لم أكن لأحرّر هذا على عجل، لولا أنّ السلوك تكرّر وتكرّر مرّات ومرّات، حتى تقرّر وصار عقيدة راسخة لدى بعض من يهمّهم الأمر، فكلّما حلّ "نشاط" يموّل من المال العام ومن ضرائب المواطنين، إلا وتحول إلى "ريع، بعضه حزبي، وآخر مصلحي، وثالثة لا يعرف ما يمكن أن يكنى به، علهم يظفرون بدعوة يتيمة..
مُناسبة القول، تهافت وتلكّؤ ولفّ ودوران، يعكس تيه مَنْ مِنَ المفروض فيهم أن يتمسّكوا بالرّزانة والثبات والتعقّل، حيث يتم منح "دعوات حضور نشاط "إَيض يناير" في أكادير أوفلا، الليلة، للغلمان والقوارير والكتاكيت وغيرهم ممّن يألفون مثل هاته المناسبات التي تحوّلت إلى "مناسبات خاصّة مسبقة الدفع والقرب"، علّهم يظفرون برؤية أسيادهم، منهم من سيبتهلها فرصة لقضاء غرض أو أغراض لم ولن تكون سانحة لو "تركّن" في بيته، ومنهم من يستعرض بها العضلات وسمينحها زُلفى للمقربين والمقربات، كأنّه فتح "تندوف" وحرّرها من قبضة ما تبقى من مرتزقة البوليساريو، بعد نحو نصف قرن من المعاناة.
سلوكٌ فجّ يتكرر في كل محطّة ومناسبة من قبل من يعينه(ا) الأمر، حيث لم يعد مفهوما، أن البليّة أصابت القوم، وأنّ الخوف والخرف والهلع ظلّهم، ممّا قد يلتقط من صور أو فيديوهات ينبغي أن تتّخّذ في شأنه احترازات مصلحية قوامها وأسّها الدفع المُسبق، والغنائم المسبقة، والمردود التالي من غنائم ما صرف من المال العام العائم، الذي يتمُّ بلا حساب ولا رقيب، بلا كشف ولا كشوفات للرأي العامّ للإجابة عن سؤال: كم صرف وما الكلفة ومن المستفيد؟ وماذا تحقّق من أثر وراء كل ما صُرِف؟
ما يظهر أن البهرجة والفلكلرة هي التي تسبق من يتلهّفون وراء حشد البشر، ومن والاهم من بعض الإعلاميين، الذين يسيل لعابهم مع تعويضات نهاية الشهر والثلاثة أشهر، يصمتون على ما يحصل، رغم أنّهم غير راضون على ما يقع وما يعيشونه من هدر للمال، لو صرف في غير ما صرف من أجله، لحوّل مشروع "المدينة الذّكية" التي يُتغنّى بها منذ ثلاث سنوات، إلى مشروع لـ"تطهير عقول" من غيّ و ضيم ولاءات لا تتوقف، تعتبر كل مخالف مُنازع منتقد، خارجا عن "الطّاعة" العمياء التي ينبغي أن تتمّ، لأن المال يعمي ولا يذر.
ستنتهي الليلة، وستجترون "لبرد"، كما ستنتهي معها البلايا، وستترك الدّمى لتعود إلى جوارحها، في اليوم التالي تبحث عن بقايا فتات، والأسياد ينتظرون تمجيد سيّدهم العزيز ومن معه ليفعلوا من وراءه ما يشاؤون ويحصلون على "جواز المرور" لما سيأتي، والخاسر الأكبر هو البلد، فما يتم حصده من مال عام صرف بلا حساب ولا رقاب، وما يتم تجنيده من قبل السّلطات الأمنية والترابية ونحوها في تلك الليلة من ملايين الدراهم على حساب قضايا أخرى أهميتها أكثر من أهمية توزيع ألف دعوة للحضور يشترك فيها الثلاثة.
من الرّابح والخاسر في ليلة "لبرد" بأكادير أوفلا على مرمى حجر من جثامين 40 ألف شخص قضوا نحبهم في زلزال ضرب المنطقة في فبراير من عام 1960 التي صاروا يحتفلون فيها الليلة ويرقصون على أمتار من جثامين، هي بريئة من ترهات رقص وغناء وطرب على تاريخ جراحه لم تندمل بعد، اغتنى من اغتنى على ظهرها بعد الزلزال، وأعاد الكرّة اليوم من هم يرقصون على جثامين الأموات والأحياء، والعياذ بالله.
وقانا الله وإياكم شرارهم... وإن غدا لناظره قريب؟
وقانا الله وإياكم شرارهم... وإن غدا لناظره قريب؟