يفتح المنتدى السعودي للإعلام، المنعقد خلال الفترة من 2 إلى 4 فبراير 2026، نقاشًا معمّقًا حول دبلوماسية التأثير، من خلال جلستين حواريتين تتقاطعان عند سؤال محوري يشغل الساحة الدولية اليوم: كيف انتقل الإعلام من مجرد وسيط يفسّر الأحداث إلى فاعل رئيسي يصوغ صورتها ومعناها ويؤثر في إدراكها عالميًا؟ وتحمل الجلستان عنواني: «بين التحليل السياسي والدبلوماسية العامة: مستقبل الخطاب حول المنطقة»، و«دبلوماسية التأثير: حين يصوغ الإعلام لغة العالم»، لتلتقيا عند فكرة أساسية مفادها أن الإعلام بات لاعبًا مركزيًا في صناعة الصورة الذهنية للدول، ومحركًا رئيسيًا لدبلوماسية التأثير في الفضاء الدولي، عبر أدوات حديثة تمنح الرسائل سرعة الانتشار وعمق التأثير.
وتتولى جلسة «دبلوماسية التأثير: حين يصوغ الإعلام لغة العالم» تفكيك هذا التحول، من خلال إبراز انتقال الإعلام إلى موقع الشريك الاستراتيجي في صناعة القرار، وتسليط الضوء على تشكيل الصورة الذهنية للدول لدى الرأي العام العالمي بوصفه محورًا رئيسيًا للنقاش. كما تتوقف الجلسة عند أدوات الإعلام المعاصر في تعزيز القوة الناعمة والتأثير الدولي، باعتبارها وسائل تصنع اللغة التي يتداولها العالم عن الدول والقضايا الكبرى، بما في ذلك ملفات المنطقة.
وعلى مسار موازٍ، تعمّق جلسة «بين التحليل السياسي والدبلوماسية العامة: مستقبل الخطاب حول المنطقة» هذا النقاش عبر ربط التأثير بطبيعة المحتوى التحليلي ذاته، وطرح تساؤلات حول كيفية تشكّل السرديات المتعلقة بالشرق الأوسط، ودور الإعلام في تحويل التحليل إلى خطاب متداول يعكس زوايا نظر متعددة ويعيد ترتيب أولويات الجمهور. وتقدّم الجلسة الدبلوماسية العامة بوصفها أداة لبناء التواصل، بحيث يصبح الخطاب حول المنطقة نتاج تفاعل مستمر بين الرسائل الرسمية، ومعالجتها إعلاميًا، وتداولها داخل الرأي العام.
وتبرز نقطة الالتقاء الأكثر حساسية بين الجلستين عند مفهوم «التحليل السياسي بوصفه جسرًا للفهم الأعمق»، إذ يتحول التحليل، حين يقترب من الدبلوماسية العامة، من مجرد قراءة للأحداث إلى عملية بناء للمعنى، تشمل اختيار المصطلحات، وترتيب الوقائع، وإبراز السياقات، وتقديم صورة قابلة للتداول. وفي هذا السياق، تكتسب الدبلوماسية حضورًا عمليًا داخل العمل الإعلامي، لأن بناء التواصل لا ينفصل عن بناء السردية، والسردية تؤثر مباشرة في كيفية فهم المنطقة وفي مآلات الخطاب المتداول حولها.
ويطرح المنتدى السعودي للإعلام، في هذا الإطار، جملة من الأسئلة الجوهرية، من قبيل: ما الحدود الفاصلة بين تفسير السياسة وصناعة الانطباع عنها؟ وكيف تُدار القوة الناعمة عبر أدوات الإعلام الحديثة؟ وكيف يُرسم مستقبل الخطاب حول المنطقة عندما تتجاور الدبلوماسية العامة مع التحليل السياسي على منصة واحدة؟ وهي أسئلة تضع الجلستين ضمن مسار فكري واحد، ينظر إلى الإعلام بوصفه قوة تأثير، وإلى الدبلوماسية باعتبارها خطابًا، وإلى التحليل كأداة لتشكيل الفهم العام.
ويقدّم المنتدى السعودي للإعلام، في المحصلة، عبر هاتين الجلستين، نافذة مبكرة على إحدى معارك العصر الهادئة: معركة السرديات. ففي عالم تتنافس فيه الرسائل بقدر ما تتنافس فيه الوقائع، يصبح امتلاك أدوات الإعلام وإتقان لغته شرطًا أساسيًا لبناء التواصل، وتوجيه الصورة الذهنية، وصياغة خطاب قابل للاستمرار حول المنطقة على الساحة الدولية.

