"التروبونين" Troponine هو المؤشر البيولوجي المرجعي لاكتشاف إصابة القلب، خاصة احتشاء عضلة القلب.
في أقسام المستعجلات، وفي عيادات أمراض القلب، أو حتى خلال فحص بيولوجي روتيني، يتكرر اسم واحد كثيرًا ويثير القلق فورًا لدى المرضى: التروبونين.
رقم صغير، قد يبدو غير مهم، مثل 0,010، يظهر في نتائج التحاليل، ومعه يطرح سؤال بسيط لكنه مقلق: هل الأمر خطير؟ هل تعرّض قلبي للأذى؟
خلف هذا الرقم، تختبئ حقيقة طبية أكثر دقة مما يبدو للوهلة الأولى.
التروبونين هو بروتين يوجد طبيعيًا داخل خلايا عضلة القلب.
ولا يظهر في الدم إلا عندما تتعرض هذه الخلايا لمعاناة، بسبب نقص الأكسجين أو الإصابة أو التلف.
ولهذا السبب أصبح، مع مرور السنوات، المؤشر البيولوجي الأهم لاكتشاف إصابات القلب، وعلى رأسها احتشاء عضلة القلب.
في الغالبية العظمى من الحالات، فإن قيمة تروبونين تساوي 0,010 تُعد قيمة طبيعية.
فاليوم، تعتمد أغلب المختبرات على تحاليل فائقة الحساسية، قادرة على كشف كميات ضئيلة جدًا من هذا البروتين.
وبالنسبة لهذه التحاليل الحديثة، تُعتبر قيمة التروبونين طبيعية عندما تبقى دون العتبة التي يحددها المختبر، وغالبًا ما تكون في حدود 0,014 نانوغرام/مل بالنسبة لتروبونين T فائق الحساسية.
وعليه، فإن قيمة 0,010 تظل ضمن الحدود الطبيعية، ولا تعني لوحدها وجود معاناة في القلب.
لكن في الطب، الرقم وحده لا يكفي. الأهم هو السياق، وخاصة تطور القيمة مع الزمن.
يُشتبه في وجود إصابة قلبية عندما تتجاوز قيمة التروبونين الحد الطبيعي، وخصوصًا عندما تُظهر ارتفاعًا واضحًا بين تحليلين متتاليين أُجريا بفاصل بضع ساعات.
هذا الارتفاع التدريجي يدل على معاناة حادة في عضلة القلب، ويستوجب تدخلاً طبيًا عاجلاً.
ومن الضروري أيضًا التذكير بأن ارتفاع التروبونين لا يعني دائمًا نوبة قلبية. فهذا المؤشر قد يرتفع في حالات أخرى، أحيانًا خطيرة لكنها مختلفة عن الاحتشاء، مثل التهاب عضلة القلب، قصور القلب، اضطرابات النظم القلبي الطويلة، الانصمام الرئوي، الفشل الكلوي، الالتهابات الشديدة، أو حتى بعد مجهود بدني عنيف.
لذلك، فإن تفسير نتيجة التروبونين يجب أن يكون دائمًا مرتبطًا بأعراض المريض، وتخطيط القلب الكهربائي، وعند الحاجة، بالفحوصات التصويرية القلبية.
من هنا تبرز أهمية التعرف المبكر على علامات الإنذار القلبي.
فبعض الأعراض تستوجب استشارة طبية عاجلة دون تأخير.
أبرزها ألم صدري قوي وضاغط، يُشبه الإحساس بقبضة أو ثقل في وسط الصدر، وقد يمتد إلى الذراع اليسرى، أو الفك، أو الظهر.
لكن القلب قد يُرسل إشارات أقل وضوحًا، مثل ضيق نفس مفاجئ، تعب شديد غير معتاد، تعرّق بارد، غثيان، دوخة أو إغماء، خفقان القلب، أو شعور مفاجئ بالقلق دون سبب واضح.
عند النساء، وكبار السن، ومرضى السكري، قد تكون هذه الأعراض غير نمطية وأقل حدة.
وأمام مثل هذه الحالات، يجب إجراء تحليل التروبونين القلبي بشكل فوري، لأنه يسمح باكتشاف معاناة عضلة القلب في مرحلة مبكرة، أحيانًا قبل أن تظهر أي علامات واضحة في الفحوصات التصويرية.
وهو فحص بسيط، سريع، ومتوفّر على نطاق واسع، ويُعد اليوم أداة أساسية من أدوات الصحة العمومية، ذات فائدة صحية لا جدال فيها.
في زمن أصبحت فيه نتائج التحاليل متاحة على الإنترنت دون شرح طبي فوري، تحوّل التروبونين إلى مصدر قلق متكرر لدى الكثير من المرضى.
وفهم ما يعنيه هذا الرقم، والأهم ما لا يعنيه، أصبح ضرورة.
فالنتيجة المعزولة لا تصنع تشخيصًا، والبيولوجيا، مهما بلغت دقتها، لا تعوّض الفحص السريري ولا التقدير الطبي.
التوعية، والشرح، ووضع النتائج في سياقها الصحيح، تبقى أفضل السبل للطمأنة دون استهانة.
ففي أمراض القلب، سرعة التشخيص تنقذ الأرواح، لكن الفهم الجيد يجنّب أيضًا الكثير من المخاوف غير المبررة.
* بمساهمة الدكتورة عائشة عواد، اختصاصية أمراض القلب والدكتور عدنان الغزالي ، اختصاصي في البيولوجيا الطبية
