Friday 21 November 2025
مجتمع

بن سعيد الركيبي: تنمّر "مُولْ الْحُوتْ" ومسّه بكرامة المدرس هو اعتداء على المجتمع

بن سعيد الركيبي: تنمّر "مُولْ الْحُوتْ" ومسّه بكرامة المدرس هو اعتداء على المجتمع بن سعيد الركيبي وعبد الإله مول الحوت
أعاد شريط فيديو متداول خلال الأيام الأخيرة طرح سؤال عميق حول المكانة التي ما تزال المدرسة المغربية تحتلها داخل الوعي الجماعي. في فيديو منشور على مواقع التواصل الاجتماعي يظهر شاب يلقب ب "مول الحوت"، يمتطي سيارة فاخرة وهو يسخر من أستاذه الذي كان يركب سيارة متواضعة، في محاولة لإذلال من علمه يوما أساسيات القراءة والكتابة. 
 
ورغم أن الواقعة قد تبدو للبعض مجرد طيش فردي أو استعراض رقمي عابر، إلا أنها في الحقيقة تكشف أزمة قيمية تتجاوز حدود السلوك الشخصي لتصل إلى صميم علاقة المجتمع بالمدرسة والمدرس. 
 
إن تحويل الأستاذ، وهو موظف عمومي يحمل رسالة تربوية، إلى مادة للسخرية هو تنمر رقمي صريح وتشهير علني، يدخلان ضمن الأفعال المجرمة قانونيا. فالمساس بكرامة المدرس هو اعتداء على هيئة كاملة تمثل أداة الدولة في التربية والتنشئة. ويمس بصورة مباشرة بالثقة التي يفترض أن يحظى بها رجل التعليم داخل المجتمع. كما أن تقديم “الثروة” أو “السيارة الفاخرة” باعتبارها معيارا للنجاح هو انعكاس لفهم مقلوب لمفهوم القيمة، إذ لا يمكن للعقل السليم أن يقيس مكانة المدرس بما يملك، بل بما يعطيه من معرفة وما يتركه من أثر. والمدرس الذي ظهر في الفيديو هدفا لسخرية تلميذه السابق، لا تسمح له صفته الاعتبارية بالرد ولا الانخراط في المعارك الرقمية، لأن هيبة مهنته تمنعه من النزول إلى هذا المستوى. وهو ما يجعل المسؤولية الأخلاقية والقانونية اليوم على عاتق المجتمع ومؤسساته وعلى النقابات التعليمية التي لا يكفي أن تصدر بيانات استنكار، إذ أصبح مطلوبا منها — وبإلحاح — فتح مسار التقاضي لحماية كرامة رجال ونساء التعليم، وخلق سابقة قضائية واضحة تضع حدا لثقافة الاستهزاء الإلكتروني التي بدأت تستهدف الأساتذة في أكثر من مؤسسة. 
 
إن هذه الواقعة هي بمثابة إنذار بأن تفكيك هيبة المدرس يقود تلقائيا إلى تفكيك المدرسة، وأن أي تطبيع مع إهانة الأستاذ يعني فتح الباب أمام جيل لا يرى في المعرفة قيمة تستحق الاحترام. لذلك فإن الدفاع عن المدرس اليوم هو دفاع عن المستقبل، ودفاع عن آخر ما تبقى من رصيد رمزي يربط المجتمع بمؤسساته التربوية. وأن حماية كرامة الأستاذ واجب جماعي يضمن الحفاظ على المدرسة حية وقادرة على أداء رسالتها.