Wednesday 15 October 2025
كتاب الرأي

بنسعيد الركيبي: العدمية السياسية وصفة جاهزة للإستسلام

بنسعيد الركيبي: العدمية السياسية وصفة جاهزة للإستسلام بنسعيد الركيبي
يختبئ بعضهم خلف مقولة جاهزة يرددونها بلا ملل: "كل المؤسسات مزيفة وتفتقد للشرعية". هذه الجملة وإن كانت تبدو في ظاهرها ثورية، لكنها في جوهرها ليست موقفا وطنيا ولا حتى سياسيا ناضجا،  لأنها تعكس حالة عجز فكري هو أقرب إلى الهروب من مواجهة الواقع بأدوات واقعية.
 
والتاريخ يعلمنا أن الإصلاح لا يتم في فراغ ولا عبر هدم الكيان المؤسساتي بدعوى زيفه وفساده ، وإنما عبر الصراع من داخله وتعديل قوانينه وصولا إلى إصلاح مساراته والضغط من أجل تجويده. أما العدمية التي تسوق على شكل حكمة، فهي في الحقيقة وصفة جاهزة للإستسلام، تمنح الخصوم الخارجيين ما يبحثون عنه، خطاب يفتت الداخل ويشكك في كل بناء مشترك.
 
فالوطنية لا تختبر فقط في رفع الشعارات، وإنما أيضا في لحظات الأزمة حين يلوح التكالب الخارجي، وحين يصبح صوتك متماهيا – بقصد أو بغير قصد – مع خطابات الأعداء. وهنا يسقط القناع ويصبح كل واحد منا أمام معادلة إما أن ننتصر لمنطق الدولة وندافع عن الاستقرار باعتباره شرطا لأي إصلاح، وإما أن نردد لازمة "كل شيء مزيف وفاسد " ليجد الواحد منا نفسه موضوعيا في خندق من يريدون تفكيك البلد.
 
إن النقد واجب وهو جوهر الديمقراطية، لكنه يجب أن يكون نقدا مسؤولا يستحضر المصلحة الوطنية، لا نقدا عدميا يحول صاحبه إلى بوق يائس. 
 
فليتذكر رافعو شعار "كل شيء فاسد ومزيف" أن الشعوب التي احترمت مؤسساتها وأصلحتها تدريجيا هي التي بنت مستقبلها. وأما الذين تاجروا بخطاب الزيف والفساد فقد أضاعوا أوطانهم ووجدوا أنفسهم بلا أرضية ولا بديل.