Friday 7 November 2025

كتاب الرأي

محمد البزاز: ما يميز مقترح الحكم الذاتي هو كونه يستجيب للمبادئ التي تقوم عليها الأمم المتحدة

محمد البزاز: ما يميز مقترح الحكم الذاتي هو كونه يستجيب للمبادئ التي تقوم عليها الأمم المتحدة محمد البزاز
يشكل‭ ‬اعتماد‭ ‬قرار‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬رقم‭ ‬2797‭ ‬بشأن‭ ‬قضية‭ ‬الصحراء‭ ‬المغربية،‭ ‬بأغلبية‭ ‬واسعة‭ ‬ودون‭ ‬اعتراض‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬أي‭ ‬دولة‭ ‬عضو‭ ‬في‭ ‬المجلس،‭ ‬انتصاراً‭ ‬باهراً‭ ‬للدبلوماسية‭ ‬المغربية،‭ ‬ومنعطفاً‭ ‬حاسماً‭ ‬في‭ ‬مسلسل‭ ‬التسوية‭ ‬السلمية‭ ‬لهذا‭ ‬النزاع‭ ‬الإقليمي‭ ‬المفتعل‭. ‬ومن‭ ‬أبرز‭ ‬تجليات‭ ‬هذا‭ ‬الفتح‭ ‬الجديد‭ ‬للدبلوماسية‭ ‬المغربية،‭ ‬هي‭ ‬تلك‭ ‬الصيغ‭ ‬القانونية‭ ‬الجديدة‭ ‬التي‭ ‬استعملها‭ ‬مجلس‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬القرار‭ ‬التاريخي،‭ ‬مقارنة‭ ‬بالصيغ‭ ‬القانونية‭ ‬التي‭ ‬استعملها‭ ‬في‭ ‬قراراته‭ ‬السابقة‭ ‬منذ‭ ‬أن‭ ‬اقترح‭ ‬المغرب‭ ‬“مبادرة‭ ‬نظام‭ ‬الحكم‭ ‬الذاتي‭ ‬لجهة‭ ‬الصحراء”‭ ‬على‭ ‬منظمة‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬سنة‭ ‬2007‭.‬
وعند‭ ‬القراءة‭ ‬القانونية‭ ‬لمضمون‭ ‬قرار‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬الجديد،‭ ‬يتبين‭ ‬بوضوح‭ ‬أن‭ ‬المجلس‭ ‬يؤكد‭ ‬بصفة‭ ‬صريحة‭ ‬سيادة‭ ‬المغرب‭ ‬على‭ ‬الصحراء،‭ ‬حيث‭ ‬يعتبر‭ ‬أن‭ ‬الحكم‭ ‬الذاتي‭ ‬تحت‭ ‬السيادة‭ ‬المغربية‭ ‬يشكل‭ ‬الحل‭ ‬الأكثر‭ ‬جدوى‭ ‬لتأطير‭ ‬المفاوضات‭ ‬بين‭ ‬أطراف‭ ‬النزاع،‭ ‬قصد‭ ‬التوصل‭ ‬إلى‭ ‬حل‭ ‬نهائي‭ ‬لهذا‭ ‬النزاع‭ ‬الإقليمي‭ ‬المفتعل‭ ‬والذي‭ ‬طال‭ ‬أمده‭. ‬بل‭ ‬يقرّر‭ ‬المجلس‭ ‬أن‭ ‬نظام‭ ‬الحكم‭ ‬الذاتي‭ ‬تحت‭ ‬السيادة‭ ‬المغربية‭ ‬هو‭ ‬أساس‭ ‬لحل‭ ‬عادل‭ ‬ودائم‭ ‬ومقبول‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬الفرقاء‭. ‬وهكذا‭ ‬فإنه‭ ‬بمقتضى‭ ‬هذا‭ ‬القرار‭ ‬الأخير‭ ‬للمجلس‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬الحكم‭ ‬الذاتي‭ ‬تحت‭ ‬السيادة‭ ‬المغربية‭ ‬مقترحا‭ ‬مغربيا‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬أصبح‭ ‬الحل‭ ‬الوحيد‭ ‬الذي‭ ‬يطالب‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬باعتماده‭ ‬كمرجعية‭ ‬قانونية‭ ‬ودبلوماسية‭ ‬للمفاوضات‭ ‬النهائية‭ ‬بشأن‭ ‬التسوية‭ ‬السلمية‭ ‬لهذا‭ ‬النزاع‭ ‬الإقليمي‭ ‬المفتعل‭.  ‬
