Wednesday 27 August 2025
كتاب الرأي

محمد بوبوش: فرنسا والاعتراف بـ "دولة فلسطين".. تحوّل دبلوماسي أم خطوة رمزية؟

 
 
محمد بوبوش: فرنسا والاعتراف بـ "دولة فلسطين".. تحوّل دبلوماسي أم خطوة رمزية؟ محمد بوبوش

 

في خطوة غير مسبوقة، أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يوم 24 يوليو 2025 أن بلاده ستعترف رسميًا بدولة فلسطين خلال أشغال الجمعية العامة للأمم المتحدة المقررة في سبتمبر 2025. القرار، الذي يأتي في سياق متغيرات دولية وإقليمية معقدة، يفتح الباب أمام تساؤلات جوهرية حول دوافعه، آثاره، وإمكاناته الفعلية في إعادة تشكيل ملامح الصراع الفلسطيني الإسرائيلي من منظور القانون الدولي والدبلوماسية متعددة الأطراف.

أولًا: الخلفيات الدبلوماسية للقرار الفرنسي

سياسة فرنسا تجاه القضية الفلسطينية تتميز بمحاولة تحقيق توازن بين دعم حل الدولتين واستمرار العلاقات مع إسرائيل. فرنسيا تدعو إلى استئناف المفاوضات بين الطرفين وتعتبر أن الحل السياسي هو السبيل لإنهاء النزاع، مع التأكيد على ضرورة احترام حقوق الفلسطينيين وتثبيت موقف ضد التصعيد والعنف. فرنسا تعبر عن دعمها لإقامة دولة فلسطينية مستقلة على أساس حدود 1967، وتؤكد على أهمية حل عادل وشامل يضمن حقوق الجميع.

1-وزن فرنسا كعضو دائم بمجلس الأمن: فرنسا، باعتبارها عضوًا دائمًا في مجلس الأمن، تمتلك وزنًا معنويًا وسياسيًا كبيرًا في منظومة الأمم المتحدة. وعلى الرغم من مواقفها السابقة التي اتسمت بالتوازن النسبي تجاه الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، فإن هذا الاعتراف المرتقب يكرّس تحولًا واضحًا في نهجها التقليدي. فوفق ما ورد في تصريح ماكرون، فإن الاعتراف يأتي "وفاءً بالتزام فرنسا التاريخي تجاه سلام عادل ودائم في الشرق الأوسط"، مما يعكس رغبة في إعادة التموضع كفاعل دبلوماسي مستقل عن الضغوط الأطلسية والإسرائيلية.

2-إحياء حل الدولتين: لطالما كانت فرنسا داعمة لحل الدولتين كسبيل وحيد لسلام دائم في الشرق الأوسط. الاعتراف بالدولة الفلسطينية يعتبر خطوة نحو ترسيخ هذا الحل، في وقت يبدو فيه الحل الدبلوماسي بعيد المنال أكثر من أي وقت مضى. ماكرون يؤكد أن هذا الاعتراف يهدف إلى "ضمان قابلية استمرارها" و "المساهمة في أمن الجميع في الشرق الأوسط" من خلال قبول تجريدها من السلاح والاعتراف الكامل بإسرائيل.

ثانيًا: السياق التاريخي والسياسي

1-الاعتراف الدولي بدولة فلسطين

منذ عقود يبذل الفلسطينيون مجهودات في سبيل الحصول على الاعتراف بدولتهم كعضو داخل المجتمع الدولي. بدأت حركة الاعتراف الدولي بدولة فلسطين بشكل رسمي في نوفمبر 1988، عندما أعلن المجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر قيام دولة فلسطين، مع القدس الشرقية عاصمة لها. بحلول نهاية 1988، اعترفت 78 دولة بالدولة الفلسطينية، بما في ذلك معظم الدول العربية والصين والهند وتركيا. وفي عام 2012، حصلت فلسطين على صفة دولة مراقبة غير عضو في الأمم المتحدة بقرار الجمعية العامة 67/19 بأغلبية 138 صوتًا مقابل 9، مما عزز مكانتها القانونية الدولية. حتى يونيو 2025، اعترفت 147 دولة من أصل 193 دولة عضو في الأمم المتحدة بدولة فلسطين، أي ما يقارب 75% من أعضاء الأمم المتحدة.

ومع ذلك، ظل الاعتراف من الدول الغربية الكبرى، مثل الولايات المتحدة وألمانيا والمملكة المتحدة، مشروطًا بالتوصل إلى اتفاق تفاوضي مع إسرائيل بناءً على مبدأ حل الدولتين. هذا الموقف تغير تدريجيًا مع اعتراف دول أوروبية مثل السويد (2014)، وإسبانيا، أيرلندا، النرويج، وسلوفينيا (2024)، مما مهد الطريق لقرار فرنسا لتحذو حذو الدول الأوروبية.

