سوف يظل إبداع عائلة الرحابنة علامة بارزة في الموسيقى العربية والعالمية. كان الحمل ثقيلاً ومتعباً على فيروز حين غنت أول ألحان عاصي الرحباني سنة 1952 "تركت قلبي وطاوعت حبك". ورغم أنها دخلت عالم الفن سنة 1947 كمرددة في كورال إذاعة لبنان، فإنها اختارت ركوب قافلة الرحابنة في سن مبكرة. وتوالت الإبداعات التي جعلت من فيروز صوتاً متميزاً عن كثير من أصوات الشرق وخصوصاً تلك التي ظهرت في مصر قبل سنين كثيرة.
ظلت أم كلثوم تعتلي سلم الأداء الشرقي، ورحلت اسمهان الشامية بعد سيطرة كبيرة على المقامات الصعبة، إلى أن أوقفت كل مغامر للوصول إلى أداء يمزج بين الصوت الأوبيرالي والعرب الشرقية. فبين إبداع ملحن من درجة القصبجي في رائعة أم كلثوم "رق الحبيب" ورائعة اسمهان "يا طيور"، فتح هذا الملحن باب المنافسة بين أداء راقٍ وأداء أرقى. وسيظل الحكم على الأداء متروكاً لذوق وأذواق في ظل مقاييس تترك للجملة الموسيقية حرية التأثير على الحكم بالتميز.
تميزت فيروز في ظل تنافس كبير كان مضماره القاهرة. ولم تتنازل الشام عن دورها في اعتلاء منازل الرقي الموسيقي. ولا يجب أن ننسى أن مؤسس الموسيقى العربية الكبير سيد درويش، قد صدر في حقه حكم بالنفي خارج مصر. واستمر مقامه لسنوات طوال في أحضان سوريا وجبال لبنان. وطال البعد عن القاهرة حتى تفجر صوته مخلداً أغنية "زوروني كل سنة مرة، حرام تنسوني بالمرة". وحاول أن يستقبل الزعيم سعد زغلول بنشيد "بلادي بلادي"، الذي أصبح نشيد مصر الرسمي، ولكن السيد درويش رحل قبل وصول سعد زغلول إلى قاهرة المعز لدين الله الفاطمي.
ولم تكن هذه الأحداث غير ذات تأثير على ظهور إبداع الموسيقى في لبنان. وكان من مظاهر هذا الإبداع تميز مدرسة الرحابنة في مجال الموسيقى والمسرح الغنائي. وتطور الإشعاع الغنائي الذي كانت فيروز في مقدمته إلى أن أصبح نوعاً متميزاً يمزج بين الشرق والغرب لحناً وإيقاعاً وغناءً. وكان رصيد فيروز والرحابنة كبيراً وذا إشعاع كبير. تربى زياد الرحباني في الخضم الفني، ولم يسلم من تنوعه. وكذلك من علاقته مع أزمات لبنان الطائفية، ووجودها في قلب صراع حول وجود فلسطين في ظل احتلال صهيوني يدعمه غرب لغسل يديه من جرائم النازية الأوروبية على حساب شعب لم يكن ضمن مرتكبي الجرائم ضد اليهود في أوروبا.
وظل سليل الرحابنة مسكوناً بحب وطن، والتمسك بانحياز لقضايا المستضعفين. تلقى معنى حديث نبوي، قيل إنه صحيح، ومضمونه "كاد الفقر أن يكون كفراً". صاغ أغنية جميلة وبسيطة ومستفزة للعقول المتاجرة:
"أنا مش كافر..بس الجوع كافر...أنا مش كافر...بس المرض كافر...أنا مش كافر..بس الذل كافر...كلن شو بيعمل لك..إذا اجتمعوا فيي كل الأشياء الكافرين..."
ومضى زياد الرحباني يجتهد في مزج كل الإيقاعات بكل الجمل اللحنية المبتكرة والبسيطة. غنى معه عشاق موسيقاه "على هدير البوسطة"، وما تغنت به على عيون "علياء" التي فتنت راكباً حتى كاد أن يترك زوجته تتم رحلة على الحافلة إلى محطة "تنورين" بدل التوقف في المحطة التي كان يجب أن تكون نقطة وصولهما. ولا يمكن أن ينسى كل عاشق لموسيقى زياد الرحباني تلك البساطة التي تطبع ألحانه. وستظل فيروز الأم والمؤدية لألحانه تتغنى وتقول على لسانه:
"أنا صار لازم اودعكم، واحكي لكم عني. أنا كل القصة لو منكم...ما كنت بغني".
وتساءل زياد عن مصادر ثروات تجار الحرب. عبّر باستهزاء عن أولئك الذين يتباهون بعطاءاتهم للفقراء، ويؤكدون أن أموالهم مصدرها عرق جبين. ويتساءل عن حجم ثروات لدى أناس لم يتصبب منهم عرق. وسيظل زياد أكبر الفنانين الذين سخروا إبداعاتهم لمواجهة الظلم وغياب العدالة الاجتماعية والسياسية. أقدر جهود شيخ إمام وأحمد فؤاد نجم، ومارسيل خليفة، وسعيد المغربي، وأحمد قعبور، ولكن زياد الرحباني كانت له سلطة تطويع الجملة اللحنية بمهنية عالية تسكن القلوب.