وهكذا‭ ‬حسم‭ ‬هذا‭ ‬القرار‭ ‬الأممي‭ ‬في‭ ‬الجدل‭ ‬القانوني‭ ‬والسياسي‭ ‬الذي‭ ‬يثيره‭ ‬أعداء‭ ‬الوحدة‭ ‬الترابية‭ ‬للمملكة،‭ ‬وكرس‭ ‬بالتالي‭ ‬الحكم‭ ‬الذاتي‭ ‬تحت‭ ‬السيادة‭ ‬المغربية‭ ‬بوصفه‭ ‬الإطار‭ ‬المرجعي‭ ‬للتفاوض،‭ ‬ونقل‭ ‬النقاش‭ ‬من‭ ‬مرحلة‭ ‬الاقتراح‭ ‬إلى‭ ‬مرحلة‭ ‬تفعيل‭ ‬الحكم‭ ‬الذاتي‭ ‬والتفاوض‭ ‬بشأن‭ ‬تفاصيله‭ ‬التقنية‭ ‬لتنزيله‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬الواقع‭. ‬وكما‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬الخطاب‭ ‬الملكي‭ ‬الذي‭ ‬ألقاه‭ ‬صاحب‭ ‬الجلالة‭ ‬مباشرة‭ ‬بعد‭ ‬اعتماد‭ ‬قرار‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬الدولي‭ ‬يوم‭ ‬الجمعة‭ ‬31‭ ‬أكتوبر،‭ ‬والذي‭ ‬أكد‭ ‬فيه‭ ‬أن‭ ‬القضية‭ ‬الوطنية‭ ‬الأولى‭ ‬دخلت‭ ‬“مرحلة‭ ‬الحسم‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الأممي،‭ ‬حيث‭ ‬حدد‭ ‬قرار‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬المبادئ‭ ‬والمرتكزات،‭ ‬الكفيلة‭ ‬بإيجاد‭ ‬حل‭ ‬سياسي‭ ‬نهائي‭ ‬لهذا‭ ‬النزاع،‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬حقوق‭ ‬المغرب‭ ‬المشروعة‭. ‬وفي‭ ‬سياق‭ ‬هذا‭ ‬القرار‭ ‬الأممي،‭ ‬سيقوم‭ ‬المغرب‭ ‬بتحيين‭ ‬وتفصيل‭ ‬مبادرة‭ ‬الحكم‭ ‬الذاتي،‭ ‬وسيقدمها‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة،‭ ‬لتشكل‭ ‬الأساس‭ ‬الوحيد‭ ‬للتفاوض،‭ ‬باعتبارها‭ ‬الحل‭ ‬الواقعي‭ ‬والقابل‭ ‬للتطبيق”‭.‬
وعند‭ ‬تحليل‭ ‬نظام‭ ‬الحكم‭ ‬الذاتي‭ ‬لجهة‭ ‬الصحراء‭ ‬الذي‭ ‬طرحه‭ ‬المغرب‭ ‬منذ‭ ‬البداية،‭ ‬فإنه‭ ‬يلاحظ‭ ‬استلهامه‭ ‬لمجموعة‭ ‬من‭ ‬المعايير‭ ‬المعتمدة‭ ‬في‭ ‬الممارسات‭ ‬الدولية‭ ‬الفضلى‭ ‬لتدبير‭ ‬الخلافات‭ ‬الترابية،‭ ‬وعلى‭ ‬رأسها‭ ‬مبدأ‭ ‬السيادة‭ ‬ومبدأ‭ ‬الوحدة‭ ‬ومبدأ‭ ‬الديمقراطية‭. ‬كما‭ ‬الخطوط‭ ‬العريضة‭ ‬لهذا‭ ‬النموذج‭ ‬المغربي‭ ‬عملت‭ ‬على‭ ‬الاستفادة‭ ‬من‭ ‬تجارب‭ ‬الدول‭ ‬ذات‭ ‬الممارسة‭ ‬الدستورية‭ ‬العريقة،‭ ‬والتي‭ ‬سبق‭ ‬وأن‭ ‬اختارت‭ ‬آلية‭ ‬الحكم‭ ‬الذاتي‭ ‬لحل‭ ‬مشاكل‭ ‬ذات‭ ‬الطابع‭ ‬المحلي‭ ‬والإقليمي،‭ ‬حماية‭ ‬للوحدة‭ ‬الوطنية‭ ‬بين‭ ‬المكونات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬للبلد‭ ‬الواحد‭ ‬ومراعاة‭ ‬للتمايز‭ ‬بين‭ ‬هذه‭ ‬المكونات‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الجغرافي‭ ‬والثقافي‭. ‬