2-التحول في الموقف الفرنسي

تاريخيًا، دعمت فرنسا حل الدولتين، لكنها كانت تتردد في الاعتراف الأحادي بدولة فلسطين، مشروطةً ذلك بالمفاوضات المباشرة بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية. في فبراير 2024، أشار ماكرون إلى أن الاعتراف بدولة فلسطين "ليس من المحرمات"، مما أعطى إشارة مبكرة إلى تغير في السياسة الفرنسية. إعلان يوليو 2025 جاء في سياق متسارع، مدفوعًا بالعدوان الإسرائيلي المستمر على غزة، الذي أدى إلى أكثر من 203 آلاف شهيد فلسطيني، معظمهم من الأطفال والنساء، وتفاقم الأزمة الإنسانية، بما في ذلك المجاعة في القطاع. هذا الوضع عزز الضغوط الدولية والداخلية على فرنسا لاتخاذ موقف أكثر حسمًا.

كما شهدت التوترات بين طهران وإسرائيل ذروتها في منتصف يونيو 2025، خلال حرب الـ 12 يومًا. ولا يزال الاعتراف من قبل الرياض بالدولة العبرية في انتظار تحقيقه. لقد لوحظ تقارب بين البلدين لعدة سنوات، دون ترجمة ملموسة في دبلوماسيتهما. لكن في الأشهر الأخيرة، أصبحت آفاق تطبيع العلاقات بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل تتراجع أكثر فأكثر. لكن الأكيد أن هجوم 7 أكتوبر هو الذي أعاد القضية الفلسطينية إلى صدارة الساحة الدبلوماسية الدولية؛ ويمكن القول أيضاً إن عدم اهتمام المجتمع الدولي بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني -الذي توقفت فرنسا نفسها عمليا عن الاهتمام به منذ عام 2017 - هو الذي خلق الظروف للاعتداء في 7 أكتوبر.

يأتي الموقف الفرنسي بعد سلسلة من الاعترافات الأوروبية المهمة، من بينها إسبانيا، إيرلندا، والنرويج، وهو ما يعبّر عن تحوّل تدريجي في المزاج السياسي داخل الاتحاد الأوروبي. الحرب الأخيرة على غزة، والتي شهدت سقوط عدد هائل من الضحايا المدنيين، أدت إلى تصاعد التضامن الشعبي والضغط البرلماني داخل أوروبا للاعتراف بالدولة الفلسطينية.

3-عودة فرنسا إلى السياسة الشرق أوسطية: يأتي هذا الاعتراف في وقت يعاني فيه ماكرون داخليًا من أزمة سياسية خانقة، بعد أن فقد أغلبيته البرلمانية وأُذلّ سياسيًا من قبل خصومه من جهة أخرى، فإن القرار الفرنسي يعكس أيضًا محاولة لاستعادة نفوذ باريس في الشرق الأوسط بعد أفول دورها في إفريقيا، في ظل التراجع الواضح لدورها لصالح واشنطن، موسكو، وبدرجة متزايدة أنقرة. هذا الاعتراف قد يكون محاولة لملء الفراغ وإعادة بناء شبكة علاقات استراتيجية مع العالم العربي، خصوصًا مع دول شمال إفريقيا والخليج. لذلك يمكن القول أن ما يوجه باريس، لأن الحرب في غزة لا تزال في أيدي ثلاثة أطراف، إسرائيل، وحركة حماس، والولايات المتحدة، غير أن أيا من هذه الأطراف الثلاثة لا يبدو مستعدا لإنهاء الصراع.

4-ضم صوت فرنسا إلى صوت الجنوب العالمي

في عام 2024، أعلنت ثلاث دول من أوروبا الغربية وهي النرويج وإسبانيا وإيرلندا اعترافها الرسمي بدولة فلسطين، لتنضم بذلك إلى قائمة من العواصم الأوروبية التي اتخذت هذه الخطوة مسبقاً. يُشار إلى أن أكثر من 140 دولة من أصل 193 عضو في منظمة الأمم المتحدة تعترف حالياً بدولة فلسطين. في هذا السياق، يبدو أن قرار إيمانويل ماكرون يمثل "مراجعة" لجهود الدبلوماسية الفرنسية التي لم تنجح في معالجة هذا الملف، كما يوضح عادل بكوان. ومن خلال هذا التغيير في الاستراتيجية، تهدف باريس إلى أن تتخذ موقعاً محورياً في قلب "الجنوب العالمي".

