Friday 19 December 2025
كتاب الرأي

محمد براو: قراءة في دلالات الحصيلة السنوية لمديرية العامة للأمن الوطني 2025

محمد براو: قراءة في دلالات الحصيلة السنوية لمديرية العامة للأمن الوطني 2025 محمد براو

تشكل الحصيلة السنوية للمديرية العامة للأمن الوطني المتعلقة بسنة 2025 وثيقة مرجعية أساسية لفهم مختلف أوجه النشاط الأمني والإداري والتقني خلال السنة، حيث تقدم رؤية شاملة لحجم الاشتغال الأمني واتساعه في مجالات متعددة. وتعكس الأرقام والمؤشرات تنوع الأبعاد التي يشملها العمل الأمني، بدءًا من الجرائم التقليدية وصولاً إلى الأشكال المعقدة المرتبطة بالمخدرات، والجريمة الاقتصادية، والجرائم الرقمية، ما يدل على قدرة المديرية على التكيف مع التحولات المستمرة في المشهد الأمني والاقتصادي والاجتماعي. وتتيح هذه الحصيلة للباحث والمختص فرصة قراءة الاتجاهات العامة، وفهم ديناميات العمل الأمني، واستشراف مجالات التطوير المستقبلية.

يأتي موضوع الجرائم المالية والاقتصادية في قلب الحصيلة، حيث يوضح حجم القضايا المسجلة وتنوع الأفعال المرتبطة بها، بما في ذلك الرشوة واستغلال النفوذ واختلاس وتبديد المال العام. ويعكس هذا التركيز على الجرائم المالية الوعي المتزايد بأهمية حماية الموارد العامة وتعزيز النزاهة في مختلف مؤسسات الدولة. كما تبرز الحصيلة إدراج التنسيق مع الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة كعنصر محوري في الاستراتيجية الأمنية، ما يشير إلى تحول تدريجي نحو مقاربة متعددة الفاعلين لمكافحة الفساد، تدمج بين الضبط القانوني والوقاية والتعاون المؤسساتي. ويعكس هذا التركيز روح التطلّع نحو تطوير منظومة أمنية متكاملة وقادرة على التصدي للتحديات المالية بفعالية، مع تعزيز الشفافية والثقة العامة.

وتشير الحصيلة أيضًا إلى المكانة المتميزة التي يحتلها الأمن في المغرب، باعتباره أحد القطاعات التي تحظى بثقة واسعة لدى الرأي العام، فضلًا عن السمعة الدولية المرموقة التي اكتسبتها المديرية العامة للأمن الوطني. فهذه الثقة، الممزوجة بالاعتراف الدولي، تجعل من الأمن الوطني جزءًا أساسيًا من قوة المغرب الناعمة، حيث ينعكس مستوى الحرفية والانضباط والكفاءة الأمنية على صورة المغرب داخليًا وخارجيًا، ويعزز قدرة المملكة على التفاعل الإيجابي ضمن الشبكات الأمنية الإقليمية والدولية.

وتوضح المعطيات الرقمية تراجعًا نسبيًا في بعض مؤشرات الجرائم المرتبطة بالفساد المالي مقارنة بالعام السابق، ما يمكن قراءته كإشارة إلى تحولات في نمط الاشتغال أو أنماط الإبلاغ، وهو ما يضيف بعدًا ثريًا للتحليل دون الحاجة للربط السببي المباشر. فوظيفة هذه الأرقام الأساسية هي رسم صورة دقيقة وشاملة للجهود الأمنية المبذولة، وإتاحة قاعدة معرفية غنية للبحث والتحليل المستقبلي.

وتعكس الحصيلة كذلك التحديات الجديدة المرتبطة بالتحولات الرقمية، حيث تبرز الجرائم الإلكترونية والاحتيال الرقمي وتزوير وسائل الأداء، في مقابل توسع ملحوظ في أنشطة الشرطة العلمية والتقنية. ويعكس ذلك قدرة الأمن الوطني على مواكبة التطورات التكنولوجية وتحويلها إلى أدوات لتعزيز البحث الجنائي واستثمار الأدلة الرقمية في التحقيقات، بما يضمن فعالية أكبر للتدخلات الأمنية في بيئة متغيرة.

وفي مجالات أخرى، تشير الحصيلة إلى استمرار المقاربة الاستباقية في مكافحة الإرهاب والتطرف، من خلال تسجيل قضايا وإحالات مرتبطة بهذا المجال، إلى جانب متابعة مؤشرات السلامة الطرقية وإجراءات المراقبة والزجر. كما تسلط الضوء على التطور في إدارة الموارد البشرية، بما في ذلك التوظيف والتكوين والترقية، ما يؤكد إدراك الأمن الوطني لأهمية العنصر البشري في تعزيز فعالية الجهاز الأمني.

بشكل عام، تقدم الحصيلة السنوية للمديرية العامة للأمن الوطني المتعلقة بسنة 2025 قراءة شاملة لمختلف مجالات العمل الأمني، مع إبراز الجرائم المالية كمجال استراتيجي، والتنسيق مع الهيئة الوطنية للنزاهة كمؤشر على توجه مؤسساتي نحو تكامل الإجراءات الأمنية والوقائية. كما تعكس الحصيلة المكانة المرموقة للأمن المغربي على الصعيدين الوطني والدولي، مما يجعله عنصرًا أساسيًا في قوة المغرب الناعمة، ويعزز فرص الاستفادة من هذه السمعة في تطوير سياسات أمنية متقدمة وفعّالة. وتمنح هذه الوثيقة أرضية معرفية متينة لفهم الاتجاهات العامة، واستشراف التحولات المستقبلية، وتعزيز تطوير السياسات الأمنية بشكل متكامل، بما يضمن قدرة الأجهزة الأمنية على مواجهة تحديات العصر بروح احترافية واستباقية.

محمد براو، خبير دولي في الحكامة ومكافحة الفساد