Thursday 11 December 2025
كتاب الرأي

بورقية: أدعو إلى الانخراط فـي دراسات سوسيولوجية لضمان الاستفادة من الرياضة فـي تشخيص المشكلات المجتمعية وإصلاحها

بورقية: أدعو إلى الانخراط فـي دراسات سوسيولوجية لضمان الاستفادة من الرياضة فـي تشخيص المشكلات المجتمعية وإصلاحها عبد الرحيم بورقية
إن‭ ‬انعكاسات‭ ‬تنظيم‭ ‬المغرب‭ ‬للتظاهرات‭ ‬الرياضية‭ ‬الكبرى‭ ‬له‭  ‬آثار‭ ‬اجتماعية،‭  ‬اقتصادية‭ ‬وثقافية‭. ‬
هي‭ ‬أيضا‭ ‬أداة‭ ‬تشخيصية‭ ‬للتوترات‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬الديناميكيات‭ ‬الجندرية،‭ ‬والتوزيع‭ ‬الإقليمي‭ ‬والطبقي‭. ‬

هي‭ ‬أيضا‭ ‬قفزة‭ ‬مهمة‭ ‬لتعزيز‭ ‬الشعور‭ ‬بالانتماء‭ ‬الوطني‭ ‬والهوية‭ ‬الجماعية‭ ‬لأن‭ ‬التظاهرات‭ ‬الرياضية‭ ‬الكبرى‭ ‬تخلق‭ ‬«لحظة‭ ‬وطنية»‭ ‬نادرة‭ ‬تجمع‭ ‬المغاربة‭ ‬من‭ ‬مختلف‭ ‬الطبقات‭ ‬والجهات‭ ‬والانتماءات‭ ‬السياسية‭ ‬والقبلية‭ ‬خلف‭ ‬هدف‭ ‬مشترك‭.‬

لاحظنا‭ ‬ذلك‭ ‬بوضوح‭ ‬في‭ ‬«ظاهرة‭ ‬المنتخب»‭ ‬منذ‭ ‬مونديال‭ ‬2022:‭ ‬ارتداء‭ ‬القميص‭ ‬الوطني‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مكان،‭ ‬الأعلام‭ ‬على‭ ‬السيارات‭ ‬والشرفات،‭ ‬الاحتفالات‭ ‬الشعبية‭ ‬العفوية‭ ‬في‭ ‬الشوارع‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬الأحياء‭ ‬الشعبية‭.‬
هذا‭ ‬الشعور‭ ‬يعوض‭ ‬جزئيا‭ ‬ضعف‭ ‬الانتماء‭ ‬للمؤسسات‭ ‬السياسية‭ ‬التقليدية،‭ ‬فيصبح‭ ‬المنتخب‭ ‬الوطني‭ ‬«بديلاً‭ ‬رمزياً»‭ ‬للدولة‭ ‬في‭ ‬مخيال‭ ‬الناس‭. ‬

هناك‭ ‬أيضا‭ ‬إعادة‭ ‬هيكلة‭ ‬الفضاء‭ ‬الحضري‭ ‬وإخفاء‭ ‬الفقر‭. ‬فبناء‭ ‬الملاعب‭ ‬الجديدة‭ ‬«البيضاء‭ ‬الكبير‭ ‬115‭ ‬ألف‭ ‬متفرج،‭ ‬الرباط،‭ ‬مراكش،‭ ‬أكادير،‭ ‬طنجة،‭ ‬فاس»‭ ‬يرافقه‭ ‬أحيانا‭ ‬تهجير‭ ‬سكان‭ ‬الأحياء‭ ‬الصفيحية‭ ‬و«تنظيف»‭ ‬المدن‭ ‬من‭ ‬الباعة‭ ‬الجائلين‭ ‬والمتسولين‭.‬

هكذا‭ ‬يصبح‭ ‬الهدف‭ ‬هو‭ ‬إعادة‭ ‬صياغة‭  ‬المدن‭ ‬لتظهر‭ ‬بمظهر‭ ‬«حديث»‭ ‬يليق‭ ‬بصورة‭ ‬المغرب‭ ‬الذي‭ ‬يريد‭ ‬الفيفا‭ ‬والعالم‭ ‬رؤيته‭.‬

من‭ ‬انعكاسات‭ ‬التظاهرات‭ ‬أيضا،‭ ‬ظهور‭ ‬طبقة‭ ‬وسطى‭ ‬رياضية‭ ‬جديدة‭ ‬وتغير‭ ‬أنماط‭ ‬الاستهلاك،‭ ‬انتشار‭ ‬صالات‭ ‬الرياضة،‭ ‬الجري‭ ‬في‭ ‬الكورنيش،‭ ‬شراء‭ ‬القمصان‭ ‬الأصلية‭ ‬بأثمنة‭ ‬غالية‭.‬

