Friday 15 August 2025
منبر أنفاس

عبد الصمد العيوشي: تدبير الدولة للصحراء المغربية.. من أجل مقاربة أفضل

 
 
عبد الصمد العيوشي: تدبير الدولة للصحراء المغربية.. من أجل مقاربة أفضل عبد الصمد العيوشي

تحظى الصحراء المغربية، التي تُعرف دوليا بالصحراء الغربية، بأهمية خاصة لدى الدولة، على اعتبار انها تُشكل محل الصراع بينها و بين أعدائها الممثلين عمليا في جبهة البوليساريو و داعميها من حكومات و منظمات. 

 

تبلغ مساحة هذه المنطقة بما يقدر ب 000 266 كيلومترا مربعا، أما طول ساحلها فيصل إلى 1100 كيلومتر. و تتحدد إحداثياتها الجغرافية التقريبية كما يلي : خط العرض (Latitude) بين 20° و 27°شمالًا، و خط الطول (Longitude) بين 12° و 17° غربًا.

 

و في التنظيم الإداري المغربي، فإن هذه المنطقة تؤطر أغلب أراضيها ضمن جهتي "العيون الساقية الحمراء" و "الداخلة وادي الذهب". إلا أنه لا ينبغِ أن يُعتقد بأن هذه المنطقة تتجسد عمليا فيهما، فالأولى تضم مناطق لا تُحسب على الصحراء الغربية مثل منطقة "طرفاية". و بالمقابل فهي لا تضم مناطق أخرى تعد جزء منها في الحقيقة، مثل منطقة "المحبس" التي توجد إداريا في "جهة كلميم واد نون".

 

و لأجل حل هذا النزاع المفتعل، بادر المغرب عام 2007 بتقديم مقترح إلى هيئة الأمم المتحدة همَّ منح الإقليم المعني حكما ذاتيا موسعا تحت سيادته.

 

 و ما لوحظ بشأن تدبير الدولة له، اعتباره اهتماما من بين اهتماماتها الكثيرة؛ أي حسبه كباقي الأقاليم الأخرى بالبلاد، دون تمييزه بشكل إيجابي في إطار الممارسة السياسية و الإدارية؛ و هو الأمر الذي لا يتناسب مع خصوصيته، نظرا للاعتبارت سالفة الذكر.

 

و بحكم أن الدولة مقبلة مستقبلا على التعامل معه كمنطقة حكم ذاتي، فإنه ينبغي، و من الآن، تغيير طريقة تعاطيها تجاهه، بتخصيص مقاربة خاصة له.

 

في هذا الصدد ، نود عرض مجموعة من الاقتراحات التي تهم كيفية تجويد تدبير المؤسسات الرسمية للبلاد لهذه المنطقة.

 

و حتى تتلائم هذه المقترحات مع الطبيعية  الادارية المتبناة في تدبير شؤون الصحراء المغربية، فإن كل ما سيطرح بعده من تصورات قد يشمل، إلى حد ما، كافة الجهات الجنوبية الثلاث كافة، أي الجهتين سالفتي الذكر المتعلقة بالمنطقة المعنية، إلى جانب جهة كلميم واد نون،  نظرا كما قلنا إلى أن أراضي منها تعد جزء من تراب الصحراء المغربية، و لاعتبار آخر يتعلق بكون أن تلكم الجهات تشكل كلها وحدة متجانسة في غالبيتها على كافة المستويات، خصوصا الجغرافية و الثقافية؛ لذا ينبغي عند التعاطي مع كل واحدة منها ضمن رؤية شمولية تُموضعها في الإطار الصحراوي الجامع. إلا أن الأولية في كل هذه الاقتراحات تبقى مُنصبة على منطقة الصحراء المغربية بالدرجة الأولى، من الناحية السياسية و الإدارية، على أن تُدمج باقي المناطق الصحراوية الجنوبية في ظل مخططات التنمية التي تهم الأقاليم الجنوبية كافة.

