Friday 3 October 2025
مجتمع

حميد لغشاوي : مطالب جيل Z لخصها الملك في خطاب العرش الأخير ولابد من مراجعة الخيارات الحكومية

حميد لغشاوي : مطالب جيل Z لخصها الملك في خطاب العرش الأخير ولابد من مراجعة الخيارات الحكومية الباحث السوسيولوجي حميد لغشاوي
يرى حميد لغشاوي، باحث في علم الاجتماع أن جيلZ يحتاج إلى الحلول السريعة وتقييم حقيقي حول التعليم والصحة ومحاربة الفساد، لأنه لا يطيق الانتظار، ولا يوجد في قاموسه، وينظر إلى العالم من زاوية السرعة والتغير، داعيا المسؤولين الى مراجعة خياراتهم ونقد مسارها باستمرار، وكشف التناقضات التي سقطت فيها وهي التي لخصها الملك في خطاب العرش الأخير: "فلا مكان لمغرب يسير بسرعتين"، مشيرا بأن مطالب جيل Z واضحة وليست جديدة وهي: الصحة والتعليم ومحاربة الفساد، وهي مطالب اجتماعية حقيقية، لا يمكن إنكارها وتقر  بها حتى الحكومة
وتفرض نفسها بقوة إلزام شامل لا يقبل النقاش.
 
كيف تقرأ أحداث العنف التي صاحبت احتجاجات جيلZ في إنزكان ووجدة ؟
استقراء ما وقع في المدينتين، ومدن أخرى، عملية صعبة كما تعلمون، وإعادة تركيب ما وقع في الأيام الأربع الأخيرة من الاحتجاجات، فيه نوع من المجازفة، أي السقوط في مأزق الأحكام الجاهزة والإسقاطات العفوية. لذلك لابد من التحلي ببعض من الموضوعية.
 
المسألة الأولى التي تشد الانتباه، إذا انطلقنا مما نقلته الصور والفيديوهات والأخبار، وما يروج في الوسائط الافتراضية هي أن هناك احتجاجات نوعية عرفتها شوارع المدن المغربية بلغت حدتها في إنزكان ووجدة. ويقودها محتجون بتخيل جماهيري معيّر ، أقصد جيلZ الصيغة المغربية (212+)، انطلق من الافتراض (ومعه وعي رفاق افتراضيين)، إلى شوارع المدن، وهو ما يشكل موضوعا مثيرا للجدية .
 
في عرف علم الاجتماع تعتبر الاحتجاجات ظاهرة اجتماعية وليدة ظروف عصرها، مؤثرة ومتأثرة، تتشكل في الفترات التي تعاني المجتمعات من أزمة " ، وأزمة جيلZ واضحة وعامة وليست جديدة وهي: الصحة والتعليم والفساد، وهي مطالب اجتماعية حقيقية، لا يمكن إنكارها وتقر بها حتى الحكومة، وتسمى في السوسيولوجيا ب"الحقائق الاجتماعية" التي وصفها "إميل دوركايم" "بأنها تفرض نفسها بقوة إلزام شامل لا يقبل النقاش". ولذلك حظيت هذه الاحتجاجات بتعاطف كبير من جميع الشرائح المغربية المتضررة.
 
رافق هذا الاحتجاج عنفا وتخريبا لبعض ممتلكات العامة والخاصة، يعني أن فعل الاحتجاج تقوّى خارج المسموح به. (نحسن الظن ونقول قد يكون ما يقع مجرد انفلاتات نتاج لاحتكاك؛ الفعل ورد الفعل) وهو أمر طبيعي في كل الاحتجاجات العالمية. لا يوجد فعل احتجاجي مرفوق بالغضب بدون خسائر، إلا أن غير الطبيعي هو أن تزداد قوته ويصبح سمة بارزة في الاحتجاج، أو تكون وراءه أجندات خفية، تسعى إلى الركوب على هذا الحراك وتحيده عن سكته، لتحقيق مآربها الخاصة.
 
ما هي الأسباب في نظرك؟
هي أسباب عديدة ومركبة، تهم النسق الذي يشكل جيلZ ويبني وعيه: كيف ينتظمون؟ كيف يتواصلون؟ وما هي الغايات التي يسعون إلى تحقيقها؟ وماذا تعني هذه العودة إلى الاحتجاج المختلف والمعيّر؟
 
ويمكن نظر إلى هذه الإشكالات من زاويتين:
 
