Friday 13 June 2025
مجتمع

كبش العيد.. والكسور المحتملة

كبش العيد..  والكسور المحتملة الدكتور بونهير بومهدي و الدكتور أنور الشرقاوي (يسارا)
 بقلم الدكتور انور الشرقاوي عن رواية للدكتور بونهير بومهدي – طبيب اختصاصي في الأشعة 
 
في ذلك العام، الذي مرّت أيامه محمّلةً بالاستثناء، تنفّست آلاف الأسر المغربية الصعداء. لم يُجبرها الزمن ولا العرف على ذبح الكبش، ذاك الضيف السنوي الثقيل على الجيب... وأحياناً على الجسد.
 
غير أننا كأطباء ، وبصفتي طبيباً مختصاً في الأشعة، رأيت في ذلك الإعفاء أكثر من مجرّد راحة مالية أو متنفّس اجتماعي.
رأيت فيه هدنة مؤقتة، في حرب موسمية صامتة.
 
رأيت فيه سكوناً طارئاً في سيل الصور التي نحتفظ بها ولا تُعرض على الشاشات: صور الكسور والصدمات الجسدية التي يأتي بها عيد الأضحى.
 
فكل عام، ومع حلول هذا الموعد المقدّس، تستقبل مصالح الأشعة بالمستشفيات العمومية وفي مراكز طب الأشعة بالقطاع الخاص مشاهد مؤلمة، لكنها لا تُذاع.
 
عظام الحوض المتكسرة، الساعدين المشوّهين، أضلاع مشقوقة، جمجمة مشروخة، نزيف داخلي صامت، وأحياناً، إصابات في مواضع الحياء... لا تُشفى، ولا تُنسى.
 
 وتبدأ الحكاية... من باحة صغيرة .
كبش، محبوس منذ أيام في زاوية ضيقة، ينهض مذعوراً، يستنفر، يركض، يضرب، يرفس.
ليست فيه شراسة، بل فيه فطرة.
إنه كائن حيّ... يشعر بالموت يقترب.
 
 الصورة الأولى 
رجلٌ في خريف العمر، سقط على جنبه الأيمن، حين باغته الكبش وهو يسكب الماء في الحوض.
النتيجة: كسر في عنق عظمة الفخذ.
عملية جراحية تحت التخدير، تركيب مفصل صناعي جزئي.
ثم معاناة طويلة مع التأهيل...... وألم لا يُقال.
 
 الصورة الثانية 
طفل، لم يبلغ السابعة بعد.
ضربة في الرأس، فحص بالأشعة المقطعية على وجه السرعة.
وذمة في الفص الجداري الأيمن.
رضّة دماغية بلا نزيف، لكنها قد تترك أثراً في الذاكرة، في التركيز، في المستقبل.
لم يكن يتحرّك حين وصل.
والأمّ والأب... حسبوه نائماً.
 
الصورة الثالثة 
رجل شاب، حديث الزواج، دخل مصلحة الأشعة بخطى مرتجفة، وعينين لا تخفيان الرعب.
ضربة مباشرة في العانة بين الفخدين. 
الفحص بالصدى: نزيف داخلي، تمزق في الخصية.
تدخل جراحي عاجل.
صمتٌ ثقيل في الملامح... ورجولة مهزوزة في داخله.
وراء هذه الحوادث المتكررة تكمن حقيقة لا نحب الاعتراف بها:
غياب التحضير، قلة التوعية، ونسياننا المستمر أن الكبش... ليس دمية.
هو حيوان قوي، يزن أحياناً أكثر من 80 كيلوغراماً، له قرون، وله قوائم، وله قوة قد تهزّ جسد رجل كامل.
في غرف الأشعة، لا تتكلم الصور، لكنها تحكي...
تحكي أفراحاً انقلبت إلى مآسٍ.
تحكي أرواحاً كانت تبتهج، فذرفت بدل البسمة أنيناً.
وتحكي بأبيضها وأسودها وبالألوان، أن شيئاً ما فينا لم يكن مستعداً.
إن هذا النص ليس طعناً في العيد ولا تشكيكاً في شعائره.
بل هو نداء... نداء للحذر، للعقل، للتعليم.
فلنُعلِّم أبناءنا، ونُنذر أهلنا، ونُهَيّئ مكاناً آمناً للكبش.
لا نترك الأطفال وحدهم معه.
لا نستفزه.
ولا نتعامل معه كأنه لا يشعر، لا يتحرك، لا يثور.
فلنعتمد على من يعرف كيف يمسكه، كيف يذبحه، كيف يقي أنفسنا وأجسادنا من كسر أو نزيف أو فقدٍ لا يُعوّض.
فالعيد، عيد الطاعة والرحمة، لا يجوز أن ينتهي على سرير الطوارئ، أو على طاولة العمليات، أو في صورةٍ حزينةٍ في قسم الأشعة.
العظم يُجبَر، نعم.
لكن الخوف... يبقى.
والذكرى المؤلمة، لا يَمحُوها الزمن بسهولة.