‭ ‬تصبح‭ ‬الرياضة‭ ‬علامة‭ ‬تمييز‭ ‬طبقي:‭ ‬الطبقة‭ ‬الوسطى‭ ‬والعليا‭ ‬الجديدة‭ ‬تُظهر‭ ‬انتماءها‭ ‬للعولمة‭ ‬والحداثة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬ممارسة‭ ‬ومتابعة‭ ‬الرياضة‭ ‬بطريقة‭ ‬«عالمية»‭.‬

على‭ ‬مستوى‭ ‬التأثيرات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬سنلاحظ‭ ‬تأثيراً‭ ‬كبيراً‭ ‬على‭ ‬المجتمع‭ ‬المغربي‭ ‬بأكمله،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬خلق‭ ‬فرص‭ ‬عمل‭ ‬مباشرة،‭ ‬وتحسين‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭ ‬(مثل‭ ‬الملاعب،‭ ‬المطارات،‭ ‬النقل،‭ ‬والمستشفيات)،‭ ‬مما‭ ‬يعزز‭ ‬جودة‭ ‬الحياة‭ ‬ويجذب‭ ‬السياحة‭ ‬والاستثمارات‭. ‬كما‭ ‬تضاعف‭ ‬من‭ ‬أهمية‭ ‬الإرث‭ ‬المستدام،‭ ‬مثل‭ ‬تطوير‭ ‬المساحات‭ ‬الرياضية‭ ‬والثقافية،‭ ‬لتعزيز‭ ‬الاندماج‭ ‬الشبابي‭ ‬ونقل‭ ‬القيم‭ ‬الإيجابية‭.‬

من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى،‭ ‬التظاهرات‭ ‬الرياضية‭ ‬أيضا‭ ‬تعزز‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬الرياضية‭  ‬كـ‭ ‬«استراتيجية‭ ‬علاقات‭ ‬عامة‭ ‬فعالة»،‭ ‬حيث‭ ‬ستغطيها‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬العالمية،‭ ‬مما‭ ‬يكرس‭ ‬صورة‭ ‬المغرب‭ ‬كوجهة‭ ‬رياضية‭ ‬موثوقة،‭ ‬ويُعزز‭ ‬الروابط‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬مع‭ ‬إسبانيا‭ ‬والبرتغال،‭ ‬ومع‭ ‬أوروبا‭ ‬وأفريقيا‭ ‬عموماً‭.

فالرياضة‭ ‬أداة‭ ‬«قوة‭ ‬ناعمة» (soft power) لتعزيز‭ ‬الهوية‭ ‬الوطنية،‭ ‬التنوع‭ ‬الثقافي،‭ ‬والوحدة‭ ‬في‭ ‬التنوع‭.‬
لكن‭ ‬أحذر‭ ‬من‭ ‬مخاطر‭ ‬الفشل‭ ‬في‭ ‬التخطيط،‭ ‬مثل‭ ‬التوترات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬أو‭ ‬عدم‭ ‬توزيع‭ ‬الفوائد‭ ‬بشكل‭ ‬عادل،‭ ‬لذا‭ ‬أدعو‭ ‬من‭ ‬الآن‭ ‬إلى‭ ‬مشاركة‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني‭ ‬والسياسات‭ ‬العامة‭ ‬المبنية‭ ‬على‭ ‬دراسات‭ ‬سوسيولوجية‭ ‬لضمان‭ ‬الاستفادة‭ ‬من‭ ‬الرياضة‭ ‬في‭ ‬تشخيص‭ ‬المشكلات‭ ‬وإصلاحها،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬الاندماج‭ ‬الشبابي‭ ‬والمساواة‭.‬
 

‬يشغل‭ ‬عبد‭ ‬الرحيم‭ ‬منصب‭ ‬أستاذ‭ ‬في‭ ‬معهد‭ ‬علوم‭ ‬الرياضة‭ ‬بجامعة‭ ‬الحسن‭ ‬الأول‭ ‬في‭ ‬سطات،‭ ‬وهو‭ ‬كذلك‭ ‬مستشار‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الإنحراف‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والسياقات‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬كونه‭ ‬كاتباً‭ ‬وصحفياً‭. ‬يرأس‭ ‬الجمعية‭ ‬المغربية‭ ‬لسوسيولوجيا‭ ‬الرياضة (MASS)‭.‬
 
 
عبد الرحيم بورقية، باحث متخصص في سوسيولوجيا الرياضة والثقافات الحضرية