الزاوية الأولى: العينة والمكان والزمان: جيل Z عينة من الشباب، ولدت وترعرعت مع التكنولوجيا، إنه جيل الهواتف النقالة والسوشل ميديا (Digital natives)، ويعلن أنه قادم جديد إلى المضمار الاجتماعي، و معزز بشريا وتكنولوجيا ( 326 في المئة). إنه يأتي من إطار مغلق يسمى "التجمعات الافتراضية الغاضبة" المتشابهة وتتبع رموزا مشتركة، وتعتبر التكنولوجيا المعين الجيد الذي يقود أحلامه، ومنها يولد الاحتجاج ويتطور خطابا، وينتقل إلى الشوارع، وينتهي التقييم بها. ومنبع سخطه "جمهرة من الصعاليك" المؤثرين والفنانين (فناني الراب على الخصوص) والسياسيين المعارضين، ويصعب تسييسه، لأنه لا يعترف لا بالسياسة ولا بنقابة، يرفض أن يكون فقيرا ولا يقبل السلطة ولايطيق الانتظار. طموحاته وأحلامه كثيرة وقوته معززة. في المقابل يرى نفسه بلا هدف ولا أمل فيه، ما دام يعاني البطالة والفقر. إنه جيل المتناقضات تجده في المسارح يغني مع "طوطو" ويعيّر بجيل الضباع، في المقابل، يعيّر بالجيل الحذق الذي يرفض الخنوع للظروف الاجتماعية القاتلة حين يحتج.
 
الزاوية الثانية: النسق الجامع لجيلZ: نسق كَسَّرَ البنية الاجتماعية والمرجعيات الكبرى، وتلقّى تعليما تقليديا لا يلائم واقعه المركب من واقع يراه مريرا وافتراض يرسم له أحلاما وردية تتجاوز المنطق والمعقول، ويتأسس على العفوية والانفعالية والحماس الزائد.
 
يعاني نسق جيل Z من الويلات الاجتماعية الموروثة (الفقر والبطالة)، وضغط نفسي ولدته أحلام الرقمنة، ومغرياتها الساحرة، وزاد من حدتها الفساد المستشري في بنية المجتمع ، ويرى نفسه مظلوما ومقموعا وضحية، يضاف إلى ذلك ارتفاع تكلفة الحياة، بالمقارنة مع إغراءات اللذة، لذلك فهو ثائر في ذهنيته، ومنطقه في الحياة: أكون أو لا أكون، ولايخشى التهديد والسجن ومواجهة عواقبه الوخيمة. إنه يتخذ المواقف في الآن ويتنازل عليها في لحظة. إنه جيل مرهون باللحظة المتجددة على الدوام، وتخومه اللاشعورية سالبة.
 
إن النسق الذي كسر بنيات المجتمع ومرجعياته الكبرى يكون مهلهلا، ومعرّضا للاختلال واللاتوازن والاستغلال، ولن يكون في منأى عن النواميس الفاسدة الدخيلة والغريبة، والأجندات التخريبية، داخلية كانت أو خارجية، التي تسعى إلى زعزعة النظام العام الاجتماعي، بالرغم من أن مطالبهم واقعية، واحتجاجاتهم كانت منتظرة.
 
كيف يمكن احتواء الوضع علما أن عدد أعضاء الحركة استنكروا ما وقع مشيرين بأنه يسيء لمطالبهم المشروعة؟
من المفيد في هذه المرحلة بالذات أن ندرك حقيقة هذه الإشكالية الغائبة عن المسؤولين في منتهى مدلولاتها، أولا، ونستخلص منها النتائج لتعميق الوعي المجتمعي حولها، ثانيا. فهي ليست عابرة بل إنها ترتبط بجيل وستلحقه أخرى.
 
من ناحية أخرى، جيلZ يحتاج إلى الحلول السريعة والمعلومة الفورية، تقدمُ بصفة موضوعية وتقييم حقيقي حول التعليم والصحة ومحاربة الفساد، لأنه لايطيق الانتظار، ولايوجد في قاموسه، وينظر إلى العالم من زاوية السرعة والتغير.
 
لابد للمسؤولين في هذا البلد أن يراجعوا خياراتهم ونقد مسارها باستمرار، وكشف التناقضات التي سقطت فيها وهي التي لخصها جلالة الملك في خطاب العرش الأخير : "فلا مكان لمغرب يسير بسرعتين". صحيح أن المغرب حقق مكتسبات استراتيجية، لكن هذه االمكتسبات تظل ناقصىة، وقد تؤدي إلى نتائج عكسية (مثل مقاطعة الكان وكأس العالم) وهذا يضر بصورة المغرب، وهو ما لا نتمناه. نريد الصحة والتعليم والكان وكأس العالم.
 
أما فيما يتعلق بالجزء الثاني من سؤالكم المرتبط بالعنف فأحكام العقل تدينه بمختلف أشكاله، لأنه يضر بمصلحة المحتجين ويضعف قوتهم وقوة التعاطف معهم، الإدانة أعتبرها حكيمة، لأن العنف والعنف المضاد يؤديان إلى فقدان الخيط الجامع بين المغاربة ، ويغلق باب الحوار الذي أصبح ضروريا الآن.