارة واعرة» في «فيرمة»، ما يفوق هذا المبلغ الشهري لكل واحد.
إن هذا الاقتراح لو تم العمل به فإنه لن يساعد على ردم هوة الحقد بين طبقات المجتمع فحسب، بل قد يدفع الدولة إلى تخصيص الموارد التي تنفقها على هؤلاء المهمشين بالجبال لتخصصها لشق الطرق والقناطر أو لصيانتها كل 3 أو 5 سنوات، أو لتخصصها لتجميع الدواوير في المراكز والأنوية الحضرية الموزعة بالجبال، بدل أن يبقى السكن مشتتا لتخفيف الكلفة على الخزينة العامة مستقبلا في مجال إنجاز المرافق العمومية، فضلا عن ضمان مردودية الاستثمار العمومي لصعوبة إرضاء كل دوار وكل «كانون» بطريق وبمدرسة وبمحول كهربائي وبمركز صحي وبمضخة للماء.
فهل سيبادر «ملايرية المغرب»، لخلق مؤسسات اجتماعية fondations على غرار أثرياء العالم لتتولى القيام بالأعمال الإحسانية، أم سيتجاهلون الرسالة ويعمقون الجراح.. جراح الكراهية والحقد الاجتماعي، خاصة وأن هؤلاء الأثرياء جدا لا يمثلون سوى 0.004% من سكان المغرب، بينما يستحوذون على أزيد من 70% من ثروة البلاد؟!.
ملحوظة:
هناك قلة قليلة جدا من أثرياء بلادنا ممن ينبض قلبهم بالمغرب حبا ووفاء ويخصصون جزءا من ثرواتهم لتنفقها مؤسسات باسمهم في أعمال إحسانية وخيرية، وهؤلاء لا تعنيهم رسالتنا، لأنهم قلة قليلة كما أكدنا.
هناك قلة قليلة جدا من أثرياء بلادنا ممن ينبض قلبهم بالمغرب حبا ووفاء ويخصصون جزءا من ثرواتهم لتنفقها مؤسسات باسمهم في أعمال إحسانية وخيرية، وهؤلاء لا تعنيهم رسالتنا، لأنهم قلة قليلة كما أكدنا.