الخميس 28 مارس 2024
فن وثقافة

اللغة الحسانية لركيبات ويكوت تصنع الطقوس الإحتفالية بالرحامنة والحوز

اللغة الحسانية لركيبات ويكوت تصنع الطقوس الإحتفالية بالرحامنة والحوز من فنون الصحراء بالرحامنة والحوز

بتنسيق متواصل وحثيث، مع الأستاذ عبد العالي بلقايد، ومجموعة البحث التي تتكون من ثلة من الفعاليات الرحمانية داخل وخارج المغرب، تستمر سلسلة مقالاتنا التي تنشرها جريدة "أنفاس بريس" في موضوع متعدد الروافد والخصوصيات المتعلقة بالموروث الثقافي الشعبي المادي و اللامادي من خلال النبش في روابطه المجالية والحضارية والتاريخية بين الرحامنة والصحراء المغربية.

جريدة "أنفاس بريس" تستمر في التعاطي مع منسوب كتابات ثلة من أبناء عاصمة الرحامنة لتوثيق هذه الذاكرة من خلال ورقة جديدة تتمحور حول موضوع "اللغة الحسانية لركيبات ويكوت تصنع الطقوس الإحتفالية بالرحامنة والحوز".

 

الطقس الإحتفالي الذي نود مناقشه هو ما يسمى بـ "الترواح"، وما ميز هؤلاء العرب أي الركيبات وسلام النازحين إلى الحوز و الرحامنة وباقي الأقاليم المغربية الأخرى أنهم صنعوا طقوسا ضابطة لإيقاع حياتهم ليحولوها إلى ممارسات مطبوعة بطابع احتفالي.

 فقبائل الركيبات وسلام باعتبار التموقع على قمة التصنيف الإجتماعي جعلوا حياتهم مخصوصة للعلم والفروسية كتصرف يجعلهم بعيدين عن إتيان العمل اليدوي كيفما كانت طبيعته، وبذلك جعلوا حياتهم تنضبط بضوابط لطقوس احتفالية تبعدها عن الرتابة ولا تكون شاذة كذلك عن روح الشرع، باعتبار الأصل الشريف لهم. فهم أدارسة نسبا وأصلا، مما جعلهم يقيمون للقرآن عرسا باعتباره أساس كل ممارسة للشرع.

هذا العرس الذي يكون على شكل "كرنفال شعبي" يطوف كل أركان الدوار، محاط بالنسوة والأطفال ورفاق ختم القرآن ، بوجود مجموعة حمادة التي لا يمكن أن تغيب عن أي احتفال تحييه الجماعة ،باعتبار أنها ما أنشئت إلا لتكون لتحميد الذات الإلهية، والثناء على رسول الله صلى الله عليه وسلم. وحضور الطبل ضمن الآلات التي يستعملها حمادة في هذا الإحتفال له دلالته ، لأن غيابه في الإحتفالات الأخرى مرده خلوها من ضرورة الإبراز والإحاطة، أي أن احتفالات الأعراس لا تحتاج الطبل للإخبار، ولا يمكن أن تحاط بالتبجيل كما هو الشأن بعرس القرآن .

ومن ضمن الطقوس التي تعطي لحياة سكان منطقة بوشان معنى، وباقي قبائل أهل حسان بالرحامنة و حوز مراكش خاصة عند الشرفاء السباعيين ، طقس "الترواح"، وهو طقس قائم على متن شعري ليس بالقصير، تردده النساء بدون الإعتماد على الآلات الموسيقية سواء منها الإيقاعية أو النغمية أو ما شابهها. هؤلاء النسوة يؤدين هذا المقطع الشعري على شكل موال مغنى بطريقة فيها شجن وفيها إحساس رائع وجميل.

وقد انتبه الباحث عبد العزيز بن عبد الجليل إلى ظهور مقطوعات شعرية في القرن العاشر والحادي عاشر هجري ، التي ترتكز على أوزان خفيفة، وكذلك لا تحتاج إلى الحان مركبة لطبيعتها التلقائية والخفيفة، وهي ما يسميها ابن خلدون في مقدمته ميلوديات. وفي اعتقادنا أن الكثير من أغاني حمادة هي عبارة عن ميلوديات. أي مقطوعات شعرية صغيرة، ولكن مع ذلك تتوفر على لازمة التي تمنحها إمكانية الخضوع للوزن وتعطيها إمكانية انسيابها وفق مجرى سلسل يطرب الروح قبل الأذن.

مما جاء في قصيدة الترواح

" إيلا جات البيضاء وماها

وحشات الوركة بنداها

وجات تشوف خواتاتي

أو جات جنة في حياتي

و نتسنى لوليد الغايب

أولاد عمي الله يهنيكم

وما عندي ما جا فيكم

ما حد مي حية ليا

وأنج الحنبل والزربية

  وجاي لي من دوار لدوار

وتعالي يا مي عريش نوار

إيلا جا حماها إيديها

وراجل وقاد يحميها "

 

هذا جزء من قصيدة الترواح التي تتغنى بها النساء في منطقة بوشان ، وهذا دليل على التطور في إنتاج الشعر بالمنطقة من طرف النسوة ، وخاصة المتقدمات في السن وهو منتوج سيكون الرافد الفني الأساسي الذي سيعطي إمكانية لجعل الكثير من طقوسهم مطبوعة بالغناء عبر هذه الميلوديات ، التي ستكون أساس الأنس لحياة النسوة سواء أثناء طحين الحبوب التي تكون في وقت من الليل، أو أثناء بعض الأعمال التحضيرية للأعراس والتي تكون شاقة وتحتاج لما يكسر رتابة الأشغال وقساوتها أحيانا. فضلا عن الأشغال الفلاحية التي كانت تحتاج إلى هذه الميلوديات للتخفيف من مشاق ومتاعب العمل.

 لعل قصيدة "الترواح" تتوفر على صيغ كثيرة، مما يجعلنا أمام وفرة كثيرة من الإنتاج الشعري بهذه المنطقة ومنطقة الحوز، لكن هل من مبادرات لجمع هذا المنتوج، وخاصة أن "الكيفان" لمنطقة بوشان أصبح في عداد الغميس، كما الكثير من الفنون كالكدرة، والركبة، أصابها نفس المصير.

إن كانت مجموعة البحث التي تقوم بدور فعال في إماطة اللثام عن هذا التراث، فمجهودها يجب أن يعزز عبر المؤسسات ذات الصلة، وخاصة أن أكثرية هؤلاء الباحثين طلبة تعوزهم الإمكانيات، ورغم ذلك فهم مسكونون بحب هو أقوى يمدهم بالطاقة للمضي في طريق البحث. الذي لن يجف مداده أبدا مادام الوجد الوطني كائن فهم متيقظون للمضي في طريق هو اختيار، والمتقاطع مع الكثير من المبادرات المحلية، كتلك التي يقوم بها مجموعة من الباحثين، بالموازاة مع مهرجان روابط، لكن هذه المبادرة فيها ما يستحق الإهتمام، على الأقل في جرأتها لتناول موضوع ظل ضمن الغميس وهو فنون الصحراء بالرحامنة والحوز.