ما يحدث اليوم في البوادي المغربية، خاصة في الأسواق الأسبوعية، يُثير كثيراً من الأسئلة وقليلاً من الطمأنينة.
منذ انطلاق عملية الإحصاء الميداني التي تقودها وزارة الداخلية، والموجهة لحصر إناث القطيع في أفق استفادة الكسابة من دعم تقني ومالي في المرحلة القادمة، لوحظ تراجع كبير في أثمنة المواشي، وتزايد العروض بشكل غير معتاد.
البعض سارع إلى تفسير هذا المعطى بـ"وفرة العرض"، لكن الحقيقة مختلفة تماماً، بل ومؤلمة:
الكساب المغربي، خصوصاً الصغير، بدأ يتخلص من قطيعه طواعيةً، لا لاحتياج، بل للحفاظ على مؤهلات الاستفادة من الدعم الاجتماعي المباشر.
تخيلوا هذه المفارقة:
كساب يُباع قطيعه - الذي تعب في تربيته ورعايته – فقط حتى لا "يرتفع المؤشر"، فيُحرم من 500 درهم شهرياً تصله بانتظام عبر السجل الاجتماعي الموحد!
يرى في تسجيل النعاج خطرًا على دخل أسرته، ويعتبر الترقيم والتصريح شبهة، لا فرصة.
كل هذا يحدث، رغم أن وزارة الفلاحة أطلقت حزمة دعم مهمة، منها منحة 400 درهم عن كل أنثى، ودعم في الأعلاف، وتأطير بيطري وتقني، بهدف واضح: إعادة تكوين القطيع الوطني بعد سنوات الجفاف والارتباك في التدبير.
لكن يبدو أن كل هذه الإجراءات سقطت في فخ انعدام الثقة.
الكساب البسيط لم يعد يؤمن أن ما يُعلن عنه سيصل إليه، ولا يثق في أن التسجيل سيمنحه الأفضل.
على العكس، يرى أن الإدلاء بالمعلومة يعني تعقيد حياته، أو إخراجه من خانة "الهشاشة" التي تتضمن له دخلاً بسيطاً... لكنه مضمون.
النتيجة:
تهرب من الإحصاء، عرض إناث القطيع للبيع بثمن بخس، فقط للبقاء في منطقة الأمان: "500 درهم للعائلة".
وهكذا يصبح القطيع "عبئاً"، لا رأسمالاً.
وتصبح النعجة "عدواً"، بدل أن تكون مورداً.
إن الكساب الصغير يقتل نفسه بنفسه هذه المرة.
المناسبة ساحة مفتوحة أمامه ليستفيد من دعم الدولة، إلا أنه اختار – كما هي عادته – ترك مكانه فارغاً للكساب الكبير و"مول الشكارة" ليستفيد أكثر من الدعم العمومي... للأسف الشديد.
هذا السلوك – وإن بدا غريباً – هو في جوهره انعكاس لفقدان الثقة في الدولة ومؤسساتها، وتعبير عن عقلية تتكون حين لا يُصان الوعد، ولا تصل الإجراءات إلى الفلاح كما يجب.
في هذا المشهد، لا قيمة لبرامج الدعم، ولا جدوى للتمويل، إذا لم نُرمم أولاً جسور الثقة.
لا نفع لدعم الأعلاف ولا لمنح 400 درهم عن كل أنثى، إذا كان الكساب يظن أن كل هذه البرامج ستُخرجه من خانة الاستحقاق بدل أن تُخرجه من الفقر.
ما نحتاجه اليوم ليس فقط دعماً مالياً، بل رؤية عادلة وشجاعة:
تشجع من ينتج لا من ينتظر، وتُكافئ الصدق لا التمويه، وتضع القطيع في صُلب السياسات لا على هامش الدعم الاجتماعي.
فالفلاحة ليست حالة اجتماعية يُعالجها السجل الموحد، بل قطاع استراتيجي يُبنى على الثقة، الاستقرار، والوضوح.
وحتى يتحقق هذا، سيبقى الكساب الصغير – للأسف –
يهرب من الدعم... بحثاً عن الدعم.
