تتعرض مهنة الصحافة في المغرب لتحديات لم تواجهها من قبل، تتمثل في محاولة اختراقها من طرف أفراد وجماعات، لا ينتمون إليها، غير أنهم يسعون جاهدين إلى الاستهتار بها، والاستخفاف بالشروط القانونية والمهنية، التي تنظمها، ليس لأن سهولة التواصل الرقمي، فتحت الباب على مصراعيه، لجميع الناس لممارسة حرية التعبير، بالكتابة والصوت والصورة، وهو مكسب إيجابي، في حد ذاته، ولكن لأن هناك من وظف هذا المكسب ليقتحم مهنة الصحافة، دون أن يتوفر على المقومات الضرورية لذلك.
غير أنه إذا كان الأمر يتعلق بممارسات فردية، تسعى إلى أن تنتحل صفة الصحافي، فهي مسألة قد تعالج من خلال تطبيق القانون، لكن الأخطر من كل هذا، هو أن تنتحل صفة تمثيلية الصحافيين، مجموعات لا تنتمي إلى مهنة الصحافة، فتنصب نفسها ممثلة لهذا القطاع وناطقة باسم مكوناته، في إطار عملية احتيال وتضليل، لا يحصل بالنسبة للمهن الأخرى، لكنها تحصل بالنسبة لمهنة الصحافة. وكما هو معروف، فإن المهن الأخرى، المنظمة، لا تسمح بهذا التحايل، مثل مهن المحاماة والطب والصيدلة والمهندسين المعماريين والأساتذة... وغيرها من المهن التي ترفض أن ينتمي إليها الدخلاء عليها، ويتحدثون باسمها، بل إنهم قد يتعرضون لعقوبات إذا انتحلوا صفتها.
وهذا لا يعني أن مهنة الصحافة غير منظمة، بل إن هناك نصوصا قانونية تنظم الانتماء لها وتضبط الولوج إليها، وكان من المفترض أن تحصنها، لولا أن هناك من يسعى إلى خرق القانون، وانتحال صفة تمثيلها، في إطار عمل ممنهج لتمييعها، من بين هؤلاء، من لا مهنة له، ومنهم من ينتمي إلى مهنة أخرى، أو متقاعد من قطاع لا علاقة له بالصحافة، ويعتبرها محطة نهاية الخدمة، وكأنها مهنة مستباحة، يمكن لكل من هب ودب إدعاء أنه يمثلها.
وكيفما كانت مبررات منتحلي صفة تمثيلية الجسم الصحافي، فإنها تمثل خطرا على هذه المهنة، لأنها تخلق تمثيلية مزيفة، لكن الأخطر من كل هذا، هو أن يتم تزكية هذا التزييف من طرف منظمات مهنية، ناضلت في السابق، ضد الدخلاء على المهنة، وواجهت محاولات خلق هيئات مصطنعة وملفقة، هدفها ضرب التمثيلية الحقيقية للصحافيين، ويبدو أن ما فشلت فيه هذه المحاولات، قد نجح، اليوم، على يد ضحاياها، بعد أن عميت الأبصار بسبب البحث عن المكاسب الصغيرة.
إن أخطر ما تواجهه مهنة الصحافة، هو أن تقبل بين صفوفها الدخلاء والمتطفلين، وأن تقبل تزييف تمثيليتها، وهو عمل يضرب كل المكتسبات التي ناضلت من أجلها أجيال، من الصحافيين والنقابيين. فمنذ المصادقة على القانون الأساسي للصحافيين المهنيين، في صيغته الجديدة، في منتصف تسعينيات القرن الماضي، أصبحت للمهنة معايير قانونية تضبط الولوج إليها، بشكل أكثر دقة، وتقلص كثيرا هامش المتطفلين عليها، مثلما حصل في فرنسا سنة 1935، عندما تم تبني قانون الصحافي المهني، كما كتب دونيس رويلان، في بحث حول الصحافي المحترف، نشر في مجلة جامعة رين، تحت عنوان « les « Pro » du journalisme » الذي يقول "من الواضح أنه منذ سنواتها الأولى، اختارت النقابة الوطنية للصحافيين، في فرنسا، عمداً، داخل سوق زبائن التنظيمات الصحافية، التموقع في شريحة محددة: الصحفيون المتفرغون بشكل كامل، الذين سيعرّفهم على أنهم وحدهم «الصحفيون الأصيلون»، وبتطرّفه في تعريف الصحافة ليشمل فقط أولئك الذين يمارسونها كمهنة وحيدة أو رئيسية – وهي الصياغة التي نجدها في المادة الثانية من النظام الأساسي للنقابة منذ ذلك الحين – فقد تمكن من فرض هذا التعريف التقييدي في القانون، الذي تخلى عن مقترح (النائب غيرنو) القاضي بمنح الوضعية لكل من يقدم للصحافة مساهمة فكرية أو فنية. ويبدو لنا جلياً أن الصحافة الفرنسية المعاصرة ما كانت لتكون على ما هي عليه اليوم، لولا أن صاغتها، بهذه الطريقة، استراتيجية تنظيم، بدا أن النجاح حالفه في كل مساعيه".
فالرهان، كما هو كان واضحا في تاريخ الصحافة الفرنسية، لا يتعلق فقط بمسألة التمثيلية الأصيلة، بل على الخصوص، بالصناعة الصحافية والإعلامية، وهو نفس التحدي المطروح في المغرب، فالأمر لا يتعلق بمكاسب صغيرة، بل بمستقبل الصحافة المغربية، التي لا ينبغي لمكوناتها، أن تسمح لغير حاملي بطاقة الصحافة، التحدث باسمها، وأن يتم تزكية هذا الوضع، من طرف أولئك الذين من المفترض فيهم، أنهم أول من يجب أن يتصدى للتزييف، قبل غيرهم من هيئات منتخبة وسلطات ومجالس، لأن المهنة في حاجة إلى أبناء قادرون على حمايتها، لا إلى من يتواطأ ضدها، مع عابر سبيل.