ظلت أم كلثوم تعتلي سلم الأداء الشرقي، ورحلت اسمهان الشامية بعد سيطرة كبيرة على المقامات الصعبة، إلى أن أوقفت كل مغامر للوصول إلى أداء يمزج بين الصوت الأوبيرالي والعرب الشرقية. فبين إبداع ملحن من درجة القصبجي في رائعة أم كلثوم "رق الحبيب" ورائعة اسمهان "يا طيور"، فتح هذا الملحن باب المنافسة بين أداء راقٍ وأداء أرقى. وسيظل الحكم على الأداء متروكاً لذوق وأذواق في ظل مقاييس تترك للجملة الموسيقية حرية التأثير على الحكم بالتميز.
تميزت فيروز في ظل تنافس كبير كان مضماره القاهرة. ولم تتنازل الشام عن دورها في اعتلاء منازل الرقي الموسيقي. ولا يجب أن ننسى أن مؤسس الموسيقى العربية الكبير سيد درويش، قد صدر في حقه حكم بالنفي خارج مصر. واستمر مقامه لسنوات طوال في أحضان سوريا وجبال لبنان. وطال البعد عن القاهرة حتى تفجر صوته مخلداً أغنية "زوروني كل سنة مرة، حرام تنسوني بالمرة". وحاول أن يستقبل الزعيم سعد زغلول بنشيد "بلادي بلادي"، الذي أصبح نشيد مصر الرسمي، ولكن السيد درويش رحل قبل وصول سعد زغلول إلى قاهرة المعز لدين الله الفاطمي.
ولم تكن هذه الأحداث غير ذات تأثير على ظهور إبداع الموسيقى في لبنان. وكان من مظاهر هذا الإبداع تميز مدرسة الرحابنة في مجال الموسيقى والمسرح الغنائي. وتطور الإشعاع الغنائي الذي كانت فيروز في مقدمته إلى أن أصبح نوعاً متميزاً يمزج بين الشرق والغرب لحناً وإيقاعاً وغناءً. وكان رصيد فيروز والرحابنة كبيراً وذا إشعاع كبير. تربى زياد الرحباني في الخضم الفني، ولم يسلم من تنوعه. وكذلك من علاقته مع أزمات لبنان الطائفية، ووجودها في قلب صراع حول وجود فلسطين في ظل احتلال صهيوني يدعمه غرب لغسل يديه من جرائم النازية الأوروبية على حساب شعب لم يكن ضمن مرتكبي الجرائم ضد اليهود في أوروبا.
وظل سليل الرحابنة مسكوناً بحب وطن، والتمسك بانحياز لقضايا المستضعفين. تلقى معنى حديث نبوي، قيل إنه صحيح، ومضمونه "كاد الفقر أن يكون كفراً". صاغ أغنية جميلة وبسيطة ومستفزة للعقول المتاجرة:
"أنا مش كافر..بس الجوع كافر...أنا مش كافر...بس المرض كافر...أنا مش كافر..بس الذل كافر...كلن شو بيعمل لك..إذا اجتمعوا فيي كل الأشياء الكافرين..."
ومضى زياد الرحباني يجتهد في مزج كل الإيقاعات بكل الجمل اللحنية المبتكرة والبسيطة. غنى معه عشاق موسيقاه "على هدير البوسطة"، وما تغنت به على عيون "علياء" التي فتنت راكباً حتى كاد أن يترك زوجته تتم رحلة على الحافلة إلى محطة "تنورين" بدل التوقف في المحطة التي كان يجب أن تكون نقطة وصولهما. ولا يمكن أن ينسى كل عاشق لموسيقى زياد الرحباني تلك البساطة التي تطبع ألحانه. وستظل فيروز الأم والمؤدية لألحانه تتغنى وتقول على لسانه:
"أنا صار لازم اودعكم، واحكي لكم عني. أنا كل القصة لو منكم...ما كنت بغني".
وتساءل زياد عن مصادر ثروات تجار الحرب. عبّر باستهزاء عن أولئك الذين يتباهون بعطاءاتهم للفقراء، ويؤكدون أن أموالهم مصدرها عرق جبين. ويتساءل عن حجم ثروات لدى أناس لم يتصبب منهم عرق. وسيظل زياد أكبر الفنانين الذين سخروا إبداعاتهم لمواجهة الظلم وغياب العدالة الاجتماعية والسياسية. أقدر جهود شيخ إمام وأحمد فؤاد نجم، ومارسيل خليفة، وسعيد المغربي، وأحمد قعبور، ولكن زياد الرحباني كانت له سلطة تطويع الجملة اللحنية بمهنية عالية تسكن القلوب.
.png)
