Tuesday 15 July 2025
كتاب الرأي

الحسن لهمك: من المستفيد من همجية العنصرية بإسبانيا؟

الحسن لهمك: من المستفيد من همجية العنصرية بإسبانيا؟ الحسن لهمك
على إثر الأحداث التي عاشتها بلدة طري باتشيكو بإقليم مورسيا الإسبانية، والمتمثلة في وقوع نزاع أو اعتداء من طرف ثلاثة شبان مجهولي الجنسية والهوية على شخص من جنسية إسبانية، اندلعت بالإقليم  شرارة الكراهية لتشعل نار التوتر لغرض في نفس يعقوب.
 
فقد سارعت بعض الجهات إلى الركوب على الحدث، ونسبت الاعتداء لأشخاص من جنسية مغربية بقصد بغيض ودفين في استراتيجيتهم لتأجيج المجتمع المحلي وتجنيده لخدمة أجندتها الخبيثة، ولو على حساب الإضرار بالمصالح العامة للبلد، وتشويه سمعة المهاجرين الذين يعتبرون قوة عاملة منتجة للثروة الوطنية لإسبانيا.
 
هذا الحدث البسيط، الذي يعتبر - بغض النظر عن مرتكبيه - حدثا عابرا وفعل منحرفين يستحقون الضبط والعقاب من أي جنسية كانوا، فالجميع سواسية أمام القانون، لكن المساواة القانونية تغيب عن قاموس من أشعل فتيل التوتر، وأين لهم من علم المساواة وهم يهيمون في أودية البغض والحقد والكراهية وتمجيد العرق.
 
فهؤلاء جميعًا، بفعلهم المغرض والبعيد عن كل نهج حقوقي وديمقراطي، يدفعون بالمجتمع الإسباني إلى همجية الجيل الجديد، همجية ما بعد الحداثة والعولمة، والقضاء على نموذج المجتمعات المنفتحة على العالم، الذي يسهم في بناء دولة عظمى فاعلة على المستوى الدولي، والمتشبعة بروح الحق والقانون.
 
استغلال الحدث وتحريفه بتزييف الحقائق وفبركة التضليل الممنهج ومغالطة الجمهور، صرخة اليائسين والبائسين الذين ذاقوا بؤس الهزائم السياسية، الذين لم يتمكنوا من وضع القدم والتموقع بالوسائل الديمقراطية المشروعة داخل مجتمع حصين له مناعة قوية من وباء الكراهية والعقلية الرجعية التي تحن لعهود السطوة والتسلط والاستبداد.
 
فهذه الجهات التي فشلت في صنع رأي عام بالأساليب الديمقراطية، لم يتبق لها سوى بث الفتنة والكراهية والعنصرية، لتحصد ردود أفعال تتحكم فيها وتوظفها لخدمة أهدافها أو تمرير تصوراتها أو التغطية على مقاصد وما وراءيات تلك المقاصد. 
 
وربما يغيب عن ذهنيتها ومرجعيتها الإيديولوجية أن الاعتداء على فرد هو أمر يخص العدالة التي تقتص من المجرم أو المنحرف، في ظل احترام مبدأ ديمقراطي (مبدأ فصل السلط)، لكن يبدو أنهم اختلطت عليهم الأمور بفعل غشاء الكراهية الذي يغطي الأذهان.
 
ولعل هذه المقولة لغوستاف لوبون تختصر منهجية هذه الجهات، بقوله:
"لكي نقنع الجماهير ينبغي أولا أن نفهم العواطف الجيّاشة في صدورها، وأن نتظاهر بأننا نشاطرها إيّداها، ثم نحاول بعدئذٍ أن نغيرها عن طريق إثارة بعض الصور المحرّضة بواسطة الربط غير المنطقي أو البدائي بين الأشياء. وينبغي أن نعرف كل شيء..."
 
وهذا منطق المنهزمين الذين يسعون لتحقيق مجد كاذب بالتحايل وتزييف الحقائق.
وفي خضم هذا التوتر المصطنع، يتعين على كل الجهات وأطراف المجتمع المدني التعقل، والتصرف بالحكمة اللازمة، بعيدا عن خطابات العاطفة وإيقاد نار الكراهية، والابتعاد كليًا عن العنف والعنف المضاد.
 
فالأمور لا تُسوّى بالإرادة الشخصية للفرد، بل بالمساطر القانونية، بسلطة الدولة وسيادتها في تطبيق القانون، فكل ردة فعل مضادة هي شرارة إضافية وفرصة للمعرضين لتطعيم مشروعهم الخبيث، فهذه الجهات تبقى دائمًا في حاجة إلى أعداء لتبرير وتمرير سلوكها الانحرافي.
 
ولذا وجب الحذر، والابتعاد، وعدم الانسياق لهذه الأنماط من سلوك العنف المضاد الذي لا يخدم إلا مصلحة من أشعل الفتنة.
 
وختامًا، لا بد من التساؤل:
هل المجتمع الإسباني قادر على الصمود بحكم تقاليده وأمجاده ضد هذه الطفيليات؟
وهل هذه الجهات قادرة على تطهير نفسها إيجابيًا بما يخدم مكانة إسبانيا، ويعزز مكانتها العالمية حقوقيًا واقتصاديًا؟