Thursday 11 December 2025
رياضة

كريم صبري: الإنجازات الرياضية رافعة أساسية للقوة الناعمة المغربية

كريم صبري: الإنجازات الرياضية رافعة أساسية للقوة الناعمة المغربية كريم صبري، الأستاذ بكلية الحقوق والاقتصاد عين السبع
أوضح كريم صبري، الأستاذ بكلية الحقوق والاقتصاد عين السبع، أن الرياضة أصبحت اليوم أكثر من مجرد نشاط ترفيهي، إذ تحولت إلى رافعة حقيقية للقوة الناعمة، وإلى مجال استراتيجي يعكس صورة الدول ويعزز حضورها على الساحة الدولية. وفي هذا الإطار أكد أن المغرب نجح في توظيف إنجازاته الرياضية، وخاصة في كرة القدم، لترسيخ مكانته عربيا وقاريا وعالميا، مستفيدا من النتائج البارزة للمنتخب الوطني، وتألق الأندية، وتطور كرة القدم النسوية، فضلا عن استثمار ذكي في البنيات التحتية وتنظيم التظاهرات الكبرى.
 
 
كيف وظف المغرب إنجازاته الرياضية كقوة ناعمة؟
ما‭ ‬هي‭ ‬العوامل‭ ‬التي‭ ‬جعلت‭ ‬الرياضة،‭ ‬خاصة‭ ‬كرة‭ ‬القدم‭ ‬في‭ ‬المغرب،‭ ‬تتحول‭ ‬من‭ ‬هواية‭ ‬إلى‭ ‬أحد‭ ‬أهم‭ ‬أعمدة‭ ‬القوة‭ ‬الناعمة‭ ‬للمملكة؟
هناك‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الإنجازات‭ ‬الكبيرة‭ ‬التي‭ ‬تحققت‭ ‬مؤخرا،‭ ‬وعلى‭ ‬رأسها‭ ‬بلوغ‭ ‬نصف‭ ‬نهائي‭ ‬كأس‭ ‬العالم،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬تألق‭ ‬الأندية‭ ‬الوطنية‭ ‬في‭ ‬المنافسات‭ ‬القارية‭ ‬والعالمية‭ ‬على‭ ‬مختلف‭ ‬الأعمال‭ ‬وحتى‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الرياضة‭ ‬النسوية‭.‬
كل‭ ‬هذا‭ ‬ساهم‭ ‬في‭ ‬ترسيخ‭ ‬صورة‭ ‬المغرب‭ ‬كقوة‭ ‬كروية‭ ‬عربيا‭ ‬وقاريا‭ ‬ثم‭ ‬عالميا‭.‬
هذه‭ ‬الإنجازات‭ ‬لم‭ ‬تستقبل‭ ‬فقط‭ ‬كنجاحات‭ ‬رياضية‭ ‬بل‭ ‬كعلامة‭ ‬مسجلة،بين‭ ‬قوسين،‭ ‬على‭ ‬قدرة‭ ‬المغرب‭ ‬على‭ ‬المنافسة‭ ‬وأيضا‭ ‬على‭ ‬التميز‭ ‬في‭ ‬فضاء‭ ‬دولي‭ ‬شديد‭ ‬التنافسية‭.‬
