من الضروري الانتباه إلى الهجوم الشرس، سواء الدولي أو الداخلي، على المدرسة العمومية، رغم الأدوار المهمة التي لعبها التعليم في تحريك المجتمع وتأثيره في مستقبل الشعوب.
لكننا نلاحظ اليوم تراجعا في الاهتمام بقضايا التعليم، سواء من طرف القوى المناضلة أو المجتمع المدني، لأسباب متعددة، من بينها:
* ضعف التعبيرات الديمقراطية وتشتتها؛
* إصرار الدولة على التحكم في مجال التعليم؛
* ضعف المتابعة للتطورات التربوية عالميا؛
مما أدى إلى تراجع الوعي بخطورة التهديدات التي تطال المدرسة العمومية، وارتفاع نسب الأمية وصعوبة التفاعل المجتمعي مع هذا الموضوع.
الفوارق الاجتماعية وإعادة إنتاجها
واقع المنظومة التعليمية اليوم يعيد إنتاج الفوارق الاجتماعية بل ويوسعها، سواء بين الفقراء والأقل فقرا أو بين البادية والمدينة.
وقد أكدت لجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بالأمم المتحدة أن المغرب يعرف فعلا إعادة إنتاج لهذه الفوارق، ودعت الدولة إلى اتخاذ إجراءات ملموسة لضمان الحق في التعليم.
فالنظام التعليمي الحالي قائم على مدرسة عمومية ومدرسة خصوصية، ومع تفاقم الأزمات، فإن مؤشرات الجودة والتكافؤ تتراجع سنة بعد أخرى، مما يعمق الإقصاء الاجتماعي ويكرس النخبوية.
الدعوة إلى توحيد النظام التربوي
الحل، في نظري، هو توحيد النظام التربوي في بلادنا، من التعليم الابتدائي إلى التعليم العالي، بنظام واحد وسرعة واحدة. وهذا يتطلب إرادة سياسية حقيقية تقطع مع الإملاءات الخارجية للمؤسسات المالية الدولية.
نريد مدرسة عمومية موحدة ومجانية، يتعلم فيها أبناء جميع الطبقات الاجتماعية، يقلص فيها الفوارق بين المتفوقين انسجما مع شعار الأممية التربوية الذي انطلق سنة .1999
أما التعليم الخصوصي، فهو في رأيي سرطان ينخر جسد المدرسة العمومية ويهدد تماسك المجتمع، والحل الوحيد هو تأميم المدارس الخاصة، لتصبح جميعها عمومية ممولة من الدولة.
تسليع التربية والتعليم
كل الإصلاحات المتعاقبة على المنظومة التعليمية طغى عليها المنظور الليبرالي، الذي حول التعليم إلى سلعة، وجعل من التربية أداة لتكوين “الموارد البشرية” القابلة للتشغيل، بدل تكوين المواطن الحر.
تسليع التربية والتعليم
كل الإصلاحات المتعاقبة على المنظومة التعليمية طغى عليها المنظور الليبرالي، الذي حول التعليم إلى سلعة، وجعل من التربية أداة لتكوين “الموارد البشرية” القابلة للتشغيل، بدل تكوين المواطن الحر.
اليوم، أصبحنا أمام سوق حقيقية للتربية والتعليم، خصوصا في التعليم الخصوصي والعالي، حيث تدار المؤسسات كأنها مقاولات تجارية، يطلق مديروها على أنفسهم لقب الرئيس التنفيذي!
مسؤولية الدولة وفشل الإصلاحات
مسؤولية الدولة وفشل الإصلاحات
منذ برنامج التقويم الهيكلي، والدولة تطلق إصلاحا تلو الآخر (الميثاق الوطني للتربية والتكوين، البرنامج الاستعجالي، الرؤية الاستراتيجية...)، لكن جميعها فشلت لأنها حافظت على نفس المنظور النيوليبرالي. والخطاب الرسمي الذي ينتقد وضع التعليم يخفي حقيقة أن الدولة نفسها هي المسؤولة عن هذا التدهور.
لقد وفرت الدولة الأرضية المناسبة لضرب القطاع، عبر التشكيك في المدرسة العمومية وتبرير خوصصتها.
المدرسة العمومية والنضال الشعبي
نحن في الجامعة الوطنية للتعليم – التوجه الديمقراطي، ومعنا العديد من الفاعلين النقابيين والسياسيين والحقوقيين، قدمنا مرارا انتقادات ومقترحات إصلاحية واقعية، لكن دون جدوى، لأن الدولة تفرض اختياراتها على المجتمع والمدرسة.
النتيجة: كل سنة هناك حوالي 350 ألف تلميذ وتلميذة يغادرون النظام التعليمي، وملايين الشباب ضحايا لهذه السياسات. وحدها الطبقات الشعبية (العمال، الفلاحون، الحرفيون، الموظفون...) ومعهم القوى الديمقراطية والنقابات المناضلة، يمكن أن تشكل جبهة موحدة من أجل استرجاع المدرسة العمومية إلى حضن الشعب.
أبعاد الهجوم على المدرسة العمومية
الهجوم على المدرسة العمومية له بعدان: عالمي ومحلي:
عالميا: بسبب جشع الرأسمالية العالمية، التي ترى في المدرسة مجالا للربح.
محليا: لأن الطبقات السائدة في المغرب تعمل على تفكيك المدرسة العمومية وتمرير سياسات معادية للحق في التعليم وحقوق العاملين فيه.
عالميا: بسبب جشع الرأسمالية العالمية، التي ترى في المدرسة مجالا للربح.
محليا: لأن الطبقات السائدة في المغرب تعمل على تفكيك المدرسة العمومية وتمرير سياسات معادية للحق في التعليم وحقوق العاملين فيه.
لهذا فشلت كل المخططات والإصلاحات، لأن الغاية لم تكن إصلاح المدرسة بل تهيئتها للخصخصة.
نحو مدرسة ديمقراطية عمومية للجميع الحل هو تغيير جذري في المنظومة التعليمية، نحو مدرسة ديمقراطية عمومية مجانية، تضمن التعلم الجيد والمنصف مدى الحياة، وتقوم على المرجعية الدولية لحقوق الإنسان، كما تدار بشكل ديمقراطي، وتكرس قيم المساواة والمواطنة.
نحو مدرسة ديمقراطية عمومية للجميع الحل هو تغيير جذري في المنظومة التعليمية، نحو مدرسة ديمقراطية عمومية مجانية، تضمن التعلم الجيد والمنصف مدى الحياة، وتقوم على المرجعية الدولية لحقوق الإنسان، كما تدار بشكل ديمقراطي، وتكرس قيم المساواة والمواطنة.
كما يجب أن يعاد القرار التربوي إلى الداخل الوطني، بعيدا عن تدخل المؤسسات المالية الدولية، وأن يخضع لحاجات المجتمع وتطلعاته.
عبد الله غميمط، الكاتب العام للجامعة الوطنية للتعليم، التوجه الديمقراطي