في نهاية شهر يوليو 2025، انتشرت صور لأطفال رضع في غزة يعانون من الجوع في جميع أنحاء العالم. ووفقًا لمنظمة العفو الدولية، فإن استمرارية إسرائيل في استخدام التجويع كأداة حرب تعتبر جريمة حرب، وقد طالبت المنظمة الحكومة الفرنسية في 26 يوليو بضرورة التحول من الأقوال إلى الأفعال. ولم يعد هذا الرأي مقتصرًا على المنظمات الإنسانية فقط، فقد أعرب دونالد ترامب، الذي يمثل الولايات المتحدة الداعمة لإسرائيل، في 28 يوليو عن شعوره بوجود "مجاعة حقيقية" في غزة بعد جهود كبيرة مارسها قادة الدول الأوروبية بضرورة ضغط واشنطن على إسرائيل لإدخال المساعدات الإنسانية للقطاع. ويبدو أنه بالنسبة لفرنسا، قد تمثل المجاعة لحظة تحول وتخلق شعورًا بأن "الأمر قد بلغ مداه".

ثالثًا: الأبعاد القانونية والسياسية للاعتراف

  1. الأساس القانوني للاعتراف: من منظور القانون الدولي، يُعدّ الاعتراف بالدولة من طرف دولة عضو في الأمم المتحدة فعلًا سياديًا، يخضع لتقدير كل دولة على حدة، لكنه يكتسب أهمية خاصة إذا ما جاء من عضو دائم في مجلس الأمن. ويستند الفلسطينيون في مطالبهم للاعتراف إلى القرار 181 الصادر عن الجمعية العامة سنة 1947، وقرارات لاحقة تؤكد حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير.

إن الالتزام بالقيم التي طالما زعمت باريس أنها تدافع عنها، من بينها دعم الطموحات المشروعة للفلسطينيين في حقهم في تقرير المصير على الأراضي التي احتلتها إسرائيل بالقوة منذ عام 1967، هو ما أدى إلى اتخاذ هذا القرار. ومع أن فرنسا سبق أن أيدت الاعتراف بفلسطين كدولة غير عضو في الأمم المتحدة سنة 2012، فإن الاعتراف الحالي يمثّل تصعيدًا مهمًا باتجاه الاعتراف الكامل بعضوية الدولة الفلسطينية. كما أن الاعتراف لم يكن ناتجاً عن تعاطف مع حماس، بل كان ردة فعل مباشرة تجاه "طريقة إسرائيل في تنفيذ حربها على غزة وفشلها في السيطرة على الاستيطان غير القانوني في الضفة الغربية".

غير أن هذا الاعتراف، حتى وإن تحقق، لن يغير تلقائيًا من الوضع القانوني على الأرض ما لم يُرفق بإجراءات ملزمة لوقف الاحتلال الإسرائيلي.

  1. تعزيز المكانة القانونية الفلسطينية: وفقًا للقانون الدولي، وضعت اتفاقية مونتيفديو عام 1933 أربعة شروط للاعتراف بدولة ذات سيادة: عدد السكان الدائمين، وحدود محددة ، وحكومة فعالة ، والقدرة على إقامة علاقات دولية. معايير موضوعية لا تشمل اعتراف دول أخرى كشرط مسبق لوجود الدولة حقًا. بمعنى آخر، فإن وجود الدولة قانونيًا مستقل عن اعتراف الدول الأخرى بها. وفي مايو من عام 2024، أيّدت الجمعية العامة للأمم المتحدة بأغلبية ساحقة مسعى فلسطينياً لصالح اعتبار فلسطين مؤهلة لعضوية كاملة في المنظمة الدولية، ودعت مجلس الأمن إلى "إعادة النظر في الأمر بشكل إيجابي". وقد حصل القرار على تأييد 143 دولة مقابل اعتراض 9 فقط.

الاعتراف الفرنسي يمنح فلسطين طابعًا رسميًا ككيان قانوني، مما يتيح لها المطالبة بحقوقها أمام المحاكم الدولية، مثل محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية. هذا يعزز قدرة السلطة الفلسطينية على رفع دعاوى قانونية ضد انتهاكات الاحتلال.

  1. تكريس مركزية القضية الفلسطينية في الأجندة الدولية، وتعزيز موقعها القانوني كدولة تحت الاحتلال. كما قد يشجع دولًا أخرى، خصوصًا في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، على اتخاذ خطوات مماثلة، وهو ما من شأنه أن يعزز الزخم باتجاه تسوية عادلة وشاملة.
  2. البعد الرمزي والرسائل السياسية: الولايات المتحدة وإسرائيل عملتا ما بوسعهما لمنع فلسطين من الانضمام للمنظمة، لكن المنظّمة أصدرت قرارا تاريخياّ في 31 أكتوبر 2011 بقبول عضويّة فلسطين كدولة فيها رغم رفض إسرائيل ومعارضة الولايات المتحدة وبريطانيا وبعض الدول الغربية التي رأت أن قبول فلسطين يضر بمصالح اسرائيل، ويمهد الطريق لاعتراف العالم بحقوق شعب فلسطين وبالدولة الفلسطينية في الأمم المتحدة والمنظمات المتفرّعة عنها.

