تُمثّل السياسة الاقتصادية والاجتماعية التي تنتهجها حكومة عزيز أخنوش نموذجًا دالًّا على انزياح الدولة المغربية نحو منطق نيوليبرالي هجومي، يتجاوز المجال التقني إلى هندسة رمزية جديدة تُعيد تشكيل العلاقة بين المواطن والمؤسسة. ليست هذه السياسات مجرد تدبير تنموي، بل تعبير عن إعادة توجيه رمزية الدولة نفسها نحو وظيفة نفعية تُفرغ المجال العام من محتواه الأخلاقي والتأويلي، وتحوّل المواطن إلى مستهلك للوعود لا مؤوِّلًا للرموز.
يُعاد إنتاج السلطة في هذا النموذج عبر الرأسمالية الرمزية، حيث يُفرغ الرمز من دلالته الجماعية، ويُعاد تدويره بوصفه أداة للاستهلاك والترويج. من المناسبات الدينية إلى الفضاءات الثقافية، يُهيمن منطق السوق ويُقصى المعنى، مما يضعف مناعة الجماعة السياسية أمام تحولات تُقوّض إمكانيات الفعل المشترك. الدولة، بدل أن تكون راعية للعدالة الرمزية، تتحول إلى جهاز وظيفي لحماية المصالح الاقتصادية، فتغيب القيم وتُهمّش أدوات التشكيل الثقافي والتربوي.
تُظهر النماذج الحزبية، بما فيها تجربة الاتحاد الاشتراكي تحت قيادة إدريس لشكر، عجزًا بنيويًا عن مواجهة هذا المنعطف، لأنها تظل حبيسة تصورات تنظيمية لا فلسفية، وتُعيد إنتاج الموقع داخل السلطة لا مساءلة بنيتها الرمزية. كما أن المشاريع الحداثية الأخرى، سواء كانت تقنوية أو تنموية، تُغفل البنية الرمزية للفاعل السياسي، ولا تُقدّم تصورًا للمواطنة باعتبارها فعلًا تأويليًا ومعنويًا. أما الأطروحات الدينية أو القومية، فرغم تمركزها حول الرمز، فإنها تُعيد إنتاجه دون مساءلة ولا تُوفّر أدوات نقدية لتحديثه.
المواجهة لا تكون بإعادة تدوير الأدوات، بل بفتح أفق تأويلي جديد يُعيد تعريف العلاقة بين الدولة والمعنى. بناء فضاء عمومي جديد، يُشرك المواطن في تأويل الرمزية السياسية، ويُحوّل المشاركة من امتثال قانوني إلى مساهمة معرفية. لا بد أن تُؤسّس المواطنة بوصفها نمطًا من الفاعلية الأخلاقية والرمزية، يُعيد بناء الذات الجماعية في مواجهة التغوّل التسويقي.
مثل هذه الرؤية تستند إلى مرجعيات فكرية ضرورية: بودريار في تفكيك الرمز بوصفه سلعة، غرامشي في تعريف الفاعل العضوي، العروي في مساءلة التحديث بوصفه مسارًا ثقافيًا، هابرماس في تأسيس الفضاء العمومي، بورديو في تحليل الحقول الرمزية، وسعيد في تقديم المثقف النقدي كفاعل مضاد للهيمنة. هذه التأويلات تسمح بإعادة إنتاج الحقل السياسي المغربي بوصفه مجالًا للصراع حول المعنى، لا فقط حول السلطة.
نماذج عالمية تُضفي على هذا التصور بعدًا مقارنًا: حركات الجداريات في أمريكا اللاتينية، المقاومة الفنية في اليونان خلال أزمة التقشف، وحركة الحقوق المدنية في الولايات المتحدة التي دمجت الرمز الديني والفني في صياغة خطاب العدالة. كلها تُثبت أن المواطنة لا تتشكّل في الوثائق، بل في المساحات التي تُنتج المعنى وتُعيد رسم حدود السلطة.
