Friday 17 October 2025
Advertisement
كتاب الرأي

غميمط،: القرار التربوي يجب أن يعود إلى الداخل الوطني وأن يخضع لحاجات المجتمع وتطلعاته

غميمط،: القرار التربوي يجب أن يعود إلى الداخل الوطني وأن يخضع لحاجات المجتمع وتطلعاته عبد الله غميمط
‬من‭ ‬الضروري‭ ‬الانتباه‭ ‬إلى‭ ‬الهجوم‭ ‬الشرس،‭ ‬سواء‭ ‬الدولي‭ ‬أو‭ ‬الداخلي،‭ ‬على‮ ‬المدرسة‭ ‬العمومية،‭ ‬رغم‭ ‬الأدوار‭ ‬المهمة‭ ‬التي‭ ‬لعبها‭ ‬التعليم‭ ‬في‭ ‬تحريك‭ ‬المجتمع‭ ‬وتأثيره‭ ‬في‭ ‬مستقبل‭ ‬الشعوب‭.‬
لكننا‭ ‬نلاحظ‭ ‬اليوم‭ ‬تراجعا‭ ‬في‭ ‬الاهتمام‭ ‬بقضايا‭ ‬التعليم،‭ ‬سواء‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬القوى‭ ‬المناضلة‭ ‬أو‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني،‭ ‬لأسباب‭ ‬متعددة،‭ ‬من‭ ‬بينها:
*‮ ضعف‭ ‬التعبيرات‭ ‬الديمقراطية‭ ‬وتشتتها؛
*‮ ‬إصرار‭ ‬الدولة‭ ‬على‭ ‬التحكم‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬التعليم؛
*‮ ‬ضعف‭ ‬المتابعة‭ ‬للتطورات‭ ‬التربوية‭ ‬عالميا؛

‬مما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬تراجع‭ ‬الوعي‭ ‬بخطورة‭ ‬التهديدات‭ ‬التي‭ ‬تطال‭ ‬المدرسة‭ ‬العمومية،‭ ‬وارتفاع‭ ‬نسب‭ ‬الأمية‭ ‬وصعوبة‭ ‬التفاعل‭ ‬المجتمعي‭ ‬مع‭ ‬هذا‭ ‬الموضوع‭.‬
‮ ‬
الفوارق‭ ‬الاجتماعية‭ ‬وإعادة‭ ‬إنتاجها‮ ‬
واقع‭ ‬المنظومة‭ ‬التعليمية‭ ‬اليوم‭ ‬يعيد‭ ‬إنتاج‭ ‬الفوارق‭ ‬الاجتماعية‮ ‬بل‭ ‬ويوسعها،‭ ‬سواء‭ ‬بين‭ ‬الفقراء‭ ‬والأقل‭ ‬فقرا‭ ‬أو‭ ‬بين‭ ‬البادية‭ ‬والمدينة‭.‬
 
وقد‭ ‬أكدت‭ ‬لجنة‭ ‬الحقوق‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬والثقافية‭ ‬بالأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬أن‭ ‬المغرب‭ ‬يعرف‭ ‬فعلا‭ ‬إعادة‭ ‬إنتاج‭ ‬لهذه‭ ‬الفوارق،‭ ‬ودعت‭ ‬الدولة‭ ‬إلى‭ ‬اتخاذ‭ ‬إجراءات‭ ‬ملموسة‭ ‬لضمان‭ ‬الحق‭ ‬في‭ ‬التعليم‭.‬

فالنظام‭ ‬التعليمي‭ ‬الحالي‭ ‬قائم‭ ‬على‭ ‬مدرسة‭ ‬عمومية‭ ‬ومدرسة‭ ‬خصوصية،‭ ‬ومع‭ ‬تفاقم‭ ‬الأزمات،‭ ‬فإن‭ ‬مؤشرات‭ ‬الجودة‭ ‬والتكافؤ‭ ‬تتراجع‭ ‬سنة‭ ‬بعد‭ ‬أخرى،‭ ‬مما‭ ‬يعمق‭ ‬الإقصاء‭ ‬الاجتماعي‭ ‬ويكرس‭ ‬النخبوية‭.‬
‮ ‬
الدعوة‭ ‬إلى‭ ‬توحيد‭ ‬النظام‭ ‬التربوي
الحل،‭ ‬في‭ ‬نظري،‭ ‬هو‭ ‬توحيد‭ ‬النظام‭ ‬التربوي‮ ‬في‭ ‬بلادنا،‭ ‬من‮ ‬التعليم الابتدائي‭ ‬إلى‭ ‬التعليم‭ ‬العالي،‭ ‬بنظام‭ ‬واحد‭ ‬وسرعة‭ ‬واحدة‭.‬‮ ‬وهذا‭ ‬يتطلب‭ ‬إرادة‭ ‬سياسية‭ ‬حقيقية‮ ‬تقطع‭ ‬مع‭ ‬الإملاءات‭ ‬الخارجية‭ ‬للمؤسسات‭ ‬المالية‭ ‬الدولية‭.‬