لكن هذاالاعتراف يحمل بعدًا رمزيًا مهمًا، خصوصاً مع بروز فرنسا كأهم دولة غربية أوروبية تتخذ هذه الخطوة، إضافة إلى إرسال رسائل داخلية لليهود الفرنسيين وللإنسانية والأمن الإسرائيلي، تفيد بأن الموقف الفرنسي يسعى للتوازن بين دعم الفلسطينيين والدفع نحو التسوية السياسية.

رابعا: التداعيات المحتملة على مسار القضية الفلسطينية

سيكون للاعتراف الفرنسي المحتمل تداعيات على المستوى الدولي والإقليمي:

  1. على المستوى الدولي:

-زخم دولي متوقع: هناك تحولا نوعيًّا قد بدأ على الساحة الدولية وخصوصا الأوروبية، منتقلا من الشارع ومواقف القوى والأحزاب والشعوب عمومًا ليصل إلى من هم في سدة الحكم، وهذا التحول طبيعي وينسجم مع ما آلت إليه الأمور في فلسطين المحتلة، بعد طوفان الأقصى وما آلت إليه الأوضاع بفعل جرائم الإبادة المرتكبة ضد المدنيين من أبناء الشعب الفلسطيني بمعنى أن حيث نجحت المقاومة الفلسطينية في فرض وقائع جديدة لهؤلاء الحلفاء التقليديين لدولة العدو".

وتتمثل تلك الوقائع التي فرضتها المقاومة في إثبات أن الاحتلال الإسرائيلي هو "القاتل وليس الضحية"، إضافة إلى تفنيد "أكذوبة" أن (إسرائيل) "واحة الديمقراطية، وإثبات أنها نظام تسعفي ديكتاتوري" والجيش الذي لايقهر.

من المتوقع أن يُشجع الاعتراف الفرنسي بدولة فلسطين دولًا أوروبية أخرى، مثل مالطا ولوكسمبورغ وبلجيكا، على اتخاذ خطوات مماثلة، مما قد يزيد الضغط على إسرائيل للعودة إلى طاولة المفاوضات. في هذا السياق، حملت أصوات إسرائيلية حكومة بنيامين نتنياهو مسؤولية الاعترافات السابقة من دول مثل النرويج وأيرلندا وإسبانيا، واصفة إياها بأنها تعزز الرواية الفلسطينية وتُشكل "ضربة دبلوماسية" غير مسبوقة لتل أبيب.

إلى جانب فرنسا، انضمت كندا وأستراليا، العضوان في مجموعة العشرين، إلى الدعوة للاعتراف بالدولة الفلسطينية. كما وقّعت دول أخرى على هذه الدعوة، وهي أندورا، فنلندا، أيسلندا، أيرلندا، لوكسمبورغ، مالطا، نيوزيلندا، النرويج، البرتغال، سان مارينو، سلوفينيا، وإسبانيا. ومن بين هذه الدول، أعربت تسع دول لم تعترف بعد بفلسطين، وهي أندورا، أستراليا، كندا، فنلندا، لوكسمبورغ، مالطا، نيوزيلندا، البرتغال، وسان مارينو، عن "استعدادها أو اهتمامها الإيجابي" بالاعتراف بالدولة الفلسطينية.

وتعتزم كندا الاعتراف رسمياً بدولة فلسطين خلال الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، المقرر عقدها في سبتمبر المقبل. وتأتي هذه الخطوة، التي تمثل تحولاً في موقف أوتاوا، كضرورة حتمية لإنقاذ حل الدولتين. ومع ذلك، فإن الاعتراف الكندي مشروط بعدة إصلاحات أساسية. من أبرز هذه الشروط التزامات السلطة الفلسطينية بإجراء إصلاحات شاملة في الحوكمة وتنظيم انتخابات عامة في عام 2026، مع التأكيد على عدم مشاركة حركة حماس فيها. بالإضافة إلى ذلك، تشترط كندا نزع سلاح الدولة الفلسطينية المستقبلية.

بالنسبة لألمانيا، فيذكر أن السياسة الألمانية تجاه القضية الفلسطينية ترتبط بانحياز ملحوظ لإسرائيل، يفوق ما تتبناه سياسة الاتحاد الأوروبي عمومًا أو دول أوروبية كبرى مثل فرنسا. لذا، يسعى الساسة الألمان لتحقيق توازن من خلال تعزيز العلاقات الاقتصادية مع الدول العربية، وتقديم دعم مالي واقتصادي كبير للسلطة الفلسطينية، حيث تُعد ألمانيا من أكبر المانحين للفلسطينيين. في الوقت ذاته، تملك ألمانيا مصالح تجارية واقتصادية مع الدول العربية، فتسعى لضمان استمرار الوصول إلى مصادر الطاقة وزيادة صادراتها إلى أسواق المنطقة. كما تتجلى سياستها في الاهتمام المتزايد بالدخول الحر إلى أسواق المنطقة، خاصة في منطقة الخليج، لتأمين مصادر الطاقة وتوسيع نطاق تجارتها.

