الخميس 18 إبريل 2024
سياسة

محمد أحداف: على الحكومة تسريع إحداث معهد عالي لدراسات الجريمة تنزيلا لمضامين الخطاب الملكي

محمد أحداف: على الحكومة تسريع إحداث معهد عالي لدراسات الجريمة تنزيلا لمضامين الخطاب الملكي محمد أحداف
على ضوء الإحصائيات المقدمة من طرف وزير الداخلية بشأن تطور الجريمة في المغرب خلال تقديمه لمشروع الميزانية الفرعية للوزارة والتي أشار من خلالها الى أن عدد المخالفات والجرائم المسجلة خلال الثمانية أشهر الأولى من 2021 بلغت أزيد من 931 ألف قضية، أكد محمد أحداف، الخبير في علم الإجرام أن الأرقام المقدمة لا تعكس الصورة الحقيقية للجريمة في المغرب اذا تم استحضار معطى الإجرام الحقيقي، مشيرا إلى نسبة محترمة من الجرائم ترتكب فعليا ولكن لا تضمن في الإحصائيات، داعيا إلى تنزيل مضامين الخطاب الملكي لعام 2009 والداعي إلى إحداث معهد عالي لدراسات الجريمة على غرار فرنسا واسبانيا والبرتغال وكندا والولايات المتحدة الأمريكية من أجل دراسة بنية الجريمة وتحولاتها وتغير أنماطها وأماكن تمركز المجرمين، الأمر الذي من شأنه أن يمد الحكومة بالنتائج العلمية والتي على أساسها يمكن للحكومة أن تقوم ببناء سياسة جنائية قوامها الوقاية والزجر والإدماج.
 
كيف تقرأ الأرقام المصرح بها من طرف وزير الداخلية، وهل هي مؤشر عن ارتفاع الجريمة في المغرب؟
المؤشرات التي قدمها وزير الداخلية هي عمل إحصائي تقوم به كل الدول لقياس مدى تفشي الجريمة أو مدى تراجعها، ومدى نجاعة الأجهزة الأمنية في الوقاية من الجريمة وأيضا مدى نجاعة النظام العقابي في ردع مرتكبي الجرائم ومنعهم من العود من ارتكابها، ونجاح المؤسسات الإدماجية في إصلاح وتهذيب الجانح. اذا هذه المؤشرات تعتبر عمل عادي في جميع دول العالم. ما يتم تسويقه على أساس أنه الصورة الحقيقية لنسبة الجريمة في المجتمع المغربي، وأخذا بعين الاعتبار المؤشرات التي قدمها وزير الداخلية علينا أن نوضح ما يلي كي نقدم قراءة علمية حول هل بالفعل الأرقام الحسابية التي قدمت من طرف وزير الداخلية تقدم أرقاما مدققة عن واقع الجريمة في المغرب أم أنها هذه الأرقام لا تقدم صورة مدققة عن واقع الجريمة في المغرب. في علم الإجرام وفي جميع الجامعات العالمية نقوم بالتمييز علميا وأكاديميا بين مستويين من الإجرام :
الإجرام الحقيقي والإجرام الظاهر، ونعرف الإجرام الحقيقي على أساس أنه يمثل المعدل الحقيقي لعدد الجرائم التي ارتكبت فعليا داخل دولة معينة ونعرف الإجرام الظاهر على أساس أنه يمثل عدد الجرائم التي بلغت إلى علم أجهزة العدالة بمفهومها العام بما في ذلك الأجهزة الأمنية، وعلى هذا الأساس من المتفق عليه علميا أن عدد الجرائم المرتكبة لا توازي عدد الجرائم التي وصلت إلى علم العدالة الجنائية، معنى هذا أن هناك فرق بين ما نعرفه وهو ما قدمه وزير الداخلية، وبين العدد الحقيقي الذي ارتكب فعليا ولا نعرفه وهذا الرقم يطلق عليه من طرف علماء الإجرام الأمريكيين الرقم الأسود، وبعملية حسابية فالرقم الأسود يمثل الفارق بين ما يرتكب فعليا وبين ما نعرفه إحصائيا، فمن المتفق عليه أنه لا تصل كل جريمة ترتكب إلى علم العدالة الجنائية وتضمن في الإحصائيات الجنائية، هناك عدد هام من الجرائم لا يتم ضبطها إما لتستر أصحابها أو لإرتكابها في أماكن مغلقة أو بعد اتخاذ احتياطات ضرورية أو لأن الضحايا لايقومون بالتبليغ لأسباب من الأسباب، وهذا يعني أن نسبة محترمة من الجرائم ترتكب فعليا ولكن لا تضمن في الإحصائيات.
