الخميس 18 إبريل 2024
كتاب الرأي

صافي الدين البدالي: فرنسا الدولة المخادعة  

صافي الدين البدالي: فرنسا الدولة المخادعة   صافي الدين البدالي
برزت على السطح الدبلوماسي هذه الأيام أزمة سياسية بين المغرب وفرنسا .وأخدت بعض المواقع الإعلامية الموضوع باهتمام لافت لتجعل منه مادة دسمة من خلال تجميع بعض التصريحات من الجانب الفرنسي في شخص الرئيس التي تارة ما تكون مبتورة و أيضا إعطاء زيارته الأخيرة  للجزائر صبغة انقلابية على العلاقات الفرنسية المغربية التي ظلت كما كان يبدو   تتسم باحترام متبادل ظاهريا على الأقل.
فماهي الأسباب و الدوافع التي جعلت فرنسا تتخذ بعض المواقف ضدا على مصلحة المغرب ؟والتي تتجلى خاصة في ضبابية الموقف الفرنسي من قضية الصحراء المغربية ؟ وماذا تريد فرنسا من المغرب حتى ينال رضاها؟ 
إن المناخ العلاقاتي بين البلدين يجعلنا نستحضر فرنسا في علاقتها مع المغرب منذ بداية القرن التاسع عشر و السمات التي طبعت هذه العلاقة: 
إن السمة الأساسية التي طبعت العلاقة بين المغرب وفرنسا هي علاقة بين بلد مستعمر وبلد مستعمر (الفتحة فوق الميم  )، تلك العلاقة التي تأسست على الخدعة الفرنسية التي تجلت من خلال عدة مواقف : 
1- المؤامرة الأولى مع إسبانيا من أجل تقسيم المغرب إلى مستعمرات فرنسية و إسبانية في إتفاق سري سنة 1903 وكانت معاهدة 8 أبريل 1904 قد اعترفت لإسبانيا بحق احتلال منطقة سيدي افني ومنطقة وادي الذهب ووقع كذلك إتفاق سري ضد المغرب بين رئيس جمهورية فرنسا وملك إسبانيا بتاريخ 3 أكتوبر 1904 يحدد المناطق الفرنسية والإسبانية ووقع إتفاق سري بين الدولتين الإسبانية والفرنسية بتاريخ فاتح شتنبر 1905 لتطبيق اتفاق 3 أكتوبر 1904 المشار إليه آنفا.
2 -   اتخذت فرنسا من عقد الحماية مدخلا استعماريا  لتكشف عن حقيقتها الإستعمارية بالرغم مما  نصت عليه معاهدة الحماية التي وقعت في 30 مارس  1912 حيث تنازل بموجبها السلطان عبد الحفيظ عن سيادة المغرب لفرنسا،جاعلا بذلك المغرب تحت الحماية و   بموجب اتفاقية بين فرنسا وإسبانيا في نوفمبر من العام نفسه حصلت إسبانيا على محمية في شمال المغرب تضم  منطقة الريف في الشمال     ومنطقة إفني وطرفاية في الجنوب الغربي للمغرب ، منطقة طرفاية جنوب نهر درعة. حيث ظل السلطان ذو سيادة إسمية فقط، وكان يمثله في سيدي إفني نائب للملك تحت سيطرة المندوب السامي الإسباني. ومن تم قامت فرنسا و إسبانيا بتقسيم المغرب إلى ثلاثة مناطق :
المنطقة الشمالية، أي الريف والمنطقة الجنوبية اي إفني وطرفاية تحت الحماية الإسبانية؛ والمنطقة الوسطى تحت الحماية الفرنسية؛ أما مدينة طنجة خضعت لحماية دولية. وقد نصت معاهدة الحماية (30 مارس 1912) على مايلي:«تأسيس نظام جديد بالمغرب يشمل الإصلاحات الإدارية والمالية والعدلية والتعليمية والاقتصادية والعسكرية واحترام هذا النظام لحرمة السلطان وشرفه واحترام الشعائر الإسلامية و تأسيسات  الأحباس» 
3 - دخول فرنسا للمغرب بعد عقد الحماية دخولا استعماريا وهمجيا عكس ما جاء في عقد الحماية ،ومن تم أصبح المغرب بلدا مسلوب الحرية و الإرادة ويتعرض إلى نهب أراضيه وثرواته الوطنية.       
4 - المؤامرة الثالثة: بعد السيطرة التامة على الجزائر سعت فرنسا إلى الانتشار شرقا وغربا، وبذلك تمكنت من زيادة أراضيها على حساب الجيران، فكان التراب المغربي منتهكا واستطاع المستعمر الفرنسي ضم الصحراء الشرقية الغنية بالبترول، فهذه الأراضي الشاسعة المقتطعة من الأراضي المغربية غصبا اعتبرتها فرنسا جزءا من أراضيها، وذلك حسب طموحها التوسعي الذي يعتبر أرض الجزائر مجرد مقاطعة  أخرى لفرنسا وتكملة لأراضيها المتواجدة بالقارة الإفريقية ،وبذلك أصبحت أرض المغرب مجرد مجال لامتداد الأراضي الفرنسية إلى  أراضي المغرب وضمها الى التراب الجزائري ظلما و عدوانا .
5- المؤامرات السياسية :
 ا - لخلخلة الروابط الأخوية بين المغاربة اقدمت فرنسا على محاولة استصدار الظهير البربري الذي يهدف إلى تقسيم المغرب إلى قبائل بربرية وعربية للتحكم أكثر في البلاد، لكن المغاربة انتفضوا قاطبة ضد هذا الظهيرالمشؤوم .   
ب -  بعد فشل فرنسا في القضاء على اتساع دائرة  المقاومة التي شملت كل المناطق المغربية لجأت الى نفي الراحل محمد الخامس و محاولتها تنصيب سلطان جديد الذي هو بن عرفة الذي لا يتجرأ على فرنسا بالمطالبة  باستقلال البلاد 
ج - استغلال الفقروالبطالة نتيجة سيطرة فرنسا على خيرات البلاد لتجنيد الشباب المغربي للحرب من أجل تحرير بلادها من الإستعمار النازي واستعمار بلدان في آسيا . إنها المفارقة الغريبة التي تنهجها هذه الدولة لحماية نفسها ومصالحها  على حساب الشعب المغربي. 
د- فرض ثقافتها على الشعب المغربي بإنزال تعليم طبقي وعنصري لطمس الهوية الوطنية ولا زالت تداعيات ذلك تلقي بظلالها على الساحة التربوية و الثقافية حتى الآن .
ه - قمع الحريات وتوسيع دائرة السجون والإعتقالات والإختطافات والإغتيالات في صفوف المواطنين و المواطنات ومواجهة 
الإنتفاضات الشعبية بالرصاص والمدافع   والدبابات .انها فرنسا التوسعية، فرنسا التي اختطفت الشهيد المهدي بنبركة وتنكرت له و للمغاربة. إنها فرنسا التي تريد مغربا ضعيفا ودون إرادة سياسية  ودون بناء اقتصادي وطني  ودون ان يرقى إلى بلد  صناعي وتشاركي مع الدول الإفريقية.
 
 إن فرنسا لم تكن صداقتها مع المغرب مبنية على الصدق والتعاون الحقيقي من أجل المغرب و مصلحة المغرب لا من اجل فرنسا ومصالحها فقط؛ ان الواجب يقتضي منا وضع فرنسا في الخانة التي تليق بها كدولة استعمارية عبر التاريخ وما يهمها هو شعبها أن يكون بخيرعلى حساب الشعوب الإفريقية وكذلك على حساب الشعب  المغربي.