وقبل زيارته لإسرائيل، أشار وزير الخارجية الألماني يوهان فاديفول في بيان إلى أن مؤتمر الأمم المتحدة الأخير بشأن حل الدولتين في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني يكشف عن "تزايد عزلة إسرائيل دوليًا". وأضاف يوم الخميس، 31 يوليو 2025، أن الأزمة الإنسانية في قطاع غزة، إلى جانب مساعي بعض الدول للاعتراف بدولة فلسطينية، تُسهم في تفاقم العزلة الدبلوماسية لإسرائيل. مؤكدا أن "الاعتراف بدولة فلسطينية ينبغي أن يكون في ختام" عملية التفاوض حول حل الدولتين. ولكنه أضاف بصوت أكثر حدة أن "هذه العملية يجب أن تبدأ على الفور"، وأن "ألمانيا ستتحتم عليها أيضا معالجة أي خطوات أحادية". وأوضح أنه بالنسبة لألمانيا، يجب أن يكون الاعتراف بدولة فلسطينية نتيجة نهائية لعملية سياسية وليس إجراءً سابقاً لأوانه. تسعى ألمانيا من وراء هذه التصريحات إلى تحقيق هدفين:

-تحذير إسرائيل من ضم الضفة الغربية بعد تصويت الكنيسيت على قرار غير ملزم بهذا الأمر، وفي ضوء عدم توقع إقدام إسرائيل على هذه الخطوة فإنه لايرجح قيام ألمانيا بخطوة الاعتراف الآن.

-تخفيف الضغوط التي تتعرض لها في ظل عدم تحركها جديا إزاء الكارثة الإنسانية في غزة.

2. على المستوى الإقليمي:

-تأثير على العلاقات الفرنسية-الإسرائيلية: القرار قد يؤدي إلى توتر في العلاقات مع إسرائيل، خاصة مع تهديدات إسرائيلية بردود مثل إغلاق القنصلية الفرنسية في القدس. حيث أثار القرار غضب الحكومة الإسرائيلية، ووصفه نتنياهو بأنه "مكافأة للإرهاب" وتهديد وجودي لإسرائيل، معتبرًا أن الدولة الفلسطينية ستكون "دولة حماس". اقترح اليمين الإسرائيلي ردودًا مثل ضم الضفة الغربية، إغلاق القنصلية الفرنسية في القدس، وتشجيع هجرة اليهود الفرنسيين إلى إسرائيل...لكن الأهم من الاعتراف هو ربطه بخطة سياسية شاملة تضع حدًا للجمود، وتستثمر هذا التحوّل الرمزي في دعم مبادرات السلام العادلة، وفرض احترام قرارات الشرعية الدولية.

-العلاقات الإسرائيلية مع الاتحاد الأوروبي: الاعتراف بالدولة الفلسطينية قد يؤدي إلى تأثيرات سلبية على العلاقات الدبلوماسية بين إسرائيل والاتحاد الأوروبي، وقد يشكل عقبة أمام التعاون في مجالات التجارة والاقتصاد والصناعة والأكاديمية. فالاعتراف الفرنسي قد ينعكس على اتفاقاتها مع الدولة العبرية. على سبيل المثال، إذا كان أحد جوانب التجارة يدعم إسرائيل أو يساهم في انتهاكها لحقوق دولة فلسطين، فعلى الدولة المعترفة بفلسطين وقف هذا النشاط التجاري. كما أن هذا الاعتراف يوفر أرضية لزيادة الضغط من المجتمع المدني والمشرعين في الدولة المعترفة لتعديل السياسات بما يتماشى مع متطلبات أخرى. وعلى الرغم من أن الدولة المعترفة بفلسطين ليست ملزمة بقطع كل التعاملات التجارية مع إسرائيل، فإن استيراد المنتجات الزراعية من مستوطنات في الأراضي المحتلة يُعتبر غير قانوني وفقاً لحكم استشاري أصدرته محكمة العدل الدولية العام 2024، والذي أكد أن الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية ينتهك حظر الاستيلاء على الأراضي.

خامسا: التحديات والقيود

رغم البعد الرمزي والسياسي القوي للقرار الفرنسي، إلا أن فعاليته تبقى رهينة عدة تحديات

  1. شروط الاعتراف الفرنسي: تعتبر شروط الاعتراف الفرنسية ذات طبيعة معقدة، حيث ترتبط بمواقف إقليمية، خصوصاً من خلال الربط بين الاعتراف واعتراف بعض الدول العربية، مثل السعودية، بإسرائيل. مما يجعل هذا الاعتراف بمثابة أداة دبلوماسية مؤقتة بدلاً من كونه قراراً نهائياً مستقلاً. ويعكس هذا الشرط جهود فرنسا في تحقيق توازن بين دعم القضية الفلسطينية والحفاظ على علاقات جيدة مع إسرائيل والمجتمع الدولي.