بهذا التصور، يُمكن إعادة فتح المجال السياسي المغربي بوصفه حقلًا للتأويل الأخلاقي والرمزي، لا فقط للتدبير الأداتي. إنها دعوة إلى استعادة المعنى، والذات، والرمز، في سياق تُهيمن عليه آلة السوق وتُقصى فيه الفكرة.
يُعاد إنتاج السلطة في هذا النموذج عبر الرأسمالية الرمزية، حيث يُفرغ الرمز من دلالته الجماعية، ويُعاد تدويره بوصفه أداة للاستهلاك والترويج. من المناسبات الدينية إلى الفضاءات الثقافية، يُهيمن منطق السوق ويُقصى المعنى، مما يضعف مناعة الجماعة السياسية أمام تحولات تُقوّض إمكانيات الفعل المشترك. الدولة، بدل أن تكون راعية للعدالة الرمزية، تتحول إلى جهاز وظيفي لحماية المصالح الاقتصادية، فتغيب القيم وتُهمّش أدوات التشكيل الثقافي والتربوي.
تُظهر النماذج الحزبية، بما فيها تجربة الاتحاد الاشتراكي تحت قيادة إدريس لشكر، عجزًا بنيويًا عن مواجهة هذا المنعطف، لأنها تظل حبيسة تصورات تنظيمية لا فلسفية، وتُعيد إنتاج الموقع داخل السلطة لا مساءلة بنيتها الرمزية. كما أن المشاريع الحداثية الأخرى، سواء كانت تقنوية أو تنموية، تُغفل البنية الرمزية للفاعل السياسي، ولا تُقدّم تصورًا للمواطنة باعتبارها فعلًا تأويليًا ومعنويًا. أما الأطروحات الدينية أو القومية، فرغم تمركزها حول الرمز، فإنها تُعيد إنتاجه دون مساءلة ولا تُوفّر أدوات نقدية لتحديثه.
المواجهة لا تكون بإعادة تدوير الأدوات، بل بفتح أفق تأويلي جديد يُعيد تعريف العلاقة بين الدولة والمعنى. بناء فضاء عمومي جديد، يُشرك المواطن في تأويل الرمزية السياسية، ويُحوّل المشاركة من امتثال قانوني إلى مساهمة معرفية. لا بد أن تُؤسّس المواطنة بوصفها نمطًا من الفاعلية الأخلاقية والرمزية، يُعيد بناء الذات الجماعية في مواجهة التغوّل التسويقي.
مثل هذه الرؤية تستند إلى مرجعيات فكرية ضرورية: بودريار في تفكيك الرمز بوصفه سلعة، غرامشي في تعريف الفاعل العضوي، العروي في مساءلة التحديث بوصفه مسارًا ثقافيًا، هابرماس في تأسيس الفضاء العمومي، بورديو في تحليل الحقول الرمزية، وسعيد في تقديم المثقف النقدي كفاعل مضاد للهيمنة. هذه التأويلات تسمح بإعادة إنتاج الحقل السياسي المغربي بوصفه مجالًا للصراع حول المعنى، لا فقط حول السلطة.
نماذج عالمية تُضفي على هذا التصور بعدًا مقارنًا: حركات الجداريات في أمريكا اللاتينية، المقاومة الفنية في اليونان خلال أزمة التقشف، وحركة الحقوق المدنية في الولايات المتحدة التي دمجت الرمز الديني والفني في صياغة خطاب العدالة. كلها تُثبت أن المواطنة لا تتشكّل في الوثائق، بل في المساحات التي تُنتج المعنى وتُعيد رسم حدود السلطة.
بهذا التصور، يُمكن إعادة فتح المجال السياسي المغربي بوصفه حقلًا للتأويل الأخلاقي والرمزي، لا فقط للتدبير الأداتي. إنها دعوة إلى استعادة المعنى، والذات، والرمز، في سياق تُهيمن عليه آلة السوق وتُقصى فيه الفكرة.