منذ انطلاق عملية الإحصاء الميداني التي تقودها وزارة الداخلية، والموجهة لحصر إناث القطيع في أفق استفادة الكسابة من دعم تقني ومالي في المرحلة القادمة، لوحظ تراجع كبير في أثمنة المواشي، وتزايد العروض بشكل غير معتاد.
البعض سارع إلى تفسير هذا المعطى بـ"وفرة العرض"، لكن الحقيقة مختلفة تماماً، بل ومؤلمة:
الكساب المغربي، خصوصاً الصغير، بدأ يتخلص من قطيعه طواعيةً، لا لاحتياج، بل للحفاظ على مؤهلات الاستفادة من الدعم الاجتماعي المباشر.
تخيلوا هذه المفارقة:
كساب يُباع قطيعه - الذي تعب في تربيته ورعايته – فقط حتى لا "يرتفع المؤشر"، فيُحرم من 500 درهم شهرياً تصله بانتظام عبر السجل الاجتماعي الموحد!
يرى في تسجيل النعاج خطرًا على دخل أسرته، ويعتبر الترقيم والتصريح شبهة، لا فرصة.
كل هذا يحدث، رغم أن وزارة الفلاحة أطلقت حزمة دعم مهمة، منها منحة 400 درهم عن كل أنثى، ودعم في الأعلاف، وتأطير بيطري وتقني، بهدف واضح: إعادة تكوين القطيع الوطني بعد سنوات الجفاف والارتباك في التدبير.
لكن يبدو أن كل هذه الإجراءات سقطت في فخ انعدام الثقة.
الكساب البسيط لم يعد يؤمن أن ما يُعلن عنه سيصل إليه، ولا يثق في أن التسجيل سيمنحه الأفضل.
على العكس، يرى أن الإدلاء بالمعلومة يعني تعقيد حياته، أو إخراجه من خانة "الهشاشة" التي تتضمن له دخلاً بسيطاً... لكنه مضمون.
النتيجة:
تهرب من الإحصاء، عرض إناث القطيع للبيع بثمن بخس، فقط للبقاء في منطقة الأمان: "500 درهم للعائلة".
وهكذا يصبح القطيع "عبئاً"، لا رأسمالاً.
وتصبح النعجة "عدواً"، بدل أن تكون مورداً.
إن الكساب الصغير يقتل نفسه بنفسه هذه المرة.
المناسبة ساحة مفتوحة أمامه ليستفيد من دعم الدولة، إلا أنه اختار – كما هي عادته – ترك مكانه فارغاً للكساب الكبير و"مول الشكارة" ليستفيد أكثر من الدعم العمومي... للأسف الشديد.
هذا السلوك – وإن بدا غريباً – هو في جوهره انعكاس لفقدان الثقة في الدولة ومؤسساتها، وتعبير عن عقلية تتكون حين لا يُصان الوعد، ولا تصل الإجراءات إلى الفلاح كما يجب.
في هذا المشهد، لا قيمة لبرامج الدعم، ولا جدوى للتمويل، إذا لم نُرمم أولاً جسور الثقة.
لا نفع لدعم الأعلاف ولا لمنح 400 درهم عن كل أنثى، إذا كان الكساب يظن أن كل هذه البرامج ستُخرجه من خانة الاستحقاق بدل أن تُخرجه من الفقر.
ما نحتاجه اليوم ليس فقط دعماً مالياً، بل رؤية عادلة وشجاعة:
تشجع من ينتج لا من ينتظر، وتُكافئ الصدق لا التمويه، وتضع القطيع في صُلب السياسات لا على هامش الدعم الاجتماعي.
فالفلاحة ليست حالة اجتماعية يُعالجها السجل الموحد، بل قطاع استراتيجي يُبنى على الثقة، الاستقرار، والوضوح.
وحتى يتحقق هذا، سيبقى الكساب الصغير – للأسف –
يهرب من الدعم... بحثاً عن الدعم.
وصفي بوعزاتي، دكتور بيطري