وجود شروط معقدة مثل ربط الاعتراف بقبول الدول العربية الكبيرة لإسرائيل، يُقلل من فرص تحقيق هذا القرار بسرعة وبشكل مستقل. كما أن الاعتراف الجزئي والمتعلق بقضايا الأمن والاستقرار يبين الحدود الممكنة لنجاح هذه الخطوة في الوقت الراهن.

  1. انعدام أركان "الدولة " وفق القانون الدولي: وحسب القانون الدولي فإن تعريف الدولة يجب أن يستوفي لعدد من الشروط والمعايير المهمة: عنصر الشعب، الأرض التابعة للدولة، والممارسة الفعالة لسلطة الدولة. وبالنسبة لفلسطين، فهناك تباين في المواقف بشأن ما إذا كانت الحكومة تحت سلطة الرئيس محمود عباس قادرة على ممارسة سلطة الدولة بما فيه الكفاية. فالحكومة الفلسطينية ليس لديها أي تأثير يذكر على قطاع غزة. لأن غزة تخضع لسيطر حركة حماس. يضاف إلى ذلك أن سياسة الاحتلال الإسرائيلي تقيد قدرة الحكومة على التحرك في مجالات كثيرة.

لم يوضح ماكرون الأراضي التي ستشملها الدولة الفلسطينية، كما أنه لم يشر إلى حدود الدولة، ولم يوضح موقفه من مشروع ضم الضفة الغربية، مما يثير تساؤلات حول ما إذا كانت ستشمل الضفة الغربية، القدس الشرقية، وغزة، وكيفية التعامل مع الانقسام السياسي الفلسطيني بين فتح وحماس.

وفقًا للقانون الدولي كما يُفهم في فرنسا، فإن صفة الدولة تتطلب إقليمًا، وسكانًا، وسلطة فعالة لإدارة كلاهما"، ويعتقد أنه "من الصعب الادعاء بأن هذه الشروط متوفرة في الوضع الحالي للأمور في حالة فلسطين. لذا، فإن 'الاعتراف بدولة فلسطينية' يُعتبر فعليًا اعترافًا بواقع افتراضي، إذا جاز لنا استخدام هذا التناقض." من الصعب الادعاء بأن هذه الشروط متوفرة في الحالة الراهنة بالنسبة لفلسطين. إن "الاعتراف بدولة فلسطينية" يعني في الواقع الاعتراف بواقع افتراضي، إن جاز لنا أن نستخدم هذا التناقض. من الناحية السياسية، كانت الدبلوماسية الفرنسية حتى الآن تعتبر أن الاعتراف الهام حقًا بدولة فلسطينية سيكون من جانب إسرائيل نفسها؛ لذا يجب أن ينشأ دولة فلسطينية قابلة للحياة من خلال حوار بين الإسرائيليين والفلسطينيين، دون أن تهدد أمن إسرائيل.

يذكر أن البرلمان الإسرائيلي (الكنيست) صوّت، الأربعاء 23 يوليو 2025، بأغلبية 71 صوتاً من إجمالي 120 مقابل 13 لصالح ضم الضفة الغربية، مما أثار تساؤلات حول مستقبل الدولة الفلسطينية.

لكن دولة فلسطين معترف بها بالفعل من قبل ثلاثة أرباع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة (147 دولة من 193) ، ومن بين هذه الدول ، تشير الصحيفة البريطانية ذا غارديان إلى دول ثقيلة مثل الصين والهند وروسيا. في مايو 2024 ، اعترفت دول أوروبية أخرى ، منها أيرلندا وإسبانيا والنرويج ، بها ، وانضمت إليهم سلوفينيا بعد شهر. اعترفت المكسيك بها في بداية العام. "عندما أعلنت فرنسا نيتها الاعتراف بفلسطين، لم يكن أي بلد من مجموعة السبع قد التزم بذلك بعد" .

  1. نزع سلاح "حماس": تأسست حركة حماس في نهاية ثمانينيات القرن العشرين، وكانت نتاجًا للجناح المسلح لجماعة "الإخوان المسلمون". وزادت من مستوى وكثافة هجماتها الانتحارية ضد المدنيين خلال تسعينيات القرن العشرين، بعد اتفاقات أوسلو، التي أوجدت مجالاً لنشاط الجماعات المتطرفة من الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي. لا تزال الحركة تحتفظ بنفوذ في قطاع غزة و"تظل اللاعب المهيمن في غزة.

تتضمن شروط الاعتراف الفرنسي بالدولة الفلسطينية مجموعة صارمة، وعلى رأسها ضرورة أن يقوم رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية محمود عباس (89 عاما) بإجراء إصلاحات شاملة داخل السلطة. ومن بين تلك الإصلاحات استبعاد أي فرد من حركة حماس من الحكومة، بالإضافة إلى قبول فكرة إنشاء دولة فلسطينية مستقبلية غير مسلحة. ويُعتبر استبعاد حزب حماس مطلباً جديداً لدول المنطقة، التي أعربت عنه لأول مرة، معبرة عن استنكارها لما حدث في السابع من أكتوبر 2023 .