 

يتعلق الإقتراح الأول بالضرورة الملحة لإنشاء منصب وزاري جديد بالحكومة المغربية و الذي يهم تعيين "وزير منتدب لدى وزير الداخلية مكلف بالصحراء المغربية"، الذي من المفترض أن يكون منسق تدخلات الدولة في هذه المنطقة حاليا، و مستقبلا كمسؤول وصي على مندوب الدولة لدى جهة حكم ذاتي حال تطبيق الحل المقدم من طرف الحكومة المغربية.

 

و تكمن أهمية وجود هذا المنصب في وزارة الداخلية لعلة الوظيفة المحورية التي تلعبها هذه الأخيرة بشأن تلك المنطقة، سواء من الناحية السياسية أو الأمنية، و كذا الإدارية من خلال "الإدارات الترابية" التي تتبعها بها، فيما يخص التنسيق بين الدولة و الجماعات الترابية هناك، و بين مصالح الأولى بذات الموقع،  في علاقاتها ببعضها البعض.

 

و من المفترض أن يضطلع هذا الوزير المنتدب بأدوار مهمة على المستوى الدبلوماسي، بغرض الدفاع عن سياسة الدولة تجاه المنطقة المذكورة، جنبا إلى جنب مع وزير الخارجية، و كطرف مساعد له أيضا في المفاوضات المتعلقة بحل النزاع المثار بشأنها.

 

هذا فضلا عن أدواره المفترض أن يقوم بها وطنيا من خلال تنسيق جهود مختلف القطاعات الوزارية و المتدخلين في تنمية الجهات الجنوبية الثلاث، و ذلك في إطار المقاربة الشمولية التي تنهجها الحكومة من أجل تطوير تلكم؛ في أفق تطوير نموذج تنموي موحد، مندمج، و ناجع بخصوصها.

 

و لغاية جعل الصحراء المغربية في طليعة اهتمامات الدولة للاعتبارات سالفة الذكر، يُقترح بهذا الصدد إنشاء "مجلس وطني للصحراء المغربية" بموجب مرسوم، يرأسه "رئيس الحكومة" و ينوب عنه إن اقتضى الحال "وزير الداخلية"، و يتركب، بالإضافة إليهما، من باقي أعضاء الحكومة الآخرين ، مع إمكانية استدعاء أي مسؤول عمومي آخر لحضور أشغال المجلس.

 

 أما بخصوص كتابة هذا الأخير، فيفترض أن يشرف عليها "الوزير المنتدب" سالف الذكر من خلال الإدارة التابعة له.

 

و يُترجى من إنشاء هذا المجلس تدارس المسائل السياسية التي تخص الإقليم المعني، و كذا التنسيق بين القطاعات الوزارية من أجل توحيد الجهود و ضمان الالتقائية بينها إبان تدخلها فيه، تجسيدا للتميز الذي يؤمل أن يحظى به لدى الحكومة.

 

و في سبيل تمتع هذه المنطقة بالأهمية المطلوبة لدى كافة مكونات الحكومة، يُقترح أن يتمم المرسوم 2.22.80 بشأن مبادئ و قواعد تنظيم إدارات الدولة و تحديد اختصاصاتها (الصادر سنة 2024)، بالمقتضيات التي تلزم الوزارات بجعل ذلك الاقليم في طليعة اهتماماتها، من خلال إنشاء جهاز مركزي بها، يعمل على تجسيد عنايتها به، و تتبع تنفيذ البرامج و السياسات التي تخصه.

 

و يتوجب من أجل تحقيق ذلك، تكييف المراسيم المنظمة لهياكل و اختصاصات الوزارات مع هذا المتطلب.

 

و من أجل ضمان حظو هذه المنطقة بنصيبها المستحق و المتميز من التدخلات التنموية للدولة، نقترح بهذا الإطار اتباع مقاربة جديدة في السياسات العمومية تتمثل في "المقاربة الصحراوية الحسانية"، التي تقوم على ضرورة الأخذ بعين الاعتبار وضعية الصحراء المغربية عند التخطيط و التنفيذ لأي سياسة عمومية أو برنامج تنموي وطني،  حيث يُرجى أن يُكيف أي منهما مع حاجياتها و خصوصياتها، و العمل على جعل استفادتها من ثمار التدبير العمومي ضمن أولويات المسؤول الحكومي.

