Saturday 17 May 2025
سياسة

ساعيد الفرواح: الأحزاب المغربية الممثلة داخل الحكومة والبرلمان لا زالت تنظر للأمازيغية إما بعداء أو توجس

ساعيد الفرواح: الأحزاب المغربية الممثلة داخل الحكومة والبرلمان لا زالت تنظر للأمازيغية إما بعداء أو توجس

يرى ساعيد الفرواح، الرئيس المنتدب للتجمع العالمي الأمازيغي بسوس الكبير، أن أفضل نظام ديمقراطي يليق ببلدان شمال إفريقيا المتميزة بالتعدد هو ذلك المبني على منح صلاحيات واسعة للجهات، وأكد  أنه فيما يتعلق بصلاحيات الجهات وسلطة المركز سيكون مصيره الفشل.

طالب التجمع العالمي الأمازيغي خلال مؤتمره الثامن الأخير بمدينة إفران، ببلورة مبدأ الحكم الذاتي للجهات الأمازيغية في كل دول شمال إفريقيا، كرهان استراتيجي، ما هي أسس هذا المطلب؟ وهل هو رفض ضمني لمبدأ الجهوية الموسعة؟

صادق التجمع العالمي الأمازيغي منذ مؤتمره السابع في مدينة تيزنيت قبل سنتين في دجنبر 2013، على مشروع "ميثاق ثامازغا من أجل كونفدرالية ديمقراطية، واجتماعية عابرة للحدود، مبنية على الحق في الحكم الذاتي للجهات"، هذا الميثاق عبارة عن مشروع استراتيجي موجه للمكونات المدنية والسياسية وللدول والحكومات بشمال إفريقيا، وهو عبارة عن تصور بناء لكيفية تحقيق الديمقراطية الكاملة في المنطقة.

وقبل أن أتحدث عن موقفنا من الجهوية الموسعة في المغرب لا بد أن أشير إلى أن هذه الجهوية نفسها تزكي ذلك المشروع الإستراتيجي للتجمع العالمي الأمازيغي، حيث أن أفضل نظام ديمقراطي يليق ببلدان شمال إفريقيا المتميزة بالتعدد هو ذلك المبني على منح صلاحيات واسعة للجهات، والحكم الذاتي هو بدوره نوع من الجهوية والمغرب من حيث الشكل مقتنع بهذا التوجه، لكن للأسف من حيث المضمون فنحن نعتبر مشروع الجهوية الموسعة مجرد جهوية إدارية تحكمت فيها مقاربة أمنية، ونعتبر الحديث عن مشروع جهوي مغربي تمت صياغته بمعزل عن المعايير الدولية سواء فيما يتعلق بتقسيم المجال وفق معايير (ثقافية واقتصادية ....)، أو فيما يتعلق بصلاحيات الجهات وسلطة المركز وغير ذلك، لا شك سيكون مصيره الفشل،  فإذا كان الهدف هو تحقيق الديمقراطية التشاركية والتنمية الإقتصادية والثقافية واللغوية وبالتالي تقدم البلاد في مجملها، فالمغرب أخطأ الطريق، وانظروا فقط للنتائج التي أفرزتها الإنتخابات الجهوية فحتى مجرد تجديد الوجوه مع المشروع الجديد لم يتحقق فما بالنا بتجديد النخب، ناهيك عن كون سلطات الوصاية لا زالت هي المتحكمة في ظل الجهوية الجهوية، بمعنى أن المركز لا زال هو المتحكم وكل ما لدينا هو جهات إدارية جديدة.

للأسف سنصبح بعد سنوات على السياسيين المغاربة ومن ولاهم يعلنون عن قصور مشروع الجهوية ويطالبون بتعديله، كما يعلنون كل مرة عن مشاريع لإصلاح التعليم وغيره قبل أن يعودوا بعد سنوات ليعلنوا فشلها ويبشروا بمشاريع جديدة وهكذا دواليك، وسبب هذا الدوران في حلقة مفرغة هو أن السياسيين المغاربة يتجاهلون المعايير الدولية ويستحضرون مقاربات أمنية وإيديولوجية وحتى سياسوية في كل المشاريع الإستراتيجية للدولة ما يؤدي بها للفشل ويضيع على المغاربة عقودا وثروات لا يمكن تعويضها.

احتضن المغرب ثلاث محطات من مؤتمرات الكونغريس الأمازيغي، وهو يترأس الولاية الحالية، أي دور يمثله أمازيغ المغرب في هذا المؤتمر؟

يعتبر المغرب البلد الذي لا زال أغلب سكانه ناطقين بالأمازيغية، بالإضافة لكونه رائدا في النضال الثقافي الأمازيغي بشمال إفريقيا، ومرد دور المغرب بالدرجة الأولى هو ذلك الحس القومي الذي يميز الناشطين الأمازيغ المغاربة الذين ينظرون لأمازيغ تونس وليبيا والجزائر وأزواد كما لو كانوا كلهم أمازيغ مغاربة.

