يجد سياسي القرب نفسه في وضع بالغ التعقيد، فهو الوجه المباشر للمؤسسات أمام المواطنين، والفاعل الأقرب إلى همومهم اليومية وانتظاراتهم المستعجلة. الساكنة تراه المسؤول الأول عن حل مشاكلها، وتمنحه شرعية اجتماعية نابعة من الثقة والتفويض الانتخابي.
غير أن هذه الشرعية الاجتماعية سرعان ما تصطدم بجدار الشرعية القانونية، حيث تفرض النصوص المنظمة والأنظمة الإدارية قيودًا صارمة على تحركاته، وتحاصر أي محاولة منه للابتكار أو الإبداع خارج المساطر الجامدة. وبدل أن يكون مبادرًا وفاعلا، يجد نفسه محصورًا في دور الوسيط أو الناقل للشكاوى.
هذا التناقض يولد مفارقة خطيرة: سياسي القرب يصبح في أعين المواطنين عاجزًا أو متقاعسًا، بينما تعتبره الإدارة في حال تجاوزه للقانون مغامرًا أو مخالفًا. وبين هذين الموقفين تتآكل الثقة في العمل السياسي المحلي، وتضيع الفرصة الحقيقية لتجسيد الديمقراطية في بعدها التنموي.
إن الخروج من هذا المأزق يتطلب مراجعة القوانين والمساطر بما يضمن سرعة الاستجابة ومرونة التدبير، مع تعزيز الشفافية والمحاسبة، حتى يتحرر سياسي القرب من جمود النصوص ويستعيد قدرته على التجاوب الخلاق مع انتظارات الساكنة. عندها فقط يمكن أن تتحول الديمقراطية المحلية من مجرد شعارات انتخابية إلى ممارسة فعلية تلامس حياة الناس اليومية.