 

و يُقترح بهذا الصدد أن تتضمن الوثائق المتعلقة بالخطط أو السياسات العمومية بجزء خاص يبرز النصيب الذي يتعلق بالمنطقة المعنية، و بسط كيفية انتفاعها منها، تجسيدا لما ترمي إليه هذه المقاربة المقترحة. و نفس الأمر يؤمل أن يُطبق على قوانين المالية، التي يُرجى أن تُرفق بوثائق تهم مكانة تلك المنطقة ضمن التصور الميزانياتي للدولة، لاسيما في الجانب الإنفاقي.

 

بالموازاة مع جهود الدولة بهذا الإطار، يُقترح أن يكون البرلمان كذلك مواكبا لهذه العناية الخاصة بالصحراء المغربية، من خلال إنشاء لجنة برلمانية مشتركة بين مجلس النواب و مجلس المستشارين تضم أعضاء متساويين من كلا الغرفتين، و يؤمل أن تضم منهما أيضا، و على وجه الخصوص، رؤساء اللجان الدائمة، و رؤساء مجموعات العمل الدائمة بهذه الاخيرة المعنية بتلك المنطقة، من زاوية اختصاص اللجنة التي تنتمي إليها، بالإضافة إلى رؤساء الفرق و المجموعات البرلمانية.

 

و يُنتظر من هذه اللجنة أن تعمل على التنسيق بين مكونات البرلمان من أجل تدارس الصحراء المغربية، خصوصا من النواحي السياسية و الدبلوماسية، و كذا فيما يخص تنميتها.

 

و يُقترح بهذا الصدد أن يجتمع نصف الأعضاء من اللجنة من مجلس، قصد التشاور بشأن القضايا السالفة، و تنسيق جهود اللجان الدائمة بهذا الصدد،  و التحضير لاجتماعات اللجنة المشتركة.

 

 لقد كان تضامن المغاربة و تآزرهم في الشدائد مصدر قوة لبلادنا على الدوام. إذ ما فتئوا خلال فترات الأزمات يُجسدون قيم الأخوة و التعاون و العطاء دون مقابل، مبرزين روح "التامغرابيت" و الوطنية الحقة من خلال أعمالهم.

 

و قد كانت آلية التبرع المالي أحد أهم مظاهر ذلكم، كما كان الحال عندما هبَّ المواطنون للتبرع ماليا في حسابين مرصدين لأمور خصوصية بالخزينة العامة اللذين فتحتهما الحكومة بموجب مرسومين، الأول بعد تفشي وباء كورونا ببلادنا سنة 2020، و الثاني عقب زلزال الحوز الذي حدث في 08 من شتنبر 2023، إذ شكلت الموارد المتأتية من تبرعات المغاربة أحد أهم مصادرهما.

 

لذا، يُقترح في هذا الصدد قيام الدولة بحملات إعلانية للدعوة للتبرع المالي لفائدة "حساب النفقات من المخصصات المتعلق بتنمية الأقاليم الجنوبية"، في الفترة التي تسبق و تلي بمدة قصيرة ذكرى المسيرة الخضراء المظفرة، على أن تظل بالمواقع العمومية الرسمية إعلانات تحفز على التبرع فيه.

 

 لقد بات حبنا و تعلقنا بالصحراء المغربية على وجه الخصوص، و عملنا من أجل تنميتها و الدفاع عنها، أحد المقاييس الرئيسية لدرجة وطنيتنا و انتماءنا لهذا البلد العزيز؛ لذا ينبغي أن نُكمل المسير في هذا السبيل تحقيقا للخير العام الذي نصبو إليه جميعا.

عبد الصمد العيوشي، باحث في القانون العام