Wednesday 27 August 2025
كتاب الرأي

محمد بوكرمان: نقطة نظام مبدئية.. حتى لا يصبح الصمت تحالفا موضوعيا مع المخططات الكولونيالية

 
محمد بوكرمان: نقطة نظام مبدئية.. حتى لا يصبح الصمت تحالفا موضوعيا مع المخططات الكولونيالية محمد بوكرمان
إن مناسبة اثارة هذه النقطة النظامية المبدئية، هي الحملة المنسقة والممنهجة البادية للعيان، والتي استهدفت وتستهدف وستستمر في استهداف أسس الدولة الوطنية المغربية.
وتستهدف على الخصوص، المؤسسات الدستورية، وحدة تراب المملكة، ومختلف المؤسسات الأمنية التي أثبتت قوتها ومهنيتها وكفاءتها ووطنيتها، والساهرة على تحقيق الأمن والاستقرار وحماية الوطن والمواطنين.
هاته الحملة الممنهجة، لا ترمي الى مجرد انتقاد أداء هاته المؤسسات، بشكل علمي وموضوعي وبما تتيحه ممكنات حرية الرأي والتعبير، بقدر ما تستهدف التشكيك في وطنية واعتبار ومهنية هاته المؤسسات.
والهدف هو ايهام الرأي العام بوجود صراعات وتناقضات بل دسائس بين مختلف هاته المؤسسات، لخلق جو من انعدام الثقة فيما بينها من جهة وفيما بينها والرأي العام الوطني من جهة أخرى.
 