إلى‭ ‬جانب‭ ‬ذلك‭ ‬فقد‭ ‬أحسن‭ ‬المغرب‭ ‬توظيف‭ ‬كرة‭ ‬القدم‭ ‬كأداة‭ ‬دبلوماسية‭ ‬ناعمة،‭ ‬حيث‭ ‬أن‭ ‬استقبال‭ ‬التظاهرات‭ ‬القارية‭ ‬والدواية‭ ‬وكذا‭ ‬الدعم‭ ‬المتميز‭ ‬والمستمر‭ ‬للاتحادات‭ ‬الإفريقية‭ ‬والانفتاح‭ ‬على‭ ‬دول‭ ‬الجنوب‭ ‬والشمال‭ ‬عبر‭ ‬كرة‭ ‬القدم،‭ ‬كلها‭ ‬عناصر‭ ‬جعلت‭ ‬صورة‭ ‬المغرب‭ ‬ترتبط‭ ‬في‭ ‬الأذهان‮ ‬‭ ‬بالاستقرار‭ ‬والانفتاح‭ ‬وحسن‭ ‬الاستقبال‭ ‬و‭ ‬الضيافة‭ ‬وحسن‭ ‬التنظيم‭.‬
كما‭ ‬أن‭ ‬الاستثمار‭ ‬في‭ ‬البنى‭ ‬التحتية‭ ‬الرياضية الحديثة، ‭ ‬وفي‭ ‬مقدمتها‭ ‬المراكز‭ ‬الوطنية‭ ‬والملاعب‭ ‬الكبرى،‭ ‬‮ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬منح‭ ‬بعدا‭ ‬ماديا‭ ‬لهذا‭ ‬التحول‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬أضفت‭ ‬أبعاد‭ ‬الهوية‭ ‬المغربية‭ ‬"حضور‭ ‬العائلة،‭ ‬التعلق‭ ‬بالوطن‭ ‬وجمهور‭ ‬المهجر‭ ‬الذي‭ ‬يتابع‭ ‬المنتخب‭ ‬الوطني‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬المحافل"‭ ‬‮ ‬عمقا‭ ‬رمزيا‭ ‬جعل‭ ‬الكرة‭ ‬المغربية‭ ‬أداة‭ ‬تأثير‭ ‬ناعمة‭ ‬تتجاوز‭ ‬حدود‭ ‬المستطيل‭ ‬الأخضر‭.‬
‮ ‬
ما‭ ‬المطلوب‭ ‬من‭ ‬السياسيين‭ ‬والمسؤولين‭ ‬عن‭ ‬تدبير‭ ‬الشأن‭ ‬الرياضي‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬إعداد‭ ‬سياسات‭ ‬رياضية‭ ‬ذات‭ ‬مدى‭ ‬بعيد‭ ‬لتوظيف‭ ‬إيجابي‭ ‬وأفضل‭ ‬للاستحقاقات‭ ‬الكروية‭ ‬التي‭ ‬تحتضنها‭ ‬بلادنا؟
‬المطلوب‭ ‬من‭ ‬الفاعل‭ ‬السياسي‭ ‬والمسؤول‭ ‬عن‭ ‬الشأن‭ ‬الرياضي،‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬الرياضة،‭ ‬وخصوصا‭ ‬كرة‭ ‬القدم،‭ ‬باعتبارها‭ ‬سياسة‭ ‬عمومية‭ ‬استراتيجية‭ ‬وليست‭ ‬مجرد‭ ‬مجال‭ ‬ترفيهي،‭ ‬أو‭ ‬ملف‭ ‬ظرفي‭ ‬يستحضر‭ ‬فقط‭ ‬في‭ ‬المحطات‭ ‬الانتخابية‭ ‬أو‭ ‬عند‭ ‬تحقيق‭ ‬النتائج‭.‬

‮هذا‭ ‬يتطلب‭ ‬إدماج‭ ‬الرياضة‭ ‬في‭ ‬صلب‭ ‬الرؤى‭ ‬المتوسطة‭ ‬والبعيدة‭ ‬المدى‭ ‬بالمغرب،‭ ‬وخصوصا‭ ‬ربطها‭ ‬بقضايا‭ ‬الشباب،‭ ‬وبالتنمية‭ ‬الترابية،‭ ‬والدبلوماسية‭ ‬الثقافية‭ ‬والعدالة‭ ‬المجالية‭ ‬بمعنى‭ ‬آخر‭ ‬ينبغي‮ ‬الانتقال‭ ‬من‭ ‬منطق‭ ‬"التسيير‭ ‬اليومي""‭ ‬إلى منطق‭ ‬"التخطيط‭ ‬الاستراتيجي"‭.‬