في هذا الإطار وبحثا عن تفكيك الرقم الأسود الذي أشرت إليه لماذا لا يتم تبني المقاربة التشاركية مع المنظمات المدنية، خصوصا وأن عدد من جرائم الشرف والسرقة بين الأقارب والسكر العلني، واستهلاك المخدرات والفساد..لا يتم التبليغ عنها للعدالة الجنائية ؟
لا يمكن تفكيك الرقم الأسود سواء علميا أو رياضيا فأعتى الجامعات العلمية لا يمكنها الوصول إلى الرقم الأسود، والوسيلة الوحيدة لمعرفة الرقم الأسود هو أن نضع رجل أمن وراء كل مواطن، وهذا مستحيل جدا. بعض علماء الإجرام في الولايات المتحدة الأمريكية قالوا بأنه لكي نقترب من الرقم الأسود علينا أن نقوم بعملية ضرب حاصل إحصائيات الإجرام الظاهر وهي التي يقدمها لنا الآن وزير الداخلية في معامل خمسة لكي نقترب من الرقم الحقيقي للجريمة، وعلى هذا الأساس دائما كنا ننبه لاسيما رجال السياسة لأنهم يجهلون هذه المقاربة العلمية إلى أن ما يقدم من إحصائيات بخصوص الجريمة لايعدو أن يكون قطعة الثلج التي تطفو فوق البحر، فالجزء الكبير من جبل الجليد غير معروف، لأن هناك فرق شاسع بين ما يتم ارتكابه فعليا وبين ما يتم ضبطه أمنيا وقضائيا وما يسوق على أساس أنه هو المؤشر الحقيقي للجريمة، وهذا النوع من المقاربة هي سياسوية وشعبوية أبعد منها إلى المقاربة العلمية، لأن المقاربة العلمية تقر بأن ما كل الجرائم التي ترتكب يتم ضبطها وبالتالي تضمينها في الإحصائيات وتقديمها في الإحصائيات الشهرية أو النصف السنوية أو السنوية.
في نفس السياق، أشار الوزير بأن 26 في المائة من القضايا تتعلق بالمس بالأشخاص والممتلكات، فكيف تقرأ بروز هذا النوع من الجرائم في المغرب ؟
حينما نقوم بتفكيك بنية الإحصائيات الجنائية أكيد أننا نقوم بمقاربة بنية تحولات الجريمة على مستويات عديدة، لاحظ معي أن وزير الداخلية صرح بأن 85 في المائة من الإجرام يرتكب في المدارات الحضرية وما تبقى منها يرتكب في المجال القروي، فالكثافة السكانية مرتفعة في المدار الحضري ومن الطبيعي أن تكون معدلات الجريمة مرتفعة.
من ضمن المقاربات التي نقوم بها أيضا هي تفكيك بنية التحولات اللاحقة بالجريمة، وانطلاقا من الإحصائيات الجنائية سوف نصل إلى أن جرائم الرجال أكثر من جرائم النساء، وأن جرائم الأشخاص أقل من جرائم الأموال، وهذا يعني أن غالبية الجرائم التي ترتكب في المغرب يكون سببها إما السرقة أو النصب والإحتيال أو خيانة الأمانة وغيرها من الجرائم ذات الصلة بالأموال، ومن الهام جدا أن أشير إلى أنه اذا انطلقنا من حقيقة أن هذه المؤشرات لا تعكس من الناحية العلمية الدقيقة واقع الجريمة فيتعين علينا أن نستخلص على أن هذه الاستنتاجات أيضا لا تنبني على البنية الحقيقية للجريمة الأمر الذي يجعل أن أية دراسة ذات طبيعة نسبية، وأيضا أن نقوم ببناء آليات الوقاية والزجر والإدماج بناء على هذه الإحصائيات النسبية والتقريبية، الأمر الذي يجعل الآليات المستعملة لمحاربة الجريمة في إطار السياسة الجنائية هي غير ذات فعالية مطلقة لأنها لا تنبني على الرقم الحقيقي للجريمة لمعرفة توجهاتها بدقة..
