Tuesday 28 October 2025
Advertisement
سياسة

مصطفى الحيسوني: إيطاليا بين ازدواجية الموقف ونفاق الدبلوماسية.. الصحراء المغربية ليست ورقة للمساومة

مصطفى الحيسوني: إيطاليا بين ازدواجية الموقف ونفاق الدبلوماسية.. الصحراء المغربية ليست ورقة للمساومة رئيسة حكومة إيطاليا جورجا ملوني
في الوقت الذي تشهد فيه العلاقات المغربية الأوروبية تحولاتٍ دقيقة، تظهر إيطاليا من جديد كلاعبٍ يسعى إلى تحقيق توازنٍ هشّ بين مصالحها الطاقية في الجزائر، وشراكتها الاقتصادية والسياسية المتنامية مع المغرب.
 
لكن المتتبع بتمعّن يلاحظ أن ما تُقدّمه إيطاليا في مشهد الصحراء المغربية لا يتعدّى الخطاب المزدوج والنفاق الدبلوماسي المبطّن.
 
من جهة، تحضر شخصيات سياسية إيطالية، محسوبة على أحزاب الوسط؛ لا يسار ولا يمين، بعدما كان صديقي ورفيقي في الحزب الديمقراطي طوزاطوا Tosato، بجانب رئيس الوزراء الأسبق رينسي، Renzi والذي أسس حزبا يسمى إيطاليا الحية Italia Viva, ثم انشق عنهEttore Rosato الذي التحق بحزب Azione الذي يرأسه وزير الصناعة السابق، والمعروف أيضًا بشكل غير رسمي باسم القطب الثالث، كانت قائمة انتخابية إيطالية وتحالفًا سياسيًا ذا ميول ليبرالية تم تشكيله في 11 غشت 2022 استعدادًا للانتخابات العامة لعام 2022 واستمر حتى 20 نوفمبر 2023.
 
اليوم، Ettore Rosato يترأس وفد أو لجنة برلمانية تلتقي مع وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، لتعلن في اللحظة الأخيرة دعمها لـ"القضية الوطنية" ولمغربية الصحراء، في خطوةٍ توحي وكأن روما تُعيد رسم بوصلتها نحو الرباط. غير أن هذه المبادرات، مهما ارتدت من طابعٍ وديّ، تبقى محاولات رمزية أكثر منها مواقف سياسية مؤسِّسة، لأن إيطاليا الرسمية لا تزال تتعامل مع هذا الملف بسياسة الحياد الغامض والبراغماتية المتقلّبة.
 
الحقيقة أن إيطاليا ما تزال أسيرة حاجتها إلى الغاز الجزائري، وهو ما جعلها منذ أزمة الطاقة الأوروبية تسعى إلى تمتين علاقاتها مع الجزائر، ولو على حساب التوازن الدبلوماسي في المنطقة المغاربية. من هنا، تحاول روما أن تُمسك العصا من الوسط: تُغازل المغرب ببيانات المجاملة، وتُرضي الجزائر بعقود الغاز. لكن السؤال الذي يطرح نفسه: إلى متى يمكن لهذه السياسة أن تصمد دون أن تفقد مصداقيتها أمام الطرفين؟
 
من الواضح أن النواب في البرلمان الإيطالي، (Azione) ممن يحاولون الظهور بمظهر الداعمين للمغرب، لا يمثلون الموقف الرسمي الإيطالي، لأن السياسة الخارجية لا تُرسم في البرلمان بل في أروقة وزارة الخارجية ومجلس الوزراء. أما التصريحات الحزبية، فغالبًا ما تكون استعراضًا إعلاميًا أو مناورة انتخابية، لا تعكس بالضرورة توجه الدولة الحقيقي.
 
ما يغيب عن صُنّاع القرار في روما أن المغرب ليس دولةً يمكن استرضاؤها بالتصريحات، ولا خداعها بالرمزية الفارغة. فهو اليوم فاعل إقليمي مؤثر، وصاحب رؤية استراتيجية في القارة الإفريقية، وموقفه من القضايا السيادية حاسم لا يقبل المساومة. مغربية الصحراء ليست ورقة تفاوضية تُستخدم لتزيين الخطابات أو لشراء الودّ المؤقت، بل هي حقيقة تاريخية راسخة ومبدأ وطني غير قابل للنقاش.
 
أما إيطاليا، فإن استمرارها في سياسة "النصف موقف" سيضعها عاجلًا أم آجلًا أمام معادلة صعبة: إما أن تتعامل بندّيةٍ ووضوح مع المغرب، وإما أن تبقى تدور في فلك المصالح الضيقة التي لا تُنجب إلا التناقض والضبابية.
 
إن المغرب لا ينتظر من روما مجاملاتٍ لفظية، بل وضوحًا في الموقف، وانسجامًا مع المنطق الذي بدأت به دول أوروبية كبرى حين أدركت أن مستقبل الاستقرار في المنطقة لا يمكن أن يُبنى على مواقف رمادية.
 
في النهاية، سيظلّ المغرب وفيًّا لمبادئه وشراكاته القائمة على الاحترام المتبادل والمصداقية، بينما يبقى على إيطاليا أن تختار بين أن تكون شريكًا استراتيجيًا حقيقيًا، أو أن تبقى عالقة في منطقة رمادية لا ترضي أحدًا.
إن العلاقات المغربية الإيطالية تجاوزت منذ سنواتٍ منطق المجاملة إلى مستوى التعاون الاقتصادي والاستراتيجي المتبادل، حيث تُعدّ إيطاليا أحد الشركاء الأوروبيين الأساسيين للمغرب في مجالات الاستثمار، الصناعة، والهجرة المنظّمة. غير أن استمرار الغموض السياسي في الموقف الإيطالي من قضية الصحراء المغربية قد يُعرقل هذا الزخم ويضع روما في موقعٍ متأرجح داخل الاتحاد الأوروبي، خاصة بعد أن حسمت دول كإسبانيا وألمانيا مواقفها بشكل واضح لصالح الوحدة الترابية للمملكة.
 
ومن منظورٍ استراتيجي، فإن مصلحة إيطاليا الحقيقية تكمن في تبنّي موقفٍ واضح ومتوازن يدعم الاستقرار في المنطقة المغاربية عبر تعزيز الشراكة مع المغرب، لا في الارتهان لصفقات الغاز الظرفية مع الجزائر.
 
فالمغرب، بما يملكه من موقعٍ جيوستراتيجي واستقرارٍ سياسي ومؤسساتي، يبقى الشريك الأكثر موثوقية على المدى الطويل.
 
إن المرحلة القادمة تتطلب من إيطاليا تحرّكًا دبلوماسيًا أكثر شجاعة وواقعية، لأن زمن الخطاب المزدوج انتهى، والعلاقات الدولية اليوم لا تبنى على المجاملات، بل على وضوح المواقف وتكامل المصالح.
 
 
مصطفى الحيسوني/ مغربي دكتور في العلوم القانونية بإيطاليا، وعضو بالحزب الديمقراطي الإيطالي