هذا بالإضافة طبعا لكل ما راكمه أمازيغ المغرب في مختلف المجالات (الثقافية والفكرية والفنية والنضالية...)، وكذلك ما حققوه من مكاسب على المستوى الرسمي عن طريق النضال السلمي المدني،  فالمغرب يعد قاطرة النضال الأمازيغي بشمال إفريقيا والعالم، ونتطلع كأمازيغ مغاربة بعد الربيع الديمقراطي في ليبيا وتونس لأن يلعب أمازيغ البلدين نفس الدور في العمل الأمازيغي المشترك خاصة وأن المنطقة تعيش مرحلة حاسمة، إذ في المغرب سيتم حسم أهم القوانين المرتبطة بالأمازيغية، وفي ليبيا ثمة عمل من أجل صياغة دستور ما بعد الثورة الذي تسعى عدة أطراف لإقصاء الأمازيغية منه، وفي الجزائر ثمة قمع شرس للأمازيغ من قبل النظام خاصة في منطقة المزاب، كما أن النظام الجزائري تدخل في أزواد ضد مصالح الطوارق الأمازيغ، أما في تونس فقد حسم دستور البلاد وأقصيت الأمازيغية تماما منه، كما أن بند اللغة والهوية ربط به بند يفيد بكونه غير قابل للتعديل، وبالتالي فالأمازيغية في تونس مهددة بالإنقراض، لهذا نتطلع لتقوية العمل الأمازيغي المشترك  من منظور قومي كذلك الذي يميز أمازيغ المغرب.

في هذا الإطار، تطفو على الصعيد المغاربي مسألة القبايل في الجزائر، ورغم طول نضال أمازيغ الجزائر يلاحظ أن المغرب كان سباقا لدسترة الأمازيغية، في نظرك لماذا هذا التأخر الجزائري؟

أنشأت الجزائر في منذ منتصف التسعينيات المحافظة السامية للأمازيغية وهي تماثل المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية بالمغرب الذي تأسس سنة 2001، ومنذ سنة 2002 اعترفت الجزائر بالأمازيغية كلغة وطنية بعد أحداث الربيع الأمازيغي الأسود بالقبايل، والمغرب لم يتجاوز الجزائر إلا بترسيمه للأمازيغية في سنة 2011، ولكن لا يجب أن ننسى أن الجزائر مقبلة على تعديلات دستورية وثمة احتمال كبير لأن تقوم بترسيم الأمازيغية،  ما أشرت إليه هو معطيات وانطلاقا منها نستطيع استنتاج ما إذا كانت الجزائر متأخرة أم أن ثمة مسارا متوازيا بين المغرب والجزائر، لكن بخصوص رأيي الشخصي فسواء المغرب أو الجزائر متأخرين بشكل خطير.

إن الفرق في نظري بين المغرب والجزائر هو أن الحركة الأمازيغية في الجزائر خاصة القبايل وصلت لمرحلة الصدام المباشر مع النظام في أكثر من مرة ما خلف مئات الشهداء الأمازيغ، ووتر بشكل كبير علاقة النظام بالأمازيغ ما جعل هؤلاء يرفعون سقف مطالبهم إلى درجة المطالبة بالحكم الذاتي في منطقة القبايل وكذلك في منطقة المزاب منذ بداية السنة الماضية، وفي القبايل ثمة قواعد عريضة من الأمازيغ تساند الإستقلال الذاتي للمنطقة، أما في المزاب فالنظام الجزائري وقبل أن تتوسع قاعدة حركة الحكم الذاتي قام باعتقال حوالي ثلاثين من أعضاء ومؤسسي الحركة منذ شهر يوليوز هذه السنة، وأبقاهم في السجن بلا محاكمة ووجه إليهم حوالي ثمانية عشرة تهمة ضمنها تهم خطيرة تصل إلى حد الخيانة العظمى، وإذا صدر حكم بالإدانة فقد يتراوح بين الإعدام والمؤبد.

الفرق إذا في السياسة القمعية وفي الصدام بين النظامين المغربي والجزائري، فالنظامين مختلفين والمغرب أكثر مرونة وتكيفا مع الأحداث وثمة إقرار رسمي بالحقوق واعتراف بضرورة الديمقراطية، ولكنه لا زال لم يتبلور بعد على أرض الواقع وينطبق على المغرب ما سبق وقالته إحدى المنظمات الدولية وهو أن البلاد "تشبه ورشا مفتوحا" إلى ما لا نهاية، والملك نفسه تحدث عن دوامة "إصلاح الإصلاح"، ونتمنى أن لا يتم تضييع المزيد من الوقت في الأراش المفتوحة والأعمال غير المتناهية لأنها ستلاحقنا إلى ما لا نهاية، وفي هذا الإطار يجب أن أشير إلى موضوع صياغة القانونين التنظيمين للمجلس الوطني للغات والثقافة وقانون الأمازيغية، فعدم أخذ الوقت الكافي لصياغتهما والتماطل في ذلك قد تكون النتائج المترتبة عنه هي عدم طي ملف الحقوق اللغوية والثقافية وفشل تدبير التعدد في المغرب وهو ما قد يؤدي إلى نتائج خطيرة تمس بأمن البلاد.