‬هذا‭ ‬التخطيط‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬قائما‭ ‬على‭ ‬أهداف‭ ‬واضحة‭ ‬وقابلة‭ ‬القياس‭ ‬مثلا‭ ‬عدد‭ ‬الممارسين،‭ ‬عدد‭ ‬الأطر‭ ‬المؤهلة،‭ ‬تطور‭ ‬ترتيب‭ ‬المنتخبات،‭ ‬حجم‭ ‬الاستثمارات‭ ‬مساهمة‭ ‬القطاع‭ ‬في‭ ‬الناتج‭ ‬الداخل‭ ‬وفي‭ ‬‮ ‬توفير‭ ‬فرص‭ ‬الشغل‭.‬

‮ ‬كما‭ ‬ينتظر‭ ‬من‭ ‬المسؤولين‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬ترسيخ‭ ‬حكامة‭ ‬جيدة‭ ‬للقطاع،‭ ‬عبر‭ ‬تقوية‭ ‬استقلالية‭ ‬الجامعات‭ ‬والعصب‭ ‬والأندية‭ ‬مع‭ ‬ربطها‭ ‬بآلية المحاسبة‭ ‬والشفافية‭ ‬ووضعها‭ ‬معايير‭ ‬واضحة‭ ‬كاختيار‭ ‬المسيرين‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬منطق‭ ‬الريع‭ ‬والزبونية‭. ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬ذلك،‭ ‬يجب‭ ‬النظر‭ ‬إلى‭ ‬الرياضة‭ ‬كصناعة‭ ‬وكاقتصاد‭ ‬قائم‭ ‬بذاته‭ ‬من‭ ‬خلال تشجيع‭ ‬الاستثمار‭ ‬الخاص،‭ ‬وتطوير‭ ‬المنظومة‭ ‬القانونية المنظمة‭ ‬لعقود‭ ‬الاحتراف‭ ‬وحقوق‭ ‬البث‭ ‬والتسويق‭ ‬الرياضي،‭ ‬وتحفيز الشراكات‭ ‬بين‭ ‬الجماعات‭ ‬الترابية و‭ ‬الأندية،‭ ‬كما‭ ‬تبرز‭ ‬أهمية‭ ‬ربط‭ ‬الرياضة‭ ‬بالمدرسة‭ ‬والجامعة‭ ‬عبر‭ ‬مسالك‭ ‬«رياضة‭ ‬-‭ ‬دراسة»‭ ‬‮ ‬وكذا‭ ‬عبر‭ ‬البطولات‭ ‬المدرسية‭ ‬والجامعية‭ ‬المنتظمة‭ ‬حتى‭ ‬تصبح‭ ‬الرياضة‭ ‬عموما‭ ‬والسياسة‭ ‬الرياضية‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬مشروع‭ ‬مجتمعي‭ ‬متكامل‭ ‬ولسيت‭ ‬مجرد‭ ‬مجهود‭ ‬معزول‭ ‬ومتقطع‭.‬
‮ ‬
كيف‭ ‬يمكن‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬مكانة‭ ‬المغرب‭ ‬كرويا‭ ‬والارتقاء‭ ‬بها‭ ‬لتبقى‭ ‬متألقة‭ ‬دوليا؟‮ ‬
الحفاظ‭ ‬والارتقاء‭ ‬بمكانة‭ ‬المغرب‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يمر‭ ‬أو
لا‭ ‬بتثبيت‭ ‬ما‭ ‬تحقق‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬اللوجيستي‭ ‬وعلى‭ ‬مستوى‭ ‬البنى‭ ‬التحتية،‭ ‬ثانيا‭ ‬يجب‭ ‬التطوير‭ ‬وفق‭ ‬رؤية‭ ‬شمولية‭.‬

