في زمن تتسارع فيه التحولات وتصاغ فيه الآراء عبر كبسة زر، تبقى الصحافة ـ أو هكذا يفترض ـ مرآة المجتمع، وضميره الحي، وسلطته الرابعة التي لا ترضى أن تكون مجرد صدى لصوت السلطة، ولا مطية لنزوات "الترند".
لقد تعودنا على صحافة تنبض بالقيم تصنع النقاش تُعري الفساد، تطرح الأسئلة المحرجة وتخدم الصالح العام.
صحافة نضالية تدافع عن قضايا المواطن، وتشهر قلمها في وجه العبث والتسيب.
صحافة نضالية تدافع عن قضايا المواطن، وتشهر قلمها في وجه العبث والتسيب.
لكن، للأسف، هذا النموذج بدأ ينحسر أمام زحف نوع جديد من الصحافة، أو ما يشبهها، صحافة هجرت ساحات القضايا الجادة، لتقيم في عوالم التافه والمكرر والمجامل. صحافة تبحث عن "اللايك" لا عن الحقيقة، عن "السناب" لا عن المشهد العام.
صرنا نرى أقلاما تنغمس في تفاصيل تافهة لا تقدم شيئاً للقارئ سوى الضجيج، وتنخرط في حملات تطبيل مجانية لمن هم في الأعلى بدل مساءلتهم. قلما أن نجد اليوم منبراً إعلامياً يطرح قضية مصيرية أو يسلط الضوء على واقع يعانيه الناس بعيداً عن الإثارة والسطحية.
ومع ذلك، لا بد من الاعتراف بأن هناك استثناءات. هناك منابر وأقلام ما تزال تقاوم التيار، تؤمن برسالة الصحافة، وتؤدي مهمتها بضمير ومهنية رغم الضغوط وقلة الإمكانيات. لكنها قليلة... ونادرة.
فهل يعقل أن تتحول الصحافة من رافعة للوعي إلى مروج للفراغ؟ وهل يكتب لمجتمع أن يتطور إذا صمتت أقلامه، أو صارت تضحك حين يجب أن تصرخ؟
إننا اليوم في حاجة ماسة إلى صحافة تخرج من "منطقة الراحة"، وتعود إلى الميدان، وتختار الوقوف في صف الحقيقة مهما كان الثمن. صحافة لا تخشى السلطة، ولا تجامل رأس المال، ولا تلهث خلف "الترند"، بل تنتمي لقيم المواطنة، والمساءلة، والعدالة.
الصحافة التي نحتاجها اليوم ليست ترفاً... بل ضرورة.