الخميس 18 إبريل 2024
كتاب الرأي

الحطاب : جائحة التفاهة

الحطاب : جائحة التفاهة أحمد الحطاب
حسب معجم "المعاني"، التفاهة هي نقص في الأصالة أو الإبداع أو القيمة. وجاء في نفس المعجم : "تفاهة ما بعدها من تفاهة"، أي "الحقارة و الدناءة". ووَردَ في نفس المعجم كذلك: "هُوَ رَجُلٌ تَافِهٌ"، أي "غَيْرُ مُتَّزِنٍ، قَلِيلُ العَقْلِ لاَ قِيمَةَ لأَعْمَالِهِ، حَقِيرٌ".
وهذا يعني أنه عندما نقول إن فلاناً تافه، يجب أن نُدركَ أن هناك نقصا في الذكاء و الاتِّزان و الأصالة والإبداع وفي قيمة ما يصدر عن هذا التافه من أقوال وسلوك وأعمال. إذن، التافه ليست له القدرة على تحليل الأمور والأشياء وإصدار أحكام في شأنها تتناسب مع العقل والمنطق. أحكامه تبقى سطحيةً ومُجانبةً للصواب. ولا داعيَ للقول أن التحليل الرَّصينَ والمفيد يتحتَّم على مَن يقوم به أن تكونَ له خلفية ثقافية و معرفية مهمَّة ليستوعب ما هو بصدد تحليله وبالأخص القراءة بين السطور وإدراك ما لم يتم الجهر به علانيةً. 
إنطلاقا من هذه الاعتيارت، يمكن القول بأن التفاهة هي كل ما يصدر عن شخص لا تتوفَّر فيه  المواصفات السابقة الذكر. وبما أن هذا النوعَ من الأشخاص أصبح يملأ الفضاءات العامة والخاصة، فالتفاهة أصبحت، هي الأخرى، ثقافةً قائمةَ الذات. بل قد أصبحت نظاما له رُواد يُنعِشونه ويضمنون بقاءَه واستمرارَه. كما أن له لغته ومفرداته. ولعل أكثر التفاهات انتشاراً هي تلك التي تؤثث منابرَ التواصل الاجتماعي علما أن هذه التفاهات طالت على الخصوص الثقافة والفن والسياسة. فكم هم كثيرون أولائك الذين نصَّبوا أنفسَهم مثقفين وفنانين و سياسيين والثقافة والفن والسياسة براءٌ منهم. وما زاد ويزيد في الطين بلَّةً، أن بعض هؤلاء التافهين نصَّبوا أنفسَهم نُقَّاداً لما يصدر عن المثقفين والفنانين والسياسيين الحقيقين و الأصيلين.
إنهم، أي التافهون، بجرَّة قلم جاهلٍ أو نُطق لسان متطفَّلٍ، يضربون عرضَ الحائط كل قواعد التحليل والنقد ويُطلقون العِنانَ لأهوائهم الصادرة عن أدمغةٍ تسعى إلى الشهرة من أجل الشهرة ولو على حساب الأخلاق والقِيم والأعراف. ولا غرابة أن نلاحظ أن البعض من هؤلاء التافهين وصل فعلا إلى الشهرة. لماذا؟ لأن بعض الجهات الرسمية تشجِّع التفاهة وتعبِّد الطريقَ لهؤلاء التافهين ليصلوا إلى هذه الشهرة. يكفي أن نشاهد شاشات التلفزيون ليشمئزَّ إحساسنا من التفاهات التي تُروِّج لها بعض السِّيتْكُومات والمسلسلات. ولنستمِعْ لبعض البرلمانيين وهم يتحدثون عن قضايا البلاد والعباد. لا شكل ولا مضمون. لا خلفية فكرية ولا بعد نظر. تطفُّّلٌ على السياسة وعلى الشأن العام. و لنقرأ ما يُكتب و يُنشر على صفحات مواقع التَّواصل الاجتماعي وبالأخص من طرف بعض الشباب المُمَدْرَس (لا أجرؤ على قول المثقف). فراغ فكري، أدبي و لغوي. كلام سطحي. فقدان القدرة على التحليل والنقد والإبداع. لا يقرؤون المقالات الفكرية التي تدعو للنقاش. باختصار، سواء تعلق الأمر بالفن أو الثقافة أو السياسة، طامَّة كبرى. 
وختاما، ما أريد أن أُثيرَ له الانتباهَ، هو أن التفاهةَ سريعة الانتشار لأنها تجد أرضا خصبةً تستقبلها، تُنعِشها وتضمن استمرارَها. أما الفكر والثقافة الفكرية والتَّفتُّح الفكري والفكر النقدي... عواملٌ يبدو أنها لم تعد تشغل المجتمع وقبله المدرسة.