غزة لم تكن لتنتظر منا طائرات أو تحالفات، كانت فقط تنتظر أن نثبت أننا ما زلنا أحياء بالضمير. كل صاروخ مزّق ليلها، فضح صمتنا المهين، وكل شهيد سقط فيها، كشف خواء الشعارات التي كنا نرددها كل حين وكلما أردنا الهروب من عجزنا وتخاذلنا.
ليست المشكلة فقط في وجه الاحتلال، بل في أقنعة الصمت التي يلبسها من يُفترض أنهم أصحاب الدم واللغة والمصير المشترك. غزة لم تتوقف يوما عن الاحتراق ودموعها لم تجف، بينما في بعض العواصم يجري حساب الأرباح السياسية ويُوزن رد الفعل بميزان المصالح لا القيم، وتُرتب الكلمات وفق أجندات تخاف أن تنطق بالحق.
الحصار المفروض على غزة لم يكن من العدو وحده، بل كان أيضًا من شقيق أدمن الحياد الذي اختار المواقف المترددة، ومن آخر يحسب دعم غزة عبئًا سياسيًا يؤثر على مواقعه، وثالث يخشى أن يرفع صوته خوفًا على كرسٍي أو موقعٍ في السلطة.
ما يحدث في فلسطين ليس فقط نكبة مستمرة، بل اختبار أخلاقي إنساني قاسٍ سقط فيه كثيرون، نحن الذين تفنّنا في إضاعة البوصلة، في بناء أوطان وهمية على رمال التبعية والضعف. اليوم لم يعد أحد يهابنا، لأننا لم نعد نخيف إلا أنفسنا، وأعداءنا يتربصون بنا بثقة.
غزة لا تعرّي الاحتلال فقط، بل تفضح واقعنا الداخلي بكل قسوة. كل لحظة صمود فيها تطرح سؤالاً علينا: من أنتم؟ وما هي القيم التي ما زلتم متمسّكين بها؟ وما هو مصير هذه الأمة التي تتنازع على تقاسم الجراح ولا توحد صفوفها في مواجهة التحديات؟
إن لم نكن لفلسطين، فلمن نكون؟ وإن لم ننتصر للحق هناك، فبأي وجه سنتكلم بعدها عن الكرامة ؟ غزة هي القلب الذي ينبض، والصوت الذي لا يجب أن يُسمع فقط، بل أن يشعر به كل حرّ في هذه الأرض.