في ضوء الإحصائيات المقدمة، ماذا عن ارتفاع الجرائم التي تولد الإحساس لدى المواطنين بانعدام الأمن ؟
على مستوى الإجرام الظاهرة فهي لا تشكل سوى 21 في المائة، ولكن لو قدر لنا بطريقة ما وهو أمر مستحيل من الناحية العلمية أن نعرف العدد الحقيقي للجرائم لكانت النسبة تناهز 45 في المائة، وهذه الجرائم التي لها مساس بإحساس المواطن بالأمن تعد مؤشرا حديث نسبيا في دراسات الجريمة في إطار علم الإجرام، ويقدم لمعرفة مدى منحنيات تفشي الجريمة داخل المجتمع، وتتعلق بجرائم القتل البشعة والتمثيل بالجثت، وجرائم الإرهاب، وترويع المواطنين بالأسلحة البيضاء والسيوف في الشوارع العامة، وتعاطي المواد المخدرة، وتكسير الواقيات الزجاجية للسيارات المستوقفة في الشارع العام..وهي كلها مؤشرات تؤكد للمواطن أن هناك مستويات غير مقبولة من تفشي الجرائم وأن هناك نوع من التخاذل أو أن هناك نوع من عدم الفعالية والنجاعة في التعاطي الأمني أو تعاطي الأجهزة المقرر لها محاربة الجريمة واعتقال مرتكبيها وإحالتهم إلى العدالة، الأمر الذي يجعل المواطن خائفا أكثر من ما يجب، لأن هذه الجرائم بطبيعتها تروع الفرد كما تروع الجماعة، واحتلال هذا النوع من الجرائم نسبة 21 في المائة يعني أن المجرم تجاوز الخط الأحمر ولم يعد مكترثا لا للأجهزة الأمنية ولا لعواقب ما سيقع لمتابعته القضائية وأصبح ينحو إلى اتجاه ارتكاب الجريمة بكل أريحية لا يهم ما اذا اعتقل أم لا، وهذا مؤشر خطير، ويتعين أن نشتغل في الفترة الزمنية القادمة على تكثيف الحملات الأمنية من أجل تخفيض هذا المعدل ورفع منسوب إحساس المواطن بالآمان في ما يتعلق بهذا السلم.
ولماذا لازال المغرب بعيدا عن المعدلات العالمية في ما يتعلق بالجريمة ؟
لا يمكن أساسا من الناحية الإحصائية أن نقارن دولة بدولة، لأن هناك متغيرات، فلكي تقارن دولة يجب أن تكون العديد من المؤشرات متطابقة ( اللغة، الدين، التربية، العائلة، بنية المجتمع، بنية الأنظمة العقارية، البنية الإدارية..) فمن غير المعقول أن تقارن المغرب بأوكرانيا، ومن غير المقبول أن تقارن السنيغال بالمكسيك، فالمقاربات من الناحية العلمية هي مقاربات خاطئة وغير دقيقة وتقود الى استنتاجات متسرعة وغير دقيقة من الناحية العلمية وغير مقبولة من الأوساط العلمية على الإطلاق، حتى في ما يتعلق بالدول ذات النسيج الاجتماعي والاقتصادي والإداري والتاريخ المشترك مثل المغرب والجزائر، فإن أية مقارنة لا يمكن ان تقودنا إلا إلى استنتاجات غير دقيقة لأن هناك متغيرات لا يمكن أن تكوم مشتركة من دولة إلى أخرى مثل حالة الاقتصاد، نسبة البطالة، نسبة الشباب قياسا مع الكهول، نسبة النساء قياسا إلى الرجال، نسبة سكان العالم الحضري، قياسا مع سكان العالم القروي، وهذه المؤشرات كلها متباينة من دولة إلى أخرى، كما أن عامل الكثافة السكانية يختلف من دولة إلى أخرى، ما يجب أن ننكب عليه هو إجراء هذه المقاربات داخل المغرب بين الجهات، بين الشمال والجنوب والشرق والغرب، مابين المناطق الفلاحية والمناطق الصناعية، مابين المناطق الحضرية والمناطق القروية لكي يمكن ان نستخلص أهم الاستنتاجات العلمية، وأذكر مرة أخرى بالخطاب الملكي في عام 2009، حيث قال الملك بالحرف : " يتعين على المغرب أن يتسلح بمعهد عالي لدراسة الجريمة .." كما قال بأنه سيعهد إلى رئيس الحكومة بتنزيل هذا المشروع الملكي من أجل يتوفر المغرب على قدم المساواة مع غيره من الدول مثل اسبانيا والبرتغال وفرنسا وإيطاليا وكندا والولايات المتحدة الأمريكية على معاهد عليا لدراسات الجريمة تضم خيرة الباحثين من أجل دراسة بنية الجريمة وتحولاتها وتغير أنماطها وأماكن تمركز المجرمين من أجل أن تمد الحكومة بالنتائج العلمية والتي على أساسها يمكن للحكومة ان تقوم ببناء سياسة جنائية قوامها الوقاية والزجر والإدماج، غير ذلك فكل من نقدمه على أساس أنه سياسة جنائية تتخذ من اجل محاربة الجريمة لا تؤتي أية نتيجة، لأن العلاج لا يتطابق مع وصفات التشخيص، فدقة العلاج من دقة التشخيص والتشخيص يتعين أن يقوم به باحثون في معهد دراسات الجريمة وعلى الحكومة أن ترتب النتائج بناء على هذه الخلاصات، لذا فنحن نطالب الحكومة بتنزيل الخطاب الملكي بإحداث معهد عالي لدراسات الجريمة والذي من شأنه أن يشكل بنية علمية أكاديمية تشتغل إلى جانب الحكومة.