Tuesday 28 October 2025
Advertisement
في الصميم

أريري: هذا ما جنته الدارالبيضاء من كوارث ومشاكل بعد اغتيال المدرسة العمومية!

أريري: هذا ما جنته الدارالبيضاء من كوارث ومشاكل بعد اغتيال المدرسة العمومية! عبد الرحيم أريري
لن أدخل في السجال العقيم حول مزايا وفوائد تعليم أبناء الشعب كلهم في مدرسة عمومية واحدة: مدرسة بمنهاج تدريسي واحد وبنظام غذائي واحد، وبنظام ترفيهي واحد، وبموارد بشرية واحدة. أي مدرسة واحدة يرتادها ابن العامة وابن النخبة، لا تمييز فيها بين ابن وزير وابن سائق حافلة للنقل الحضري، ولا بين ابن رئيس مدير عام بنك كبير وابن حارس أمن خاص بمحل تجاري.
 
ومن يود المحاججة، أحيله على النظام التعليمي بالدول الاسكندنافية وبدول البلطيق، حيث يبقى النظام التعليم بهذه الدول من أرقى النظم في العالم، وأكثرها إنصافا ومساواة بين فئات الشعب، لما تتيحه المدرسة العمومية من تكافؤ الفرص بين أبناء المجتمع الواحد.
 
إن ما يهمني في هذا المقام هو التوقف عند التبعات السوداء لاغتيال المدرسة العمومية على جودة العيش الحضري بالمدن المغربية. إذ أن استقالة الدولة عن وظيفتها في تأمين مدرسة عمومية جيدة وتشجيعها للخواص "لقرصنة" المرفق العام، أفرز ديناميات حضرية رهيبة، كان لها التأثير السيء على المجالات التعميرية والعمرانية بالمدن الكبرى وعلى جغرافية توزيع المرفق التعليمي بالمدينة. 
 
سأستشهد هنا بما تعرفه العاصمة الاقتصادية من فظاعات. اختياري الاستشهاد بنموذج الدارالبيضاء، أملته الاعتبارات الثلاثة التالية:
الاعتبار الأول: يتجلى في أن الدارالبيضاء تستأثر لوحدها بحصة الأسد من تلاميذ القطاع الخاص على المستوى الوطني. فمن أصل 600 ألف تلميذ بالمغرب، هناك 413.386 تلميذ بالبيضاء (أي ما يمثل 69% من المجموع الوطني لتلاميذ القطاع الخاص، وهي نسبة كبيرة جدا).
 
الاعتبار الثاني: يتمحور حول تزايد وتيرة تسجيل التلاميذ بالبيضاء بالمدارس الخاصة. فبعد انكماش اقتصادي ظرفي عقب جائحة كورونا في موسم 2020\2021، وما تلاها من تسريحات للمستخدمين بالشركات المتضررة من كورونا وإغلاق مقاولات، مما أدى آنذاك بالعديد من الآباء  إلى ترحيل أبنائهم من الخاص نحو مدارس عمومية، عاد منحنى انخراط الآباء في تسجيل أبنائهم بالتعليم الخاص انطلاقا من الموسم الماضي. 

الدليل على ذلك أن موسم 2025\2026 عرف ارتفاعا في المنحنى باحتضان مدارس القطاع الخاص بالعاصمة الاقتصادية لحوالي 26% من مجموع التلاميذ، علما أن مدارس التعليم العمومي بالبيضاء تضم 1.211.000 تلميذ وتلميذة. 
 
الاعتبار الثالث: يرتبط بتصاميم التهيئة التي تغاضت عن وضعية العديد من المؤسسات التعليمية العمومية المهجورة بسبب التحولات العمرانية والسوسيولوجية التي عرفتها وتعرفها حاليا مجموعة من أحياء البيضاء، بسبب التحول في بروفيل ساكنة الأحياء المعنية، وهو البروفيل الذي تطغى عليه ميزة رفض تسجيل الأبناء بمدرسة الحي التابعة للدولة.   
 
تأسيسا على ما تقدم، وقع تحول في خريطة انتشار المدارس الخاصة بالبيضاء. هذه الجغرافية الجديدة لانتشار المدارس الخاصة، جعلت آلاف الآباء يضطرون إلى التنقل بسياراتهم الشخصية نحو أحياء بعيدة جدا عن محل سكناهم لإيصال الأبناء إلى المدرسة. فالأب مثلا يسكن في حي شريفة ويتنقل مع ابنه إلى مدرسة توجد في شارع 2 مارس، بعيدة عن سكناه بحوالي 7 كيلومترات. وأب آخر يسكن في حي بلفدير ويتنقل بسيارته مع ابنه للمدرسة بحي لهجاجمة (8 أو 9 كلم)، وأب ثالث يسكن في عين البرجة وينقل ابنه في سيارته إلى عين السبع أو القدس ( 10 كيلومترات)، ورابع يسكن بحي سيدي معروف يضطر إلى قطع مسافة 13 كلم ليرافق ابنه إلى المدرسة بواد مرزك،  خامس يتنقل صباح مساء مع ابنه في السيارة من حي المعاريف إلى حي ألماز قاطعا 11 كلم ذهابا و11 كلم إيابا، وهكذا دواليك. 
 
طبعا هاته التنقلات الهائلة لحوالي 200 ألف سيارة شخصية لنقل الأبناء للمدرسة الخاصة بأحياء بعيدة عن سكنهم (رغم وجود مدرسة عمومية)، يخلق ضغطا قاتلا على البنية الطرقية ويؤزم من وضعية السير والجولان بالدارالبيضاء المخنوقة أصلا.
 
لا، ليس هذا وحسب، بل إن جغرافية المدارس الخاصة، زادت  من الضغط على مرفق الشرطة بالدارالبيضاء، بسبب اضطرار ولاية الأمن إلى تسخير أزيد من 600 رجل أمن إضافي كل يوم (على حساب مهام أمنية أخرى رئيسية)، نظرا لاضطرار ولاية الأمن إلى توزيع هذا الحصيص البشري في الملتقيات والمدارات المهمة والطرق الرئيسية لتنظيم السير أثناء فترة الدراسة، وخاصة في فترة خروج ودخول التلاميذ للمؤسسات التعليمية. 
 
أما إذا أضفنا إلى ذلك عشوائية الترخيص لإحداث مدرسة خاصة بشارع رئيسي دون أن يتم إلزام مالك المدرسة بتوفير مربد لسيارات النقل المدرسي أو ومربد لسيارات الهيئة التربوية بالمدرسة، أو إلزامية خلق Recul بواجهة المؤسسة التعليمية يسمح بركن سيارات الآباء أو التوقف المؤقت، آنذاك نعي حجم الفظاعات التي ترتكبها السلطات العمومية وتأخرها في معالجة هذا الملف بسرعة وبجدية، لتخفيف العذابات اليومية عن المواطنين من جهة، وتخفيف الضغط على الشوارع التي تكتظ في وقت الدراسة بحوالي 2000 سيارة للنقل المدرسي الخصوصي من جهة، وتنتفخ بحوالي 200 ألف سيارة شخصية للآباء والأمهات الذين يضطرون لنقل أبنائهم نحو مدارس خاصة بعيدة عن سكناهم !!.