إن أصل الأشياء، تكمن في أن المغرب ومنذ الاستقلال تم ابتزازه من طرف القوى الاستعمارية الكولونيالية الأوربية بالأساس، بقضية وحدته الترابية، بهدف ضمان استمرار الهيمنة الاقتصادية على مقدراته وعلى قراره الوطني.
إن المغرب أصبح، اما أمام خيار الاستمرار في الخضوع للمصالح الاقتصادية الكلاسيكية للقوى الأوربية وسياستها الابتزازية بقضية الوحدة الترابية لتأبيد سيطرتها واستغلالها، واما الانفلات من هذه الهيمنة بتحالف استراتيجي مع جديد تحكمه المصالح المتبادلة، حيث تم ترجيح الاختيار الثاني والذي أتى في اطاره الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء.
هذا التحول حكمه بالنسبة للمملكة المغربية، منطق المصلحة الوطنية، هذا المنطق الذي وفي الكثير من الحالات لا يتيح سوى خيارات محدودة، ليس بالضرورة أن يكون الاختيار مثاليا بشكل مطلق، لأن الاختيار المثالي غير متاح أصلا على طاولة المصالح الاقتصادية والسياسية والجيواستراتيجية التي تحكم العلاقات الدولية.
ومن هنا يجب فهم أن الأزمة الحادة التي حدثت سابقا مع كل من فرنسا وإسبانيا وألمانيا، والتي تظهر على السطح تارة وتخفت تارة أخرى، وكما برزت وتبرز الان مع فرنسا بأدوات إعلامية، حكمتها وستحكمها التطورات والمستجدات المتعلقة بالصراع على مناطق النفوذ وعلى المصالح الاستراتيجية حول المغرب خاصة وافريقيا عامة.
ذلك أن السياسة الخارجية للمملكة لم تقطع وبشكل نسبي، فقط مع الهيمنة الكولونيالية الأوربية على الاقتصاد الوطني، بل أصبحت تنافس بشكل فعلي هاته الهيمنة الكولونيالية حتى على المستوى الافريقي، وهو ما تجلى مؤخرا بقرار كل من مالي والنيجر حول ربط عملاتهما الوطنية بالعملة المغربية عوض العملة الفرنسية.
هذا التحول بحسابات المصالح الاقتصادية والجيوسياسية، كان وأصبح الخاسر الأكبر فيه هو الإتحاد الأوربي مجسدا في القوى الاستعمارية الكلاسيكية، والتي تخسر مناطق نفوذها وهيمنتها ليس فقط في مستعمراتها السابقة، بل حتى في عقر دارها كما يحصل اليوم في الأزمة الأوكرانية، التي تتم تسويتها بمنطق المصالح المتبادلة بين الولايات المتحدة من جهة وروسيا من جهة أخرى في تهميش مطلق لأي دور أوروبي وفرنسي بالأساس.
ذلك أن الولايات المتحدة الأمريكية وفي صراعها الجيوستراتيجي بعمقه الاقتصادي بالأساس، تخوض معركة حياة أو موت على النفوذ العالمي مع الصين أولا، وروسيا والهند ثاني، والاتحاد الأوربي ثالثا، أما الباقي فهي مناطق صراع حول النفوذ بين هاته القوى بما فيها الشرق الأوسط وشمال افريقيا.
وما حدث ويحدث في هاته المنطقة، بداية من العراق مرورا بليبيا والسودان واليمن وسوريا ولبنان ومع ايران، هي جزء من هذا الصراع الاستراتيجي، الذي نبقى فيه جميعا مجرد ساحة ومناطق صراع، حول من سيستأثر بالنفوذ فيها من القوى الكبرى الكلاسيكية والصاعدة، وفي أحسن الأحوال لا نملك الا أن نعرف ونعي بميزان من الذهب أين نتموقع في ظل هذا الصراع بمنطق براغماتي حفاظا على كياناتنا الوطنية.
والمغرب بموقعه الجيوستراتيجي، وباعتباره تاريخيا منطقة نفوذ كلاسيكية للاتحاد الأوربي وفرنسي بالأساس، وباعتباره مركز تنافس مع الفاعل الصيني، ونظرا لثرواته الحيوية الجديدة، سيشكل محورا مركزيا استراتيجيا للولايات المتحدة الأمريكية، ليتبين ان هذه الأخيرة لعبت وبذكاء استراتيجي لعبة المصالح المتبادلة مع المغرب، بقرارها الاستراتيجي الاعتراف بمغربية الصحراء، باعتباره مدخلا لحسم الصراع على النفوذ بالمنطقة مع القوى الدولية المنافسة.
لذلك فقد كان مخطئا كل من ظن أو اعتقد ان الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء في البداية، كان مجرد تغريدة متهورة للرئيس دونالد ترامب آنذاك، حيث وعلى العكس من ذلك كانت وبالفعل، وهذا ما تبين بعد ذلك، قرارا استراتيجيا للدولة الأمريكية تتحكم فيه بالأساس اعتبارات مصالحها الاستراتيجية ويؤطره منطق المصالح المتبادلة.
هذا التحول كان وأصبح الخاسر الكبير فيه أيضا، بالإضافة الى القوى الغربية الكولونيالية التقليدية، النظام الجزائري الذي جعل من جمهورية الوهم ومن أسطورة الشعب الصحراوي رهانا وجوديا لسياسته الداخلية والخارجية على السواء، والذي سيفقد بهذا التحول أحد مبررات وأحد مرتكزات وجوده.
لذلك شهدنا ونشهد وسنبقى نشهد، ردود أفعال قوية من القوى الخاسرة في هكذا تحول استراتيجي في المنطقة، حيث ستستعمل فيها جميع الأسلحة، من الضغوط الإعلامية والسياسية والاقتصادية والركوب على القضايا الحقوقية،
واستهداف المؤسسات الدستورية باعتبارها رمزا للوحدة والقوة الوطنية، واستهداف مختلف المؤسسات الأمنية الوطنية التي تشكل عناصر المناعة في تحقيق الاستقرار والأمن في مواجهة المخططات الخارجية وأدواتها الإقليمية والمحلية.
وهو ما تجدد في الآونة الأخيرة، من خلال الحملات الإعلامية المغرضة، وأبرزها حملة "جريدة لوموند الفرنسية" وما يسمى ب "موقع جبروت" وحملات بعض "الأقلام المأجورة" بمنفاها الاختياري، وكلها أدوات واليات وأقلام مأجورة، من المراكز الكولونيالية التي فقدت هيمنتها المطلقة على مصالحها الاقتصادية والجيوسياسية بالمغرب وافريقيا على السواء.
وهو ما يستلزم على الدولة المغربية، مواجهة هذه التحديات المتجددة باستمرار، بمأسسة عناصر التعبئة للقوة الداخلية بمنطق الدولة الوطنية من جهة، والخبرة والحنكة الديبلوماسية الرسمية والموازية والشعبية على السواء من جهة أخرى، فضلا على تعزيز عناصر وقوة التحالفات الدولية المرتكزة على منطق المصالح المتبادلة من جهة أخيرة.
في نفس الان الذي يستلزم هذا الوضع الموسوم بهذه التحديات ذات الطبيعة الوطنية، التفاف جميع القوى المدنية والسياسية والشعبية ببلادنا، حول الموقف الوطني الذي يجعل مصلحة الوطن فوق أي اعتبار، في مواجهة المخططات الكولونيالية التي تستهدف الدولة الوطنية، وذلك بغض النظر عن الاختلافات الطبيعية حول مجمل القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والحقوقية الداخلية.
وأن الدرس الوطني، يستلزم من بعض القوى والفعاليات الوطنية، القطع مع منطق الخلط بين الموقف الوطني من جهة والموقف الديمقراطي من جهة ثانية والمواقف من السياسات الاقتصادية والاجتماعية والحقوقية من جهة أخرى، هذا الربط الشرطي والاستلزامي بين هذه المستويات الوطنية والديمقراطية والاقتصادية والاجتماعية والحقوقية الذي كان ولا زال وسيبقى كمبرر تقليداني طفولي لدى هذا "البعض" للتهرب من التزامات المواطنة الفاعلة والتي تفرض على الجميع الالتفاف حول مختلف القضايا الوطنية.
وهو ما يقتضي ضرورة الوعي الجماعي الوطني، بأن الاختلاف حول القضايا الداخلية المرتبطة بالديمقراطية وحقوق الانسان من جهة وحول السياسات الاقتصادية والاجتماعية من جهة ثانية وحتى حول التكتيكات الديبلوماسية من جهة أخرى، لا يجب أن يؤدي بالبات والمطلق الى التقاعس على الالتفاف حول قضايا السيادة والتحرير ووحدة التراب والتصدي لمختلف السياسات الكولونيالية التي تستهدف أسس الدولة الوطنية.
إذا كان هذا هكذا، وهو في اعتقادنا كذلك، فالمطلوب، هنا والآن، ومستقبلا، وبشكل دائم، منا جميعا، دولة ومجتمعا، أحزابا سياسية ونقابات وجمعيات، وفاعليات واعلام، اليقظة الدائمة، وإعلان وعينا الجماعي بطبيعة هاته الاستهدافات، والتصدي لها كل من موقعه، حتى لا يتحول صمتنا الى تحالف موضوعي مع المخططات الكولونيالية التي تستهدف الدولة الوطنية.