يعني هل تعتبر أن هناك تماطلا في صياغة القانون التنظيمي للمجلس الوطني للغات والثقافة والقانون التنظيمي للغة الأمازيغية، وهل ما تبقى من الولاية الحكومية الحالية، كاف لتنزيل هذه القوانين التنظيمية؟

للأسف طوال الأربع سنوات الماضية من عمر الحكومة الحالية تم تخييب آمالنا بشكل كافي، إذ وعلى الرغم من كون الدستور المغربي من حيث الشكل والمضمون يقتضي أن تشرع الحكومة منذ سنتها الأولى في صياغة القانونين اللذين ذكرتهما، ورغم كون صياغة القانونين تتطلب نهج مقاربة تشاركية لا يمكن لها أن تتحقق إلا بتوفير الوقت الكافي لإطارات المجتمع المدني الأمازيغي وبقية الإطارات المغربية ذات العلاقة بهما، إلا أن الحكومة والبرلمان المغربيين تجاهلا كليا مباشرة صياغة قانون المجلس الوطني للغات والثقافة وقانون الأمازيغية وضيعا أربع سنوات في نقاشات فارغة ومعارك مصطنعة حول الشأن الثقافي واللغوي، قبل أن يخرج فجأة رئيس الحكومة وعدد من المسؤولين الحزبيين بتصريحات تربط تفعيل رسمية الأمازيغية بما أسماه رئيس الحكومة ب"الجهات العليا".

ونتخوف حين نتساءل مع أنفسنا عما إذا كان رئيس الحكومة ومكونات الأغلبية والمعارضة البرلمانية استغرقا أربع سنوات فقط ليكتشفوا أن إخراج القانون التنظيمي للمجلس الوطني للغات والثقافة وقانون الأمازيغية من اختصاص جهات عليا، أم أن ثمة تعليمات وتوافق بين كل هؤلاء لتضييع الوقت لهدف لدينا تكهنات حوله، وهو بالتحديد مرتبط بجعل ولاية الحكومة الحالية تقتصر على صياغة قانون المجلس الوطني للغات والثقافة وقانون الأمازيغية، ولكن تفعيلهما سيترك للحكومة والبرلمان المقبلين، بمعنى أن تفعيل ما ورد في الدستور في هذا الموضوع قد يستغرق عشر سنوات وربما أكثر، لأن القانونين التنظيميين وخاصة قانون الأمازيغية لن يتبلور على أرض الواقع بمجرد صياغته، لكنه بدوره سيربط بقوانين عادية وقرارات للقطاعات الوزارية تتطلب بدورها وقتا ونضالا.

يعني أنكم غير متفائلين من مسار ترسيم الأمازيغية؟

نحن لم نعد متفائلين كثيرا بعدما ما شاهدناه من مناورات وغياب الجدية طوال السنوات الماضية، لكن لا يمكن أن نخفي تلقينا بإيجابية لتدخل المؤسسة الملكية في صياغة القانون التنظيمي للمجلس الوطني للغات والثقافة، ونتطلع لأن تتدخل كذلك في صياغة قانون الأمازيغية، لعدة أسباب ضمنها كون القوانين التنظيمية مكملة للدستور وبالتالي تقتضي نهج نفس المقاربة المعتمدة أثناء صياغة التعديلات الدستورية لسنة 2011، ولكون الأحزاب المغربية الممثلة داخل الحكومة والبرلمان لا زالت لم تتخلص من خطابات القومية العربية ولا زالت تنظر للأمازيغية إما بعداء أو توجس، وبالتالي فهي ليست طرفا مؤتمنا من قبل الأمازيغ، رغم أننا في التجمع العالمي الأمازيغية والحركة الأمازيغية نأمل دوما في أن تعمل الأحزاب المغربية على "مغربة" نفسها، وأن تكرس أولا قبل أي شئ آخر الاعتزاز بالوطن وبكل ما يزخر به من مقومات لغوية وثقافية.

ما أريد توضيحه ببساطة فيما يتعلق بهذا الموضوع هو أن الأمازيغ طوال ولاية الحكومة الحالية دخلوا في معركة لصياغة القانونين السالفي الذكر، ولكن تلك الصياغة نفسها إن تمت ستحتاج لمعركة أخرى لتفعيل القانونين كما ينبغي وربما نستغرق كل ولاية الحكومة المقبلة بدورها فقط في النضال من أجل تفعيل قانون الأمازيغية وقانون المجلس الوطني للغات والثقافة.