قد لا أكون مبالغًا أو حالِمًا إذا قلتُ إنّه بالإمكان إيجاد باب إضافي لتمويل بعض البرامج التنموية، بتوافق مع أغنياء الوطن الذين فيهم كثيرون ـ إلا من حاد عن الوطنية الصادقة ـ يجتهدون في تنمية الوطن ونفعه. أولئك لا يملك كلُّ غيور وطيبٍ إلا أن يدعوَ لهم بالبركة والتوفيق.
إن الوطن يحتاج إلى نهضة تضامنية غير مسبوقة، قد تكون إلزامية، أساسها الاعتراف بجميل الدولة على فئات عريضة تعدّ بعشرات الآلاف، ويمكنها أن تردّ الجميل بموقف وطنيٍّ تاريخي لمواجهة تحديات العدالة الاجتماعية والمجالية.
ويمكن أن يكون في مقدمة هذه النهضة من استفادوا من الدولة، من الامتيازات والعقارات والتراخيص والبرامج العمومية في قطاعات كثيرة، لتحفيز الاستثمار ودعم المقاولات. وقد حقق كثير منهم أرباحًا معتبرة جعلتهم من الأغنياء أو زادتهم غنى، وفي ذلك خير لهم ولوطنهم.
والدولة قادرة على إيجاد السند الدستوري والقانوني لإطلاق هذه الحملة التضامنية، كما يمكنها أن تجد الأسلوب اللائق لإقناع المعنيين بها أو إلزامهم بها.
ولكي لا تحيد هذه المبادرة عن أهدافها الوطنية النبيلة، وحتى لا يستغلها قراصنة المال العام، وجب أن تتوفر ثلاثة شروط لضمان نجاحها:
أولًا: إحداث صندوق خاص بالتنمية الاجتماعية والمجالية، وفق الأولويات التي حدّدها صاحب الجلالة حفظه الله، يشرف عليه فريق مختار بعناية ومراقَب من أعلى مستوى في الدولة.
ثانيًا: أن تسبقها وتواكبها حملة تواصلية تشرح منطلقاتها وأهدافها وسبل صرفها وطرق تحصيلها، بما يحفّز ويطمئن.
ثالثًا: أن يُكلَّف بالتنزيل والعمل الميداني والرصد المالي نخبة من الأطر المشهود لها بالنزاهة، تجمع بين أطر الأجهزة الأمنية والسلطة الإدارية والمصالح المالية.
أما المعنيون بهذه المساهمة التضامنية فهم فئات كثيرة ومتنوعة مكّنت لهم الدولة، بصيغ مختلفة، من طرق الاستثمار فالاغتناء، ومنهم:
- من فوّت مشروعًا ناله من الدولة وفق دفتر تحملات، بعد أن حصل على الدعم، خاصة في قطاعات الفلاحة أو النقل أو الصناعة أو السياحة أو الخدمات؛
- من حصل على عقار عمومي أو سلالي أو ما شابهه لإنجاز مشروع سكني اجتماعي أو غيره؛
- من يستغل أراضي الجموع أو أراضي الدولة أو الأوقاف في أنشطة اقتصادية مربحة؛
- من يستغل رخصة في الصيد، خصوصًا في أعالي البحار، أو في المعادن أو المقالع أو النقل أو غير ذلك؛
- من يستفيد من صندوق المقاصة ويحقق أرباحًا كبيرة؛
- من انتفع من تغيير تصميم التهيئة وازدادت قيمة أملاكه العقارية؛
- من ازدادت قيمة أملاكه بعد إنجاز مرافق عمومية أو بنية تحتية عمومية بالقرب منها؛
- يضاف إليهم، من يصرح بأمواله وممتلكاته داخل الوطن وخارجه في إطار المساهمة الإبرائية.
كل أولئك، وهم يعدّون بعشرات الآلاف، قد لا يعترضون على الإسهام الإضافي في التنمية بمنطق تضامني خارج منظومة الضرائب، قد يصل إلى نسبة مقدّرة من الممتلكات والأرباح لا تقل عن 10%، تُضخّ في برامج تنموية محلية حيث توجد مشاريعهم، أو وطنية تعود بالنفع على فئات واسعة من المواطنين.
ومن الأجدر والأولى أن يبادر إلى هذا العمل التضامني التنموي الأغنياء من الوزراء والبرلمانيين والمنتخبين وأسر كبار المسؤولين في مؤسسات الدولة، يليهم كبار رموز الأغنياء في الوطن.
أما من تلكّأ من المعنيين بهذه النهضة التضامنية، فالدولة لها أكثر من سبيل لإقناعهم وتحفيزهم.
فالوطن يحتاج إلى أبنائه وبناته في الشدة والرخاء، في الأزمات والنجاحات، في حدٍّ أدنى من الواجبات، وفي المبادرات الطوعية النبيلة.
"وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِۦۚ وَٱللَّهُ ٱلْغَنِيُّ وَأَنتُمُ ٱلْفُقَرَآءُۚ وَإِن تَتَوَلَّوۡاْ يَسۡتَبۡدِلۡ قَوۡمًا غَيۡرَكُمۡ ثُمَّ لَا يَكُونُوا۟ أَمْثَالَكُمْ."
صدق الله العظيم