كما أبرز "إعلان نيويورك" أهمية التوصل إلى تسوية سلمية للقضية الفلسطينية وتطبيق مبدأ حل الدولتين، مؤكدًا على ضرورة إنهاء سيطرة حركة "حماس" وتسليم أسلحتها إلى السلطة الفلسطينية. كما أعرب الإعلان عن ترحيبه بالالتزام الذي أعلنه رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في العاشر من يونيو 2025، حيث أدان فيه الأعمال الإرهابية التي وقعت في السابع من أكتوبر، وطالب بالإفراج عن الرهائن المحتجزين وتسليم حماس سلاحها. كما التزم عباس بوقف دفع التعويضات لأهالي الشهداء والأسرى، وإجراء تعديلات على المناهج الدراسية، وتنظيم انتخابات تشريعية ورئاسية، بشرط أن تلتزم الأطراف الفلسطينية باتفاق أوسلو وفقاً للبيان الفرنسي في مؤتمر صحافي عقب المؤتمر، بالإضافة إلى قبول مبدأ إقرار دولة فلسطينية منزوعة السلاح.

  1. تأثير محدود في ظل الاحتلال: الاعتراف قد يكرس الوضع الراهن في ظل استمرار الاحتلال والاستيطان، دون ضمانات بحقوق الفلسطينيين مثل حق العودة والسيادة الكاملة. كما أن الاعتراف قد يتم استغلاله لإرجاع القضية الفلسطينية إلى النقطة السابقة، أي إلى مفاوضات غير مثمرة حول "حل الدولتين"، التي تُهمل جوهر الصراع المتمثل في حق العودة، وإنهاء الاحتلال، وتفكيك نظام الفصل العنصري.

ويبدو أن الوضع الراهن يعزز فكرة الدولة الواحدة بدلاً من إحياء حل الدولتين. الحملة الإسرائيلية على غزة تمهد لاستعادة السيطرة المباشرة على القطاع، وقد تشمل إزالة السكان الفلسطينيين هناك. في الضفة الغربية، يقوم المستوطنون الإسرائيليون، بدعم من القوات الأمنية، بعمليات عنف تُستهدف بها المجتمعات الفلسطينية لإفراغها تمهيدًا لضمها رسميًا. وقد عبّر المسؤولون الإسرائيليون، وعلى رأسهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، عن عدم اهتمامهم بحل الدولتين، مثلما أظهر في زيارته الأخيرة للبيت الأبيض في أوائل يوليو بدعوة من الرئيس ترامب. وتشير تقارير متعددة إلى أن "صفقة ترامب الكبرى" – التي تربط إنهاء الحرب في غزة بتوسيع التطبيع مع الدول العربية – لا تتضمن إقامة دولة فلسطينية.

ووفق محللين إسرائليين فإن السلطة الفلسطينية لا تفي بالمعايير القانونية الأساسية لتصبح دولة، وذلك بسبب غياب 'حدود محددة، والقدرة على إقامة علاقات دبلوماسية حقيقية، واهتمام حقيقي بالسلام'. من جانبها، تلاحظ وسائل الإعلام الأمريكية أن حدود دولة فلسطين لا تزال بحاجة إلى تحديد: يعتقد البعض أنه يجب أن تكون كما كانت قبل عام 1967، لكن منذ ذلك الحين، تم إنشاء عدد متزايد من المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، حيث يعيش اليوم حوالي 600,000 إسرائيلي، وكذلك في القدس الشرقية المحتلة.

