مع انطلاق تباشير طيبة ومفرحة لموسم الحرث برسم سنة 2025، ومع توالي سنوات الجفاف في السنوات الفارطة، وفي غياب سياسة عمومية فلاحية عادلة ومنصفة بالمجال الجغرافي بالجماعات الترابية التابعة لعمالة إقليم سيدي بنور كمنطقة فلاحية سقوية، والتي كانت تعتبر قطب الرحى في تزويد السوق المغربي بمختلف المنتوجات الغذائية النباتية والحيوانية، ـ في هذا السياق ـ سجلت جريدة "أنفاس بريس" تدمرا وقلقا بالغين في أوساط فئة الفلاحين الصغار، نتيجة عوامل متعددة، استخلصناها من جولتنا بالمنطقة. من بينها على سبيل المثال لا الحصر، تراجع عدد رؤوس الأغنام والأبقار نتيجة عشوائية تدبير قطاع إنتاج اللحوم، ينضاف إليه ضعف وغياب المراقبة الصارمة من طرف الجهات المختصة، علاوة عن الخصاص المهول على مستوى هيكلة وتنظيم تسويق بعض المنتوجات، سواء تعلق الأمر بإنتاج الحليب أو مادة السكر، دون الحديث عن إنتاج الحبوب كمحصول زراعي كان يركز عليه الفلاح من أجل مواجهة تكاليف العيش والحياة بمنطقة دكالة.
ـ وضعية فلاحية مقلقة بسيدي بنور
بخصوص الوضع المقلق الذي يعرفه القطاع الفلاحي بمنطقة دكالة عامة وسيدي بنور خاصة في الفترة الراهنة، فهو نتيجة لمجموعة من العوامل التي أثرت بطبيعة الحال على الفلاح الصغير، إلى جانب توالي سنوات الجفاف أكثر من ثماني سنوات كان لها وقع سلبي وانعكاس رهيب، على الساكنة برمتها، ومما زاد تفاقم الوضع هو السياسة الحكومية الممنهجة، التي زادت الطين بلة في وقتنا الراهن. ومن المعلوم أن ظواهر الجفاف وندرة المياه وانحباس التساقطات المطرية قد أدت حقيقة إلى مجموعة من المشاكل بالمنطقة، مقابل سياسة وزارة الفلاحة والمؤسسات الوطنية ذات الصلة بالقطاع، والتي ساهمت في تفاقم الوضع المتأزم.
ـ أساليب ري قديمة ساهمت في ندرة المياه
من المؤكد أن الفلاحة والزراعة بالمجال الترابي بسيدي بنور كانت تعتمد سابقا على طريقة نظام رَيْ "السَّقْيْ"، صاحبته مجموعة من السلبيات بفعل تراخي المؤسسات الوصية، وهو السقي المعروف بـ "الدِّيـﮜة" والذي يعتمد على الرّي بالمياه الحرّة بشكل عشوائي، حيث كانت تؤدي هذه الطريقة إلى ضياع كمية كبيرة من المياه على سطح الأرض فضلا عن عامل التبخر.
ـ هذه هي نتائج عدم تقنين أساليب الري
لقد ساهم تراخي المراقبة وعدم تطبيق الصرامة في استغلال مياه الرّي عن طريق قنوات السواقي سابقا من طرف مراكز الاستثمار الفلاحي، من حيث طريقة التعامل مع المياه بأسلوب غير مقنن، بالإضافة إلى طريقة التعامل مع التجهيزات ذات الصلة بالسقي والتي أصابها التلف والتلاشي، مما يصعب عملية إعادة مدّ منطقة دكالة بمياه ري جديدة بالطريقة المذكورة التي تعتمد على قنوات "السّواقي" فإن ذلك غير ممكن ويتطلب استثمارا ماليا ضخما.
إن فشل سياسة السقي القديمة، وفشل سياسة مخطط المغرب الأخضر بمنطقة دكالة التي لم تترك الأثر على واقع الفلاح الصغير والبسيط، على اعتبار أن مساحات الأراضي الفلاحية بدكالة صغيرة، فأغلب الفلاحة الصغار لم يستفيدوا من مشروع هذا المخطط على مستوى الأساليب التقنية الجديدة ذات الصلة بالسقي الموضعي عن طريق التنقيط.