نريد‭ ‬مدرسة‭ ‬عمومية‭ ‬موحدة‭ ‬ومجانية،‭ ‬يتعلم‭ ‬فيها‭ ‬أبناء‭ ‬جميع‭ ‬الطبقات‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬يقلص‭ ‬فيها‭ ‬الفوارق‭ ‬بين‭ ‬المتفوقين‭ ‬انسجما‭ ‬مع‭ ‬شعار‭ ‬الأممية‭ ‬التربوية‭ ‬الذي‭ ‬انطلق‭ ‬سنة ‭ .‬1999‭‬
 
أما‭ ‬التعليم‭ ‬الخصوصي،‭ ‬فهو‭ ‬في‭ ‬رأيي‭ ‬سرطان‭ ‬ينخر‭ ‬جسد‭ ‬المدرسة‭ ‬العمومية‮ ‬ويهدد‭ ‬تماسك‭ ‬المجتمع،‭ ‬والحل‭ ‬الوحيد‭ ‬هو‭ ‬تأميم‭ ‬المدارس‭ ‬الخاصة،‭ ‬لتصبح‭ ‬جميعها‭ ‬عمومية‭ ‬ممولة‭ ‬من‭ ‬الدولة‭.‬
‮ ‬
‮‬تسليع‭ ‬التربية‭ ‬والتعليم‮ ‬
كل‭ ‬الإصلاحات‭ ‬المتعاقبة‭ ‬على‭ ‬المنظومة‭ ‬التعليمية‭ ‬طغى‭ ‬عليها‭ ‬المنظور‭ ‬الليبرالي،‭ ‬الذي‭ ‬حول‭ ‬التعليم‭ ‬إلى‭ ‬سلعة،‭ ‬وجعل‭ ‬من‭ ‬التربية‭ ‬أداة‭ ‬لتكوين‭ ‬“الموارد‭ ‬البشرية”‭ ‬القابلة‭ ‬للتشغيل،‭ ‬بدل‭ ‬تكوين‭ ‬المواطن‭ ‬الحر‭.‬
 
اليوم،‭ ‬أصبحنا‭ ‬أمام‭ ‬سوق‭ ‬حقيقية‭ ‬للتربية‭ ‬والتعليم،‭ ‬خصوصا‭ ‬في‭ ‬التعليم‭ ‬الخصوصي‭ ‬والعالي،‭ ‬حيث‭ ‬تدار‭ ‬المؤسسات‭ ‬كأنها‭ ‬مقاولات‭ ‬تجارية،‭ ‬يطلق‭ ‬مديروها‭ ‬على‭ ‬أنفسهم‭ ‬لقب‭ ‬الرئيس‭ ‬التنفيذي!
‮ ‬
مسؤولية‭ ‬الدولة‭ ‬وفشل‭ ‬الإصلاحات‮ ‬
منذ‭ ‬برنامج‭ ‬التقويم‭ ‬الهيكلي،‭ ‬والدولة‭ ‬تطلق‭ ‬إصلاحا‭ ‬تلو‭ ‬الآخر‭ ‬(الميثاق‭ ‬الوطني‭ ‬للتربية‭ ‬والتكوين،‭ ‬البرنامج‭ ‬الاستعجالي،‭ ‬الرؤية‭ ‬الاستراتيجية‭...‬)،‭ ‬لكن‭ ‬جميعها‭ ‬فشلت‭ ‬لأنها‭ ‬حافظت‭ ‬على‭ ‬نفس‭ ‬المنظور‭ ‬النيوليبرالي‭.‬‮ ‬والخطاب‭ ‬الرسمي‭ ‬الذي‭ ‬ينتقد‭ ‬وضع‭ ‬التعليم‭ ‬يخفي‭ ‬حقيقة‭ ‬أن‭ ‬الدولة‭ ‬نفسها‭ ‬هي‭ ‬المسؤولة‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬التدهور‭.‬

لقد‭ ‬وفرت‭ ‬الدولة‭ ‬الأرضية‭ ‬المناسبة‭ ‬لضرب‭ ‬القطاع،‭ ‬عبر‭ ‬التشكيك‭ ‬في‭ ‬المدرسة‭ ‬العمومية‭ ‬وتبرير‭ ‬خوصصتها‭.‬
‮ ‬
المدرسة‭ ‬العمومية‭ ‬والنضال‭ ‬الشعبي
نحن‭ ‬في‭ ‬الجامعة‭ ‬الوطنية‭ ‬للتعليم‭ ‬–‭ ‬التوجه‭ ‬الديمقراطي،‭ ‬ومعنا‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الفاعلين‭ ‬النقابيين‭ ‬والسياسيين‭ ‬والحقوقيين،‭ ‬قدمنا‭ ‬مرارا‭ ‬انتقادات‭ ‬ومقترحات‭ ‬إصلاحية‭ ‬واقعية،‭ ‬لكن‭ ‬دون‭ ‬جدوى،‭ ‬لأن‭ ‬الدولة‭ ‬تفرض‭ ‬اختياراتها‭ ‬على‭ ‬المجتمع‭ ‬والمدرسة‭.‬

النتيجة:‭ ‬كل‭ ‬سنة‭ ‬هناك‭ ‬حوالي‭ ‬350‭ ‬ألف‭ ‬تلميذ‭ ‬وتلميذة‭ ‬يغادرون‭ ‬النظام‭ ‬التعليمي،‭ ‬وملايين‭ ‬الشباب‭ ‬ضحايا‭ ‬لهذه‭ ‬السياسات‭.‬‮ ‬وحدها‭ ‬الطبقات‭ ‬الشعبية‭ ‬(العمال،‭ ‬الفلاحون،‭ ‬الحرفيون،‭ ‬الموظفون‭...‬)‭ ‬ومعهم‭ ‬القوى‭ ‬الديمقراطية‭ ‬والنقابات‭ ‬المناضلة،‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تشكل‭ ‬جبهة‭ ‬موحدة‮ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬استرجاع‭ ‬المدرسة‭ ‬العمومية‭ ‬إلى‭ ‬حضن‭ ‬الشعب‭.‬
‮ ‬
أبعاد‭ ‬الهجوم‭ ‬على‭ ‬المدرسة‭ ‬العمومية‮ ‬
الهجوم‭ ‬على‭ ‬المدرسة‭ ‬العمومية‭ ‬له‭ ‬بعدان:‭ ‬عالمي‭ ‬ومحلي:
عالميا:‭ ‬بسبب‭ ‬جشع‭ ‬الرأسمالية‭ ‬العالمية،‭ ‬التي‭ ‬ترى‭ ‬في‭ ‬المدرسة‭ ‬مجالا‭ ‬للربح‭.‬
محليا:‭ ‬لأن‭ ‬الطبقات‭ ‬السائدة‭ ‬في‭ ‬المغرب‭ ‬تعمل‭ ‬على‭ ‬تفكيك‭ ‬المدرسة‭ ‬العمومية‮ ‬وتمرير‭ ‬سياسات‭ ‬معادية‭ ‬للحق‭ ‬في‭ ‬التعليم‭ ‬وحقوق‭ ‬العاملين‭ ‬فيه‭.‬
لهذا‭ ‬فشلت‭ ‬كل‭ ‬المخططات‭ ‬والإصلاحات،‭ ‬لأن‭ ‬الغاية‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬إصلاح‭ ‬المدرسة‭ ‬بل‭ ‬تهيئتها‭ ‬للخصخصة‭.‬
‮ ‬
نحو‭ ‬مدرسة‭ ‬ديمقراطية‭ ‬عمومية‭ ‬للجميع‮ ‬
الحل‭ ‬هو‭ ‬تغيير‭ ‬جذري‭ ‬في‭ ‬المنظومة‭ ‬التعليمية،‭ ‬نحو‭ ‬مدرسة‭ ‬ديمقراطية‭ ‬عمومية‭ ‬مجانية،‭ ‬تضمن‭ ‬التعلم‭ ‬الجيد‭ ‬والمنصف‭ ‬مدى‭ ‬الحياة،‭ ‬وتقوم‭ ‬على‭ ‬المرجعية‭ ‬الدولية‭ ‬لحقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬كما‭ ‬تدار‭ ‬بشكل‭ ‬ديمقراطي،‭ ‬وتكرس‭ ‬قيم‭ ‬المساواة‭ ‬والمواطنة‭.‬

كما‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يعاد‭ ‬القرار‭ ‬التربوي‭ ‬إلى‭ ‬الداخل‭ ‬الوطني،‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬تدخل‭ ‬المؤسسات‭ ‬المالية‭ ‬الدولية،‭ ‬وأن‭ ‬يخضع‭ ‬لحاجات‭ ‬المجتمع‭ ‬وتطلعاته‭.‬
 
عبد الله غميمط، الكاتب العام للجامعة الوطنية للتعليم، التوجه الديمقراطي