Thursday 16 October 2025
Advertisement
خارج الحدود

منير لكماني: تربية تنبت الوعي.. حين يُصاغ الإنسان في بيتٍ صغير

منير لكماني: تربية تنبت الوعي.. حين يُصاغ الإنسان في بيتٍ صغير منير لكماني
بذور البدايات
ليست التربية دروساً تلقى، بل نسغ حياةٍ يسري في الأبناء منذ نظرات الوالدين الأولى. في البيت تُغرس أولى بذور الإنسان، وهناك يتعلم الطفل معنى الكلمة، وحدود الحرية، وطعم المسؤولية. لا تربية بلا قدوة، ولا قدوة بلا فعلٍ صادق. كثيرون تربّوا على الصبر لأن آباءهم لم يشتكوا رغم الضيق، وتعلّموا العزيمة لأن أمهاتهم نهضن باكراً كل صباحٍ دون تذمر. التربية ليست ما نقوله، بل ما نعيشه أمام أبنائنا.
 
بين الحنان والحزم
الطفل الذي لا يُمنح الثقة يبقى أسير الخوف، والذي يُدلَّل بإفراطٍ يفقد صلابة الحياة. التوازن هو سرّ المعادلة. أن يشعر الابن بأن الخطأ ممكنٌ لكن الاعتذار واجب، وأن التعب ضروريٌّ للوصول، وأن يده الصغيرة حين تمتد لتساعد تُصبح يداً قوية. ما أضعف جيلاً تربّى على الراحة، وما أبهى جيلاً تمرّس على المسؤولية في صغره. التربية الحقيقية لا تُعلّم الراحة، بل تُدرّب على الصمود.
 
المربّي مرآة الأبناء
كل مربٍّ هو صانع وجدانٍ قبل أن يكون معلماً أو أباً. حين يزرع في الطفل معنى المشاركة، ينشئ جيلاً يعرف كيف يعيش مع الآخرين. وحين يُسمِعه أن النجاح ليس حظاً بل ثمرة جهد، يغرس فيه الإصرار. التربية التي تُمارس بوعيٍ تصنع إنساناً حراً، لا تابعاً. من ربّى أبناءه على التفكير لا على التلقين، علّمهم أن الطريق إلى الكرامة يبدأ من السؤال لا من الطاعة العمياء.
 
تجارب تُلهم
كثيرون ممن شقّوا طريقهم في الحياة لم يملكوا سوى تربيةٍ صحيحة. أحدهم كان يساعد والده في الحقول طفلاً، فتعلم أن التعب لا يُهين بل يُهذّب. آخر نشأ في بيتٍ يوقّر الكلمة الطيبة فصار قائداً يسمع الناس قبل أن يُسمِعهم. ما يجمع بين هذه النماذج أن التربية منحتهم أدوات الحياة لا وسائل الرفاه. حين تتكوّن النفس على الجدّ والضمير، لا تهزمها المسافات ولا المغريات.
 
المال لا يصنع الإنسان
يكدّ الآباء لجمع المال، ويغفلون أن ما يُخلِّد اسمهم ليس الحساب البنكي، بل أثرهم في أبنائهم. الثروة قد تُبنى في سنوات، أما تربية الضمير فتحتاج عمراً. أن تُورّث ابنك علماً نافعاً وخلقاً راسخاً أجدى من أن تُورّثه ذهباً يضيع مع أول طيشٍ. حين يتربى الابن على الاحترام والعطاء، يظل يذكرك بدعوةٍ صادقة حتى بعد أن تغيب، لأن التربية الصالحة لا تموت بانتهاء العمر، بل تبدأ بعده.
 
ختامٌ مفتوح
التربية ليست مهمة الآباء وحدهم، بل مسؤولية مجتمعٍ بأكمله: مدرسةٍ تُنصت، وحيٍّ يحمي، وبيئةٍ تُقدّر الجهد. إننا لا نُنشئ أبناءنا فحسب، بل نصوغ ملامح الغد.
فهل نُربّي جيلاً يحيا بالقيم لا بالمظاهر؟
هل نزرع فيهم حبّ العمل لا طلب الراحة؟
إن الإجابة تبدأ من كل بيتٍ، ومن كل لحظةٍ نختار فيها أن نكون قدوةً لا متفرجين.
فالتربية ليست ما نُعطيه لهم اليوم، بل ما نتركه فيهم إلى الأبد.