وفي‭ ‬مقدمة‭ ‬التجارب‭ ‬الناجحة‭ ‬ومن‭ ‬أبرز‭ ‬الممارسات‭ ‬الدولية‭ ‬الفضلى‭ ‬والنماذج‭ ‬الرائدة‭ ‬منذ‭ ‬سنين‭ ‬فيما‭ ‬يخص‭ ‬تطبيق‭ ‬نظام‭ ‬الحكم‭ ‬الذاتي،‭ ‬نذكر‭ ‬بالخصوص‭ ‬نموذج‭ ‬الحكم‭ ‬الذاتي‭ ‬الذي‭ ‬تطبقه‭ ‬المملكة‭ ‬الإسبانية‭ ‬بمقتضى‭ ‬دستورها‭ ‬لعام‭ ‬1978،‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الأقاليم،‭ ‬كإقليم‭ ‬كاطالونيا‭ ‬وإقليم‭ ‬الباسك‭ ‬وإقليم‭ ‬نافارا‭... ‬فقد‭ ‬أرست‭ ‬المادة‭ ‬الثانية‭ ‬من‭ ‬الدستور‭ ‬الإسباني‭ ‬نوعاً‭ ‬من‭ ‬التوازن‭ ‬الذكي‭ ‬بين‭ ‬وحدة‭ ‬الأمة‭ ‬الإسبانية‭ ‬غير‭ ‬القابلة‭ ‬للتجزئة‭ ‬وبين‭ ‬الاعتراف‭ ‬وضمان‭ ‬الحق‭ ‬في‭ ‬الحكم‭ ‬الذاتي‭ ‬للقوميات‭ ‬والأقاليم‭. ‬فالدولة‭ ‬بمقتضى‭ ‬هذا‭ ‬النظام‭ ‬تتولى‭ ‬سن‭ ‬القانون‭ ‬الإطار‭ ‬أو‭ ‬القواعد‭ ‬الأساسية‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬مثل‭ ‬الصحة‭ ‬والتعليم،‭ ‬وتقوم‭ ‬الجهات‭ ‬المتمتعة‭ ‬بالحكم‭ ‬الذاتي،‭ ‬بتطوير‭ ‬هذه‭ ‬القواعد‭ ‬تشريعيًا‭ ‬وتنفيذها‭ ‬بما‭ ‬يتناسب‭ ‬مع‭ ‬خصوصياتها‭ ‬الثقافية‭ ‬والجغرافية‭.‬
وفي‭ ‬هذا‭ ‬السياق‭ ‬فإن‭ ‬ما‭ ‬يميز‭ ‬نظام‭ ‬الحكم‭ ‬الذاتي‭ ‬من‭ ‬المنظور‭ ‬المغربي‭ ‬هو‭ ‬كونه‭ ‬يستجيب‭ ‬للمبادئ‭ ‬التي‭ ‬تقوم‭ ‬عليها‭ ‬منظومة‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة،‭ ‬عبر‭ ‬الجمع‭ ‬بين‭ ‬ممارسة‭ ‬تقرير‭ ‬المصير‭ ‬واحترام‭ ‬سيادة‭ ‬الدول‭ ‬وسلامة‭ ‬أراضيها‭. ‬فنظام‭ ‬الحكم‭ ‬الذاتي‭ ‬يتسم‭ ‬بخصوصية‭ ‬مغربية‭ ‬واضحة،‭ ‬فهو‭ ‬ينسجم‭ ‬تماما‭ ‬مع‭ ‬أحكام‭ ‬دستور‭ ‬2011‭ ‬الذي‭ ‬يتبنى‭ ‬نظام‭ ‬الجهوية‭ ‬المتقدمة،‭ ‬ويراعي‭ ‬مصالح‭ ‬ساكنة‭ ‬الأقاليم‭ ‬الجنوبية،‭ ‬التي‭ ‬يضمن‭ ‬لها‭ ‬المشاركة‭ ‬السياسية‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬مؤسسات‭ ‬منتخبة‭ ‬ومسؤولة‭. ‬وفي‭ ‬ذات‭ ‬الوقت‭ ‬يوفر‭ ‬الدستور‭ ‬إطاراً‭ ‬مرناً‭ ‬وملائماً‭ ‬يمكن‭ ‬الاستناد‭ ‬عليه‭ ‬لمنح‭ ‬جهة‭ ‬الصحراء‭ ‬نظام‭ ‬حكم‭ ‬ذاتي‭ ‬يتمتع‭ ‬بصلاحيات‭ ‬أوسع‭ ‬ويراعي‭ ‬الخصوصيات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والثقافية‭ ‬لجهة‭ ‬الصحراء،‭ ‬دون‭ ‬المساس‭ ‬بالبنية‭ ‬الموحدة‭ ‬للدولة‭ ‬أو‭ ‬بالاختصاصات‭ ‬السيادية‭ ‬للملك‭ ‬والحكومة‭ ‬المركزية‭.‬
محمد البزاز، أستاذ القانون الدولي والعلاقات الدولية بجامعة مولاي اسماعيل بمكناس