Wednesday 15 October 2025
كتاب الرأي

سعيد التمسماني: نزار بركة.. رؤية مستقبلية للمغرب بين التنمية، العدالة والمسؤولية الوطنية

سعيد التمسماني: نزار بركة.. رؤية مستقبلية للمغرب بين التنمية، العدالة والمسؤولية الوطنية سعيد التمسماني

في زمن تتشابك فيه التحديات الاقتصادية والاجتماعية، ويزداد فيه الضغط على الموارد الطبيعية، يطل علينا نزار بركة، وزير التجهيز والماء والأمين العام لحزب الاستقلال، ليقدم قراءة جديدة لمستقبل المغرب. ليس مجرد وزير أو سياسي، بل صوت الواقعية والتخطيط الاستراتيجي، الذي يربط بين المشاريع الكبرى وأثرها المباشر على حياة المواطنين، وبين الثقافة الوطنية للمساءلة والشفافية.

في هذه المقابلة الحصرية مع Touil Talks، يكشف بركة عن رؤيته الشاملة لمغرب الغد، حيث تصبح التنمية أداة لتحقيق العدالة المجالية، وتتحول المشاريع العملاقة—من سدود وطرق إلى محطات تحلية المياه—إلى أدوات حقيقية لتحسين جودة حياة المواطنين. كما يناقش قضايا حساسة مثل الفساد في الصفقات العمومية، ويؤكد على ضرورة الإصلاح عبر الشفافية والمسؤولية قبل البدء في أي مشروع.

 

الخطاب الملكي: نداء للتغيير الجذري

يعود الوزير في مستهل حديثه إلى الخطاب الملكي الأخير، الذي اعتبره بمثابة نداء واضح لتغيير العقليات وتعزيز ثقافة المسؤولية. بركة يرى أن هذا الخطاب ليس مجرد كلمات على الورق، بل خارطة طريق للتفكير والعمل، دعوة صريحة لكل المؤسسات والمواطنين للارتقاء بمستوى الأداء وتحقيق أثر ملموس على حياة الناس اليومية.

 

أوراش كبرى لمواجهة تحديات الماء والتنمية

من خلال استعراضه لمشاريع وزارته، يسلط بركة الضوء على أوراش السدود وتحلية مياه البحر، باعتبارها ركائز أساسية في ضمان الأمن المائي للمغرب. لكنه لا يخفى التحديات المستمرة في بعض المناطق القروية والجبلية، حيث لا تزال أزمة المياه الصالحة للشرب تؤثر على حياة المواطنين، رغم الجهود المكثفة التي تبذلها الحكومة. هنا يظهر دور الوزارة كحاضن للمشاريع الكبرى، لكنها في الوقت ذاته مطالبة بضمان تأثير حقيقي وملموس على حياة الناس، وليس مجرد إنشاء بنية تحتية على الورق.

 

العدالة المجالية: التنمية ليست مجرد مشاريع

يؤكد بركة أن العدالة في التنمية لا تتحقق بمجرد إقامة البنيات التحتية، بل بقياس الأثر الاجتماعي والاقتصادي لهذه المشاريع على المواطنين. فالطرق الجديدة، والسدود، ومحطات التحلية يجب أن تكون أدوات لتحقيق كرامة المواطن وجودة حياته، وليس مجرد إنجاز تقني أو ورقي. هذه الرؤية تعكس فهمًا عميقًا للتنمية المستدامة، حيث تصبح كل خطوة تنفيذية مرتبطة مباشرة بالعدالة الاجتماعية.

 

مكافحة الفساد والزبونية: الإصلاح يبدأ بالشفافية

وفي سياق التحديات الإدارية، يتناول الوزير قضية الفساد في الصفقات العمومية والزبونية، مؤكداً أن أي إصلاح مستدام يبدأ بـ الشفافية والمساءلة، قبل البدء في تنفيذ المشاريع. الإجراءات التي اتخذها تهدف إلى تبسيط الإدارة ومحاربة البيروقراطية، وضمان أن كل مشروع يساهم فعلياً في تحسين حياة المواطنين، بعيداً عن أي اختلالات.

 

الحكومة والحراك الاجتماعي: الإصغاء للمواطنين

كما لم يغفل بركة عن تقييم أداء الحكومة بقيادة عزيز أخنوش، خاصة في مواجهة الحركات الاجتماعية المتزايدة في مختلف المناطق. بالنسبة له، نجاح الحكومة لا يقتصر على الإنجاز الاقتصادي فقط، بل على قدرتها على الاستماع لمطالب المواطنين البسطاء، وعلى ربط التنمية بالعدالة والمواطنة. هنا، يبرز بعد بركة السياسي، الذي يسعى لخلق حوار حقيقي بين الدولة والمواطنين، وتأسيس بيئة مؤسسية قادرة على معالجة المطالب الشعبية بشكل فاعل ومستدام.

 

حزب الاستقلال: تجديد وإشراك الشباب

وعلى المستوى الحزبي، يناقش بركة جهود تجديد حزب الاستقلال، مع إشراك الشباب والفئات الجديدة في صلب القيادة، والعمل على إحياء الإرث الفكري والوطنية لعلال الفاسي. في سياق يهيمن عليه تحدي التغير المناخي والبطالة وأزمة الثقة بين المواطنين والنخب، يرى الوزير أن السياسة يجب أن تكون مشروعاً حضارياً متكاملاً، يربط بين الفكر الوطني والرؤية الاقتصادية والاجتماعية للمستقبل.

 

الرأسمال البشري والبنية التحتية الاستراتيجية

في نهاية الحوار، يسلط بركة الضوء على أهمية تعزيز الرأسمال البشري داخل وزارته، معتبرًا أن الموارد البشرية هي العمود الفقري لأي مشروع تنموي ناجح. كما يكشف عن عدة مشاريع استراتيجية للبنية التحتية تشمل الطرق والسدود ومحطات تحلية المياه، بهدف تهيئة المغرب لمستقبل مستدام وآمن، يضمن استقرار الموارد وحياة كريمة للمواطنين.

 

رؤية شاملة للمغرب المستقبلي

بالنسبة لنزار بركة، نجاح المغرب الحقيقي لا يقاس بعدد المشاريع أو حجم الاستثمارات فحسب، بل بمدى قدرة المجتمع على التعبئة الجماعية وتبني ثقافة المسؤولية والمحاسبة، قبل البدء في تنفيذ أي مشروع تنموي. إنه تصور متكامل يجعل من التنمية الاقتصادية والاجتماعية، والعدالة المجالية، والشفافية، والإدارة الرشيدة، ركيزة أساسية لبناء دولة قوية ومواطنين فاعلين.

هذه المقابلة تشكل خارطة طريق حقيقية للمغرب المستقبلي، حيث تتلاقى التنمية الاقتصادية مع العدالة الاجتماعية، وتصبح المشاريع الكبرى أدوات ملموسة لتحسين جودة حياة المواطنين. رؤية نزار بركة تقدم نموذجاً للتفكير الاستراتيجي المتوازن بين الواقعية والإبداع، بين الطموح والالتزام، وبين التنمية الاقتصادية والمسؤولية الوطنية.