Wednesday 14 May 2025
مجتمع

"بيضاوة والطواليط"..الأزمة التي عمَّقها الترخيص للمطاعم دون إنشاء مراحيض

"بيضاوة والطواليط"..الأزمة التي عمَّقها الترخيص للمطاعم دون إنشاء مراحيض

في الوقت الذي أصبحت فيه مدينة الدار البيضاء شبه "سناك" كبير لما تحتويه من آلاف المطاعم ومحلات "البوكاديوس" ودكاكين بيع "الراس المبخر" و"المقيلة" و"السكفكف" و"االحوت كواري"، يلاحظ وبشكل يثير الإستغراب والحسرة إغفال الجهات التي تمنح تراخيص فتح تلك المحلات، إنشاء مراحيض عمومية قادرة على استيعاب ما تفرغه بطون ومتانات أولئك الزبناء المفترضين. وحتى إن كانت مبادرات في هذا الاتجاه، فإنها لا تعدو أكثر من محاولات ترقيعية، ولا ترقى إلى الخصاص المهول التي تعانيه ساكنة المدينة وزوارها. وخير دليل على ذلك تلك الصور المقززة التي صارت جزءا من المشهد العام للمدينة، يؤثثها مواطنون لم يجدوا بديلا عن الالتصاق بالجدران من أجل قضاء حاجاتهم. تاركين المكان ومن يجاورونه من مارة تحت رحمة قنابل بشرية الصنع، لكن بغازات عابرة لعشرات الأمتار، و ذات قدرة عالية على تعطيل التركيز وخنق الأنفاس.

مراحيض على الهواء مباشرة

ولو أنهم امتلكوا شجاعة الكشف عن عوراتهم في الشارع العام، إلا أن الكثير منهم لم تكن لهم نفس الجرأة للإدلاء بتصريحات تخص ما ضبطوا متلبسين باقترافه. ومع ذلك كانت هناك بعض الاستثناءات التي لم يجد أصحابها حرجا في اعتبار تصرفاتهم أقل ما يمكن أن يعبروا به عن احتجاجهم ضد انعدام المراحيض العمومية، وأنسب ردة فعل عن الإهمال الذي يطالهم من قبل المسؤولين في هذا المجال. لذلك، يقول عبد الكريم، البالغ 29 سنة "نحن من يجب أن نعلن استياءنا وتذمرنا من هذا الواقع، وليس أولئك الذين يتهموننا بالإساءة إلى المنظر العام والبيئة وإلى غير ذلك من الخطابات التوجيهية التي توحي وكأننا نجهل هذه الأمور، ويريدون تعليمنا إياها. في حين إن كان من في حاجة إلى دروس التوعية، فالأكيد هؤلاء المسؤولين عن تدبير الشأن المحلي، لما برهنوا عليه من فشل في تلبية أبسط حقوق المواطن وهم يتبجحون بخدمته في وسائل الإعلام وأمام الميكروفونات".

toilettes3

مشهد لمواطن يقضي حاجته ملتصقا بالجدار والذي يكشف حجم معاناة البيضاويين

ومن جهته، لا يرى سمير، بالبالغ 40 سنة، في الموضوع أي مجال لإدانة المواطن، وإنما تحصيل حاصل لتراكمات تدبيرية سيئة، اهتمت بما هو ثانوي على حساب الأولويات، متسائلا "من يرضى لنفسه أن يعري نفسه أمام الملأ لقضاء حاجته إن لم يكن مضطرا بعد أن استنفذ كل محاولات إيجاد مرحاض عمومي على مقربة منه؟. وإذا كان هذا حال المواطن المعافى، فماذا عن المرضى وخاصة المصابين بداء السكري والقصور الكلوي الذين نعرف حاجتهم المتزايدة للتبول في ظرف وجيز؟". مضيفا بأن ما يزيد الوضع إرهاقا هو اتجاه أرباب المقاهي إلى الإجماع حول منع غير زبنائهم من استعمال مراحيض تلك الفضاءات. ولهم العذر في ذلك، يعتقد المتحدث، لكونهم ليسوا ملزمين بأداء مهام المجالس الحضرية، وتحمل تبعات الأضرار المترتبة عن الأوساخ والاستخدام السيئ لدورة المياه ككل من لدن الوافدين الغرباء.

