Friday 3 October 2025
كتاب الرأي

أحمد الحطاب: السيرك الرقمي

أحمد الحطاب: السيرك الرقمي أحمد الحطاب
بادئَ ذي بدء، السيرك الرَّقمي بالفرنسية، هو le cirque numérique. وفضلاً عن المعنى المعروف، لكلمة سيرك، بالفرنسية، معنى آخر يدل على مكانٍ يسود فيه نوعٌ من الفوضى un certain désordre والهرج le tumulte. فعندما عنونتُ هذه المقالة بالسيرك الرقمي، ما أقصده، هو أن مواقع التَّواصل الاجتماعي أصبحت عبارة عن مكان تسود فيه فوضى عارِمة où règne un grand désordre. 
 
فهذا يسبُّ ويشتم. وهذا يخدش الحياءَ. وهذا يجرح كرامةََ الناس. وهذا يُشهِّر بهم. وهذا ينشر أحاديث نبوية تتناقض مع القرآن ولا يقبلها العقل. وهذا ينشر التفاهة. وذاك يردُّ عليه بنشر تفاهةٍ أتفَه منها. أما الفيديوهات، فحدِّث ةلاحرج. وبفضل الذكاء الاصطناعي l'intelligence artificielle، لم نعد نفرِّق بين ما هو واقعي réel وبين ما هو افتراضي virtuel .
 
والطامة الكبرى هي أن هذا السيرك الفوضوي، عوض أن يواجهَه سيركُ مُضاد، فكرياً واجتماعياً، فإنه يجد مَن  يُساعِده على الانتشار من حيث الفوضى والتَّفاهة والرَّداءة والقُبح وعدم احترام الغير. إلى أن أصبحت التفاهة والرداءة والسُّخرية من الغير ثقافةً مُترسِّخة في الأذهان. وعندما تترسَّخ هذه الثقافة في الأذهان، تصبح هي الخيط النَّاظِم le fil conducteur لسلوكات وتصرُّفات المنخرطين في السيرك الرقمي، وما أكثرهم.
وعندما يصبح السيرك الرقمي هو الخيط النَّاظم لسلوكات وتصرُّفات المنخرطين فيه، قد يُفرز هذا الخيط النَّاظمُ نوعا من الإدمان  la dépendance أو l'addiction وخصوصا أن هذا الإدمان، غالباً ما يكون مَقروناً بربح المال. وربح المال يُعمِي البصيرة ويُفقِد صاحبَه صوابَه وتضيع منه كل القيم الإنسانية والأخلاقية.
 
وخطورة السيرك الرقمي تكمن في نشرِ أخبار زائفة لها علاقة بشخصيات اجتماعية وسياسية مرموقة، سرعان ما تُصدِّقها العقول الصغير المحدودة الآفاق الفكرية. بل إنها تُعيد نشرِها دون أن تتحقَّق من صحتها،  فتنتشر كانتشار النار في الهشِيم.
 
وأكبر خطورة السيرك الرقمي، من الناحية الاجتماعية، هو أنه ينصب فِخاخاً des pièges للأطفال غير البالغين. وإذا لم يكن هؤلاء الأطفال مًراقبين من طرف أسرِهم، فإنهم يصبحون من ضحايا السيرك الرقمي. وأخطر سقوطٍ في الفخاخ المنصوبة من طرف عديمي الضمائر  للأطفال، هي إدلاءُ هؤلاء الأطفال بمعلومات عن حياتِهم الشخصية، التي يستغلها ناصِبو الفِخاخ أبشع استغلال. حينها، يُصبح الأطفالُ وأسرُهم موضوعَ ابتزاز chantage لا حصرَ له.
 
وفي الختام، السيرك الرَّقمي أصبح نوعاً من المجتمع يتحرَّك وينشط داخل المجتمع. فإذا كان دورُ هذا الأخير، هو السَّعيُ لنشر الخير، فدورُ مجتمع السيرك الرقمي، هو نشر الشرور والسُّموم واستغلالها استغلالاً بَشِعاً لربح المال. وهذا لا يعني أنه لا يوجد في المجتمع مَن يستعمل شبكات التواصل الاجتماعي ، استعمالات جيدا. لا ثم لا! هذا النوع من المُستعملين موجود. لكنه لا يظهر أمام العدد الهائل من المنخرطين في السيرك الرقمي. وخصوصا أن شبكات مثل التيكتوك TikToc وانستاغرام Instagram سهلة الاستعمال، ومع ظهور الذكاء الاصطناعي، أصبحنا لا نفرٍِق بين الواقع الملموس والواقع الافتراضي. وهذا يعني أنه، كلما سعى العقل البشري لإنتاج وسائلَ جديدة للتواصل بين الناس لأغراض أخلاقية سامية، كلما كان المنخرطون في السيرك الرقمي، لهذا السعي بالمرصاد. فيُحوٍّلونه من مسعى راقي وسامي أخلاقياً واجتماعياً، إلى مسعى شِرِّير ينقل الحِقدَ la malveillance والكراهية la haine.