‬فمن‭ ‬الضروري‭ ‬استكمال‭ ‬تأهيل‭ ‬الملاعب‭ ‬الكبرى‭ ‬وفق‭ ‬معايير‭ ‬دولية،‭ ‬ويجب‭ ‬أيضا‭ ‬ضمان‭ ‬استدامة‭ ‬استغلالها‭ ‬بعد‭ ‬نهاية‭ ‬التظاهرات‭ ‬الكبرى‭ ‬عبر‭ ‬ربطها‭ ‬بالأندية المحلية،‭ ‬وتنظيم‭ ‬تظاهرات‭ ‬رياضية‭ ‬وثقافية‭ ‬واقتصادية‭ ‬مستمرة‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬تتحول‭ ‬إلى‭ ‬بنايات‭ ‬ضخمة‭ ‬قليلة‭ ‬الاستعمال‭ ‬و‭ ‬بالموازاة‭. ‬يبقى تعميم‭ ‬مراكز‭ ‬التكوين‭ ‬الجهوية‭ ‬خطوة‭ ‬أساسية‭ ‬تسمح‭ ‬بل‭ ‬وتمكن‭ ‬من‭ ‬استكشاف‭ ‬المواهب‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬ربوع‭ ‬المملكة،‭ ‬وتمكينها‭ ‬من‭ ‬الظروف‭ ‬نفسها‭ ‬المتاحة‭ ‬في‭ ‬المراكز‭ ‬الوطنية‭ ‬الكبرى‭ ‬لكي‭ ‬نحارب‭ ‬مغرب‭ ‬السرعتين‭ ‬ولكي‭ ‬نساهم‭ ‬في‭ ‬عدالة‭ ‬مجالية‭ ‬رياضية‮ ‬‭.‬

أما‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الموارد‭ ‬البشرية‭ ‬فإن‭ ‬الارتقاء‮ ‬يتطلب‭ ‬اعتماد‭ ‬مقاربة‭ ‬احترافية‭ ‬شاملة‭ ‬تشمل‭ ‬كل‭ ‬مهن‭ ‬الرياضة،‭ ‬المدرب،‭ ‬المعد‭ ‬البدني،‭ ‬محلل‭ ‬الأداء،‭ ‬الطبيب‭ ‬الاخصائي‭ ‬والنفسي،‭ ‬المسير‭ ‬والمكلف‭ ‬بالتسويق والتواصل‭ ‬الرياضي‭.‬

وهذا‭ ‬يمر‭ ‬عبر‭ ‬إنشاء‭ ‬مسالك‭ ‬جامعية‭ ‬وتكوينية‭ ‬متخصصة‭ ‬وتطوير‭ ‬شراكات‭ ‬بين‭ ‬الجامعات‭ ‬والجامعات‭ ‬الرياضية‭ ‬والأندية‭. ‬كما‭ ‬ينبغي‭ ‬تثمين‭ ‬الكفاءات‭ ‬الوطنية‭ ‬ومنحها‭ ‬الفرصة‭ ‬لتحمل‭ ‬المسؤولية‭ ‬مع‭ ‬الانفتاح‭ ‬الذكي‭ ‬على‭ ‬الخبرات‭ ‬الأجنبية‭ ‬ذات‭ ‬القيمة‭ ‬المضافة‭ ‬الحقيقة‭.‬

ولا‭ ‬يمكن إغفال‭ ‬منظومة‭ ‬قوية‭ ‬لاكتشاف‭ ‬المواهب‭ ‬ودمجها‭ ‬مع‭ ‬المدرسة‭ ‬والجمعيات‭ ‬والأحياء‭ ‬الشعبية‭ ‬والقرى‭ ‬مع‮ ‬توفير‭ ‬ظروف‭ ‬عيش‭ ‬وممارسة‭ ‬كريمة‭ ‬للأطر‭ ‬واللاعبين‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬عقود‭ ‬احترافية‭ ‬واضحة تضمن‭ ‬حقوقهم الاجتماعية‭ ‬وتضمن‭ ‬أيضا‭ ‬نهاية‭ ‬مسارهم  الرياضي.