وللنساء معاناة من نوع خاص

وكما أوضح سمير معاناة مرضى السكري والبروستات والقصور الكلوي بدرجة أكبر من هذا النقص الكبير في أعداد المراحيض العمومية، صنفت مليكة، البالغة 31 سنة، العنصر النسوي كأول المتضررين من هذا الوضع، مبرزة بأنه ومهما كانت شكوى الرجال مليئة بالمبررات وأسباب الإقناع، غير أن لاشيء يوازي المواقف المخجلة التي تتعرض لها النساء حين يجدن أنفسهن وهن حائرات بين البحث غير المجدي عن مرحاض عمومي وتفادي الإنهيار أمام إكراه تلك الحاجات البيولوجية. الأمر الذي يتيح الفرصة لانتظار كل التوقعات مع أننا نعلم جميعا طبيعة المرأة المغربية المحافظة، وحرصها الدائم على حفظ كرامتها وسمعتها، لكن حينما تفقد ذلك الحق تكون عرضة للنيل من تلك الكرامة والسمعة. وتزيد مليكة بأنه ومهما يكن ضرر الرجل، فإنه يجد المخرج أخيرا في أراضي وحيطان الخلاء، على عكس النساء اللاتي لا ينظرن إلى هذا الخيار كخلاص مناسب في ظل مجتمع يتربص أغلب ذكوره من أجل اختلاق فرص التلصص على جسد الأنثى، فبالأحرى إن خولت لهم هذه الأخيرة الفرجة من تلقاء ذاتها. فالأكيد ستجد حشودا من ضعاف النفس وقد اصطفوا في طوابير لإرضاء شهوانيتهم المعاقة. ومن غير مقدمات، أيدت كوثر، البالغة 27 سنة، ما جاء في كلام صديقتها مليكة، لتضيف كون العديد من النساء يجبرن على اختيار أماكن مستورة بين السيارات المركونة بالمواقف لتفادي نتائج أكثر وقعا على الحس الإنساني العادي "ولا يخفى على أحد المشاهد الكثيرة التي نرى من خلالها أمهات ينزعن ملابس بناتهن الصغار للتبول إما تحت شجرة أو بمحاذاة جدران، هذا إذا لم يكن قادرات على تحمل تداعيات الوقوع تحت تأثير حرج نظرات رواد المقاهي جراء طلب خدمة مراحيض هذه الفضاءات".

طواليط لكل مليون بيضاوي

وباستغراب لا يخلو من حنق، أقر عثمان، البالغ 43 سنة، بأنه وفي عاصمة المال والأعمال والفنادق الفخمة والشركات الكبرى،  صار من المسلمات أن تصادف في أي لحظة بالشارع العام شخصا يتبول دون اكتراث بالآخرين. ليقدم الجواب الكاف على نصيبه من المراحيض المتوفرة، والذي عبر عنه هذا المستخدم في شركة خاصة ب"لن أبالغ إذا قلت بأن تعداد المراحيض المتوفرة، يمكننا من أن نخلص إلى وجود مرحاض واحد لكل مليون بيضاوي، مع العلم أن وضعية هذه المراحيض جد متردية وأغلبها بناه الفرنسيون منذ أكثر من نصف قرن".

وهذا ما يفضي تلقائيا، يزيد عثمان، إلى نعاين في كل مكان رجلا يخرج عضوه التناسلي، ويبدأ "يشرشر" على جدار، أو باب متجر مغلق، أو عجلة سيارة مركونة. وفي تحديده لمسؤوليات هذا التردي الحضاري، لم يتردد نور الدين، البالغ 51 سنة، في توجيه أصابع الاتهام إلى السلطات المحلية بالدرجة الأولى "لو كانو دايرين لعباد الله الطواليطات ما كنتيش تشوف شي واحد يبول فالزنقة"، مستطردا "دابا أي واحد مثلا إيلا تزيَر فالزنقة وباغي يتبول وماحداه حتى شي طواليط، فين يمشي؟ واش للقهوة؟ وحتى القهاوي مرة يخليوك تدخل ومرة يخنزر فيك الكارصون أو يكول ليك الطواليط مسدودة. وأغلبهم دابا ولاو الفيسيات ديالهم بالفلوس، وكاين اللي سادينهم بالقفل، أو كايكولو ليك باللي هذا الفيسي ديال القهوة وخاص بالزبناء ديالها. فين غادي تمشي.. كول لي؟ شوف نكول ليك واحد الحاجة إيلا بغاو الشوارع تبقى نظيفة يديرو لعباد الله طواليطات فابور. سالينا".