Wednesday 27 August 2025
كتاب الرأي

جمال الدين ريان: مغاربة العالم بين نص الدستور وإرادة التعطيل

 
جمال الدين ريان: مغاربة العالم بين نص الدستور وإرادة التعطيل جمال الدين ريان
منذ الخطاب الملكي لـ 9 مارس 2011 وما تلاه من اعتماد دستور جديد، ساد شعور عميق لدى مغاربة العالم بأن مرحلة جديدة قد بدأت، مرحلة ستعترف أخيرًا بحقوقهم الدستورية والسياسية الكاملة، وتفتح أمامهم أبواب المساهمة في صياغة مستقبل الوطن. فقد نصت الفصول 17 و18 و30 بوضوح على ضمان مشاركة المغاربة المقيمين بالخارج في الانتخابات، وعلى إشراكهم في مؤسسات الحكامة والتنمية، بما يجعلهم مواطنين كاملي الحقوق لا مجرد رعايا عن بُعد.
 
لكن، وبعد مرور أكثر من عقد على إقرار الدستور، ما زالت تلك النصوص تُراوح مكانها، وكأنها حبر على ورق. والسبب لا يعود إلى عائق وحيد، بل إلى شبكة من العراقيل السياسية والإدارية واللوجستيكية، التي تكشف في العمق عن غياب إرادة سياسية حقيقية.
 
أول هذه العراقيل يتمثل في الحكومات المتعاقبة، التي لم تُبدِ أي جدية في إخراج قوانين تنظيمية واضحة تُمكّن مغاربة العالم من ممارسة حقوقهم الانتخابية. بل إن خطابات التطمين والوعود بقيت حبيسة التصريحات الإعلامية دون ترجمة عملية.
 
أما البرلمان والأحزاب السياسية، فغالباً ما ينظران إلى مشاركة الجالية من زاوية حسابات ضيقة. بعضهم يختبئ وراء مبررات تقنية، كصعوبة تنظيم الانتخابات أو تدبير اللوائح بالخارج، فيما الحقيقة أن دولاً أقل إمكانيات من المغرب نجحت في تمكين جالياتها من التصويت والتمثيلية. إن الأمر، في جوهره، ليس عجزًا تقنيًا، بل خوف سياسي من قوة وتأثير الصوت الانتخابي لمغاربة العالم.
 
يضاف إلى ذلك اعتبارات لوجستيكية وإدارية يتم تضخيمها بشكل متعمد، لتُستعمل كذريعة جاهزة لتأجيل أي خطوة عملية نحو التفعيل. غير أن التجارب المقارنة تؤكد أن ما يُطرح كـ"عائق" ليس سوى أداة لتعطيل الإصلاح.
 
الحقيقة التي يجب قولها بصراحة هي أن الإرادة السياسية غائبة. فلو توفرت، لتم تنزيل الفصول الدستورية في آجال معقولة، ولأصبح لمغاربة العالم نواب يمثلونهم في البرلمان، ومقاعد داخل مؤسسات الحكامة، ومكانة طبيعية في كل السياسات العمومية.
 
إن مغاربة العالم ليسوا مجرد "خزان تحويلات مالية"، بل هم رافعة استراتيجية للتنمية، وذراع دبلوماسي مكمّل لقوة المغرب الناعمة. إن تهميشهم السياسي يُعتبر خطأً استراتيجيًا يضيع على الوطن فرصًا هائلة للتحديث والدمقرطة والانفتاح.
 
 إن تعطيل تنزيل فصول دستور 2011 الخاصة بمغاربة العالم ليس قدرا محتوما، بل هو نتيجة مباشرة لسياسات التماطل وحسابات ضيقة لبعض الفاعلين. ولا سبيل لتصحيح الوضع إلا بجرأة سياسية حقيقية، تعترف بأن حقوق المواطنة لا تُجزأ، وأن مغاربة الخارج ليسوا أقل شأنا من مواطني الداخل. إن كرامة الوطن في تكامل أبنائه جميعًا، هنا وهناك.