السبت 20 إبريل 2024
كتاب الرأي

كريم مولاي: معبر الكركرات والحاجة إلى العقل والحكمة

كريم مولاي: معبر الكركرات والحاجة إلى العقل والحكمة كريم مولاي
أخطأت ميليشيات البوليساريو حين اتجهت إلى معبر الكركرات الحدودي بين المغرب وموريتانيا، وعمدت إلى إغلاقه في وجه حركة عبور الأشخاص والبضائع، لعدة أسباب: أولها إنساني بحت، إذ في الوقت الذي تتظافر فيه جهود العالم من أجل التوحد لمواجهة وباء كورونا المستجد، والعمل على تخفيف معاناة الناس وحمايتهم منه، تقوم جماعة بإغلاق الحدود في وجه عشرات العابرين تاركة إياهم في العراء في ظل ظروف إإنسانية غاية في السوء..
ثانيها، أن خلاف البوليساريو مع المغرب، الذي اضطلعت الأمم المتحدة بحله، الأصل فيه أن يظل في ميدانه بعيدا عن اتخاذ العابرين على المعبر دروعا بشرية لتنفيذ أجندة سياسية.
أما ثالث الأخطاء التي ارتكبتها ميليشيات البوليساريو، أنها قرأت التطورات الدولية بشكل معكوس، فالعالم اليوم له من الأعباء الثقيلة ما يغنيه عن إطلاق حرب جديدة في منطقة على تخوم الضفة الجنوبية للمتوسط، يمكنها أن تغرق القارة الأوروبية بمئات الآلاف من اللاجئين.
أما رابع الأخطاء وأفدحها، فهو أن تنظيم البوليساريو برمته، الذي ولد تحت أعين الزعيم الليبي المقبور قبل أن تحتضنه المخابرات الجزائرية، يظن أنه بفعله الإجرامي في حق أبرياء يقطعون آلاف الكيلومترات وراء لقمة عيش آخذة في الصعوبة يوما عن يوم، سيضيق الخناق على المغرب من جهة لدفعه إلى التنازل عن مواقفه، وأنه سيوحد الجزائريين ضد عدو خارجي هو المغرب، وبالتالي يخفف من الضغوط الشعبية المتصاعدة من أجل إنجاز انتقال ديمقراطي طال انتظاره في الجزائر.
أعتبر أن ادعاء البوليساريو، بأنها تقدم خدمة للنظام الجزائري سواء كان ذلك عن طيب خاطر، أو بتكليف من النظام الجزائري، الذي تحاصره جرائمه من كل جانب، خطيئة كبرى، لأنهم لم يقرأوا المشهد السياسي الجزائري جيدا، ولم يدركوا أن الشعب الجزائري الذي تحدى قوانين الاستبداد وتمكن من إسقاط الولاية الخامسة لبوتفليقة، وفجر صراعات الأجنحة التي انكشفت عوراتها أمام العالم جميعا، ثم تحدى وباء كورونا للتظاهر في الشوارع مطالبا بالحرية والكرامة والدولة المدنية، هذا الشعب لن يستجيب لأن يخوض حربا بالنيابة عن قوى استعمارية تسعى للعودة إلى دولنا تحت شعارات متعددة.
ما كان عاقل يتوقع أن تقدم مجموعات تدعي الدفاع عن حقوق الإنسان، أن تتحول إلى أشبه بقطاع طريق في وجه عابري سبيل، خلف كل واحد منهم قصة إنسانية مؤلمة، إذ ما الهدف من المغامرة وركوب ظهر شاحنات تحمل آلاف الأطنان من المواد الغذائية وشق آلاف الكيلومترات في ظل جائحة تهدد البشر في كل مكان، لولا حاجة أصحابها للعمل؟
العمل السياسي والتدافع فيه حق مشروع وفق كل القوانين الوضعية والسماوية، وهو حق مكفول تنظمه قوانين متعارف عليها شرط أن لا يتحول إلى جرائم تهدد حياة المدنيين.. كما أن التنافس بين الدول على الإضافة والتميز للمنجز الحضاري أمر مطلوب، بشرط أن لا يكون من أدواته إشعال الحروب وقتل الأبرياء..
كنت أعتقد أن العقود الثلاثة المنصرمة من عمر السلام القائم وفق اتفاق وقف إطلاق النار الموقع برعاية الأمم المتحدة، وما جرى في نهر العلاقات بين أطراف الأزمة من حوارات سياسية كفيل بإقناع من تبقى من عناصر البوليساريو في الصحاري والمخيمات أن يلتحق بركب السلام، ويكون شريكا حقيقيا في تنمية تحتاجها منطقتنا والعالم، لكن للأسف الشديد هناك بعض العقول المتكلسة التي تعاند عجلة التاريخ وعقارب الساعة، وتريد تأبيد خلافات خلنا أنها انتهت مع انهيار المنظومة الشيوعية..
وحسنا فعل المغرب حين تحمل مسؤولية تأمين حدوده، ومساعدة العالقين على المرور إلى اتجاهاتهم، بأدوات العقل والحكمة وتحت سمع ونظر المؤسسات الدولية التي أيدت ذلك واعتبرتها خطوة في الاتجاه الصحيح..
كريم مولاي، خبير أمني جزائري