  1. غياب إجماع أوروبي: بينما انضمت دول أوروبية مثل إسبانيا، أيرلندا، النرويج وسلوفينيا للاعتراف بفلسطين في عام 2024، يبقى الموقف الأوروبي غير موحد؛ حيث أكدت برلين أنها لا تخطط لاتخاذ خطوة مماثلة في المستقبل القريب مما يحد من تأثير الخطوة الفرنسية. رغم ترحيبه بهذه الخطوة. و يرى ماريان دوريس، مستشار السياسة الخارجية في المفوضية الأوروبية، أن "الاعتراف" وحده لا يكفي لإحداث تغيير في الواقع الجيوسياسي، إذ يعتبر أن بعض هذه التحركات تأتي بطابع رمزي وتهدف إلى استمالة الجاليات المهاجرة أو الناخبين النشطين. وأشار إلى أن السياسات الأوروبية ما زالت تخضع لمعايير مزدوجة، لافتًا إلى أن بعض الدول الأوروبية ستعتمد موقف "الحياد الآمن"، مكتفية بالدعوة إلى وقف إطلاق النار في غزة دون اتجاه للاعتراف الرسمي. وأوضح دوريس أن مواقف الدول تتأثر بعقلياتها السياسية وظروفها الداخلية، وأحيانًا تكون مرتبطة بالاعتبارات الانتخابية، مشيرًا إلى أن المفوضية والاتحاد الأوروبي ليس لديهما صلاحية الاعتراف بالدول بالنيابة عن الدول الأعضاء، إذ تُعدّ هذه المسألة من الاختصاصات السيادية لكل دولة على حدة.
  2. تحدي الهيمنة الأمريكية: من الواضح أن العلاقة بين ماكرون وترامب ليست بالعلاقة المثالية، حيث قام الرئيس الأمريكي بانتقاد نظيره الفرنسي في عدة مناسبات، بما في ذلك انتقاده لاعتراف ماكرون بفلسطين. بالمقابل، فإن ماكرون لا يثق في الإدارة الأمريكية التي يعتبرها معادية لأوروبا أو غير مبالية بها على الأقل. خصوصا بسبب الخلافات حول أوكرانيا والتعريفات الجمركية، فقد شعر الرئيس الفرنسي أن الوقت قد حان لاتخاذ موقف مغاير عن الولايات المتحدة وتقديم رؤية أوروبية متميزو للشرق الأوسط، لذلك، يعتقد ماكرون أن الاعتراف بدولة فلسطينية يحقق له أهدافه الشخصية في تكريس سياسة بلاده بشكل مستقل، ويعزز من دور باريس كعضو فاعل في منطقة الشرق الأوسط بعد أن تم تهميشها لعقود بفعل النفوذ الأمريكي.

إن التأمل في الرؤية الأميركية للدولة الفلسطينية عبر الزمن يدل على أن الأميركيين لم يقصدوا بعبارة "الدولة الفلسطينية" قط دولة ذات سيادة، وإنما قصدوا بها –ولا يزالون-حكما ذاتيا للمناطق التي تتركز فيها كثافة سكانية فلسطينية، يحرر إسرائيل من الكلفة المادية والعبء الأمني لإدارتها، مع إحاطة إسرائيل بها جغرافيا، وتحكم الإسرائيليين في منافذها الجوية والبرية والبحرية، وفي مسارها السياسي، وحتى في ثقافتها وقيمها الاجتماعية.

فاستقراء كل المبادرات والأطروحات الأميركية حول هذا الموضوع في العقود الثلاثة الماضية، من كامب ديفيد إلى خريطة الطريق، يدل على أن سقف الطرح الأميركي كان دائما محصورا بحدود الحكم الذاتي، وكل ما وراء ذلك أمانٍ ووعود. يشار إلى أن وزارة الخارجية الأمريكية أصدرت بياناً يوم الخميس 31 يوليو2025 أعلنت فيه عن فرض عقوبات على مسؤولين من السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير، متهمةً كلاً منهما بمحاولات اتخاذ خطوات لتدويل صراعهما مع إسرائيل.

  1. معارضة داخلية:

في فرنسا، واجه القرار انتقادات حادة، حيث اعتبرت زعيمة اليمين المتطرف، مارين لوبان، أن "الاعتراف بالدولة الفلسطينية اليوم يعني الاعتراف بدولة حماس، ومن ثم دولة إرهابية". كما اعتبر المجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية في فرنسا أن القرار يمثل "فشلاً أخلاقياً وخطأً دبلوماسياً وسياسياً"، مع العلم أن فرنسا تحتضن أكبر جالية يهودية في أوروبا، حيث يقدر عددها بنصف مليون شخص.

خاتمة

يُعدّ إعلان ماكرون نية فرنسا الاعتراف بدولة فلسطين لحظة مفصلية في مسار السياسة الخارجية الفرنسية تجاه الشرق الأوسط، وفرصة لإعادة إحياء الدينامية الدولية تجاه الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. لكن، تبدو الخطوة التي اتخذتها فرنسا كأنها محاولة استراتيجية تهدف إلى تهدئة الغضب الشعبي في أوروبا بسبب المجازر في غزة، بدلاً من كونها تحولًا حقيقيًا في سياستها الخارجية. كانت فرنسا حريصة على عدم قطع علاقاتها مع إسرائيل، ولم ترتبط تصريحاتها بأي التزام قانوني لوقف العدوان أو رفع الحصار. علاوة على ذلك، فإن المبادرة الفرنسية لا تقدم شيئًا جديدًا فيما يتعلق بإيجاد حل جذري، بل تبدو وكأنها محاولة لإعادة إحياء النموذج الإسرائيلي التقليدي الذي يعتمد على "دولة فلسطينية" ناقصة السيادة، ذات صلاحيات محدودة، وتتبع المنظومة الأمنية والاقتصادية الغربية.

سيكون من المغري أن نقول، باقتباس من ريمون آرون: الاعتراف صعب، وعدم الاعتراف غير محتمل، إن لم يكن مستحيلاً.

 

 

د.محمد بوبوش، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الأول بوجدة