وحسب العديد من الفلاحين بمنطقة دكالة فقد كان على الدولة أن تنهج خطة تعتمد على المحافظة على مياه السقي بمنطقة دكالة، من خلال تعميم استفادة كل الأراضي الفلاحية الصغيرة من الدعم المتعلق بطريقة السقي بالتنقيط، للرفع من إنتاج المحاصيل الزراعية، وفي نفس الوقت المحافظة على المياه بنسبة ما بين 70 و80 في المائة من المياه التي كانت تضيع أما أعين من يهمهم الأمر.
ـ حليب بطعم مرارة تكاليف الإنتاج والتسويق
أما بخصوص مشاكل تسويق المنتجات الفلاحية والزراعية، فيمكن الحديث هنا والآن عن سوق الحليب بالمغرب الذي تحتكره شركتين أو ثلاث شركات، حيث نجد في منطقة دكالة الفلاح والمنتج الصغير يعاني على مستوى تسويق منتوج الحليب، بخصوص الأثمنة البخسة التي تتراوح بين 40,4 درهم و 60,4 دراهم.
في معرض حديثنا مع بعض الفلاحين المنتجين اتضح بأن هذا السعر المجحف، لا يغطي المصاريف الباهظة التي يصرفها الفلاح الصغير من أجل الوصول إلى منتوج حليب جيد، بالنظر إلى أن بقرة واحدة تستهلك كمية وافرة من الكلأ الذي يتطلب بدوره تكاليف غالية، ترتبط بتهيئة الأرض الفلاحية وتسميدها، وتحضير البذور الغالية الثمن، وتوفير مياه السقي المكلفة جدا. كل هذه التكاليف عرفت ارتفاعا مضطردا بسبب الزيادة في سعر البذور والأسمدة بأربعة أضعاف الثمن الذي كانت عليه مدة عشر سنوات سابقة. إن المنتج والفلاح الصغير يعاني جدا من ارتفاع مصاريف إنتاج الكلأ بشكل مهول، وارتفعت أثمنة بذورها، فضلا عن غلاء الأسمدة، بالإضافة إلى غلاء الأعلاف المركبة.
ـ مطرقة ارتفاع تكاليف الإنتاج وسندان انخفاض أسعر التسويق
أما الحديث عن ارتفاع تكلفة مياه سقي حقول الكلأ، فقد تضاعفت بعد توقف صبيبها من طرف مركز الاستثمار الفلاحي، مما ضاعف سعر الطن الواحد من مياه السقي عن طريق الآبار في علاقة بتكلفة التجهيزات ـ مضحة وأنابيب والربط بشبكة الكهرباء أو استعمال الطاقة الشمسية...ـ إضافة إلى تكاليف اليد العاملة.
وبقلق وتدمر أوضح بعض الفلاحين بأن ارتفاع أثمنة هذه المواد الأولية المُزوِّدَة لإنتاج حليب الأبقار بمنطقة دكالة بثلاثة أضعاف أسعارها السابقة، لا يمكن أن يغطي تكلفة إنتاج الحليب بالنظر لأثمنة بيع الحليب للشركات المحتكرة لهذه المادة الحيوية، رغم الارتفاع النسبي في نفس المادة الذي يؤدي بطبيعة الحال إلى اختلال في التوازن بين مصاريف الإنتاج وأسعار تسويق. مما يؤكد أن هذه العوامل كلها أدت إلى تدمر فئة الفلاحين المنتجين الصغار بمنطقة دكالة، في مجال إنتاج الحليب.
ـ إنتاج السكر ميدان محتكر من طرف كبار افلاحين بدكالة
بالنسبة لإنتاج الشمندر، فقد نهج معمل السُّكر سياسة الإنتاج والتسويق بالاعتماد على التعامل مع فئة الفلاحين الكبار، الذين يتوفرون على مساحات أراضي فلاحية شاسعة، كركيزة إنتاج ضخمة، حيث أن الفلاح الصغير الذي يملك أرض فلاحية صغيرة لم يستفد كثيرا، بالنظر إلى إنتاجه القليل لمادة الشمندر. ومن العلوم أن ثمن قالب السكر الصافي كان يباع في السنوات السابقة بسعر 8 درهم، وقد وصل اليوم إلى الضعف أي بثمن 12 درهما، في حين أن السكر الخام كان يبيعه الفلاح سابقا بسعر 30 سم، أما اليوم فقد وصل ما بين 50 و 60 سم، مما يوضح أن نفس المعضلة التي يعاني منها الفلاح الصغير على مستوى إنتاج وتسويق الحليب يتعرض لها على مستوى إنتاج وتسويق مادة السكر.
ـ في الحاجة إلى ضبط تسعيرة الحبوب وحماية الفلاح الصغير
بالنسبة لثالث إنتاج، الذي كان ركيزة أساسية في تعويض الفلاح الصغير عن كل إكراهات تكاليف الفلاحة والزراعة والتسويق، وتضميم جراح أعماله الشاقة والصعبة طيلة السنة حيث يتعلق الأمر بزراعة وإنتاج الحبوب بمنطقة دكالة، فبدوره غارق في العشوائية بفعل عدم تقنين الأسعار في سوق الحبوب من طرف المضاربين والمحتكرين، بالإضافة إلى عامل إستيراد مجموعة من أنواع الحبوب من الخارج، علاوة عن أثمنتها الخيالية التي ساهمت في تدمر وقلق الفلاح الصغير، التي جعلته يتلقى ضربات موجعة بين المطرقة والسندان.
وأكد أحد الفلاحين بالمنطقة، أنه حين يكون المحصول الزراعي جيد وبمستويات عالية، يصدم الفلاح الصغير والبسيط بأثمنة التسويق البخسة في سوق الحبوب المحلية التي يسيطر عليها المضاربين والمحتكرين والوسطاء، على اعتبار أن الجهات المسؤولة بالقطاع الفلاحي لا تعمل على تأمين وضبط ثمن الكلغ الواحد لكل أصناف وأنواع الحبوب، بالإضافة إلى إغراق السوق بالحبوب المستوردة، وبالتالي يبقى الفلاح الدكالي معرض لمجموعة من الظواهر والعوامل التي تؤثر عليه.
ـ في انتظار تشجيع مبادرة إنتاج الخضروات بدكالة
من جهة أخرى اتجه الفلاح الدكالي مؤخرا إلى محاولة إنتاج الخضروات ولكن التجارب مازالت محصورة في عدد قليل من الفلاحين مع انعدام التجربة في المجال، وضعف التأطير من لدن الجهات المعنية.
ـ الحصيلة...إنتاج عدة ظواهر سلبية
الحصيلة أن هناك عدة مشاكل أدت إلى مجموعة من الظواهر السلبية التي تمس بالاقتصاد الفلاحي المحلي بسيدي بنور خاصة وبدكالة عامة، من بينها:
ـ هجرة الشباب من القرى نحو المدن
ظاهرة الهجرة نحو المدن، بوثيرة جد رهيبة، بحيث أن جحافل من الشباب فروا من البوادي للبحث عن فرصة عمل وضمان لقمة العيش لأسرهم، بنسبة تشكل ما بين 70 و 80 في المائة، والدليل أن اليد العاملة في قطاع الإنتاج الفلاحي بسيدي بنور لم تعد بالعدد الكافي كما هو في السابق. حسب تصريحات العديد من الفلاحين الذين أكدوا أنه خلال السنوات السابقة، كانت اليد العاملة في القطاع الفلاحي بسيدي بنور جد متوفرة بحكم توفر مياه السّقي، وانتظام التساقطات المطرية، وكانت أثمنة تسويق المنتجات الفلاحية والزراعية متوازنة، وتشكل اكتفاء ذاتيا للجميع، بالمقابل كان الدخل الفردي يشجع على الاستقرار والرواج الاقتصادي متوازن وفعال. لكن للأسف المنطقة أصابها الركوض بفعل توالي سنوات الجفاف، وندرة مياه السقي، وفشل مخطط المغرب الأخضر، دون الحديث عن السياسات المتعثرة في ميدان الفلاحة بدكالة، والتي كانت لها مخلفات رهيبة من بينها:
ـ هجرة الشباب من القرى نحو المدن، بحيث أن أغلبية الدواوير تعرف تسونامي الهجرة، مما أدى إلى قلة اليد العاملة في القطاع وارتفاع ثمنها، علما أن اليد العاملة المؤهلة مفقودة اليوم بمنطقة سيدي بنور.
ـ تدهور الوضع الاقتصادي المحلي لدى الأسر الدكالية التي أصبحت تعيش الهشاشة.
ـ خلل رهيب في قطاع تربية المواشي وخصوصا على مستوى رؤوس الأغنام، في ظل غياب تقنين عملية الذبح داخل المجازر وخصوصا بالأسواق الأسبوعية بالنسبة لإناث الأغنام، ولم يتم المحافظة على مشتل نسل القطيع، ونفس الوضعية يعرفها قطاع تربية الأبقار، والدليل ارتفاع